بسم الله الرحمن الرحيم
(وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}( الأعراف 175)
هذه الاية تبين ان بلعم بن باعور من العلماء المنحرفين …انحرف عن دين الله .. لان القران الكريم يقول ” نَبَأَ ٱلَّذِي أتَيْنَاهُ آياتٍنا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا ” الآية تبين ان الله آتاه الآيات فانسلخ . فهل كان نبيا . كيف يختاره الله نبيا ثم ينسلخ . أليس هذا طعنا بمنصب النبوة ..؟.
** ما معنى الانسلاخ .؟. :أصل كلمة سلخ تكون في الزواحف والحشرات,بعض الزواحف أثناء النّموّ يتخلّص الحيوان من جلده الخارجيّ أو شعره أو ريشه لتحلّ محلّه طبقة تتصلّب فيما بعد , وإذا تجرَّدت الحيّةُ من جلدها خرجت منه وطرحته. ولما نقول عن إنسان انسلخ من جلده :أي تنكَّر لأصله اوعقيدته .وسلخ الذبيحة عزل الجلد عن اللحم . انسلخت يد فلان.عزل الجلد عن اللحم . فمن هو بلعم بن باعور .؟ وهل فعلا هو نبي .. وكيف يكون نبيا أتاه الله آيات ثم تنكر لرسالته ..؟ ثم يصبح غاويا .. ويضرب الله به مثل .. فيقول :{ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}..
**** ما هو مفهوم الهوية الإسلامية، وركائزها التي تعتمد عليها ….؟
في المجتمعات الإسلامية (يعتبر الدين الإسلامي هو الهوية الرسمية للمسلم).من خلال الانتماء لهذا الدين , وحينما يضعف التمسك بالدين تكون الهوية مفقودة .. اذن هوية المسلم تتمثل بمقدار حفظه تعاليم دينه، واعتزازه وتمسكه بمنهجه في صغير الأمور وكبيرها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ الدين في المنظور الإسلامي هو النظام والمنهج الذي يحكم جميع جوانب الحياة .. فالهوية تعني كامل الانتماء للإسلام بأبعاده المادية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ولا تقتصر على مجرد الانتماء العصبي أو القبلي أو العنصري أو الجغرافي . فالهوية تكامل نفسي فكري , تتجسد الهوية من خلال الانتماء والتطبيق .
** إذن ليس شرطا ان يحمل الإنسان هوية الإسلام وهو لا يعير أهمية لقوانين الإسلام , يعمل بكل ما يخالف تعاليم الإسلام الشرعية والأخلاقية ويقول انا مسلم. وهذا بين وواضح في الآية التي بين أيدينا .. رجل فيه كل مواصفات العلم والقيادة ويحظى بمراكز وظيفية كبيرة ولكنه لم يلتزم بهوية دينه .*.
الآية الكريمة , تذكر نبأ بلعم بن بالعوراء تبين (أن الاتصال بالأسباب الظاهرية لا يكفي في إيمان الإنسان وثباته على دينه ما لم يشأ الله ذلك، و أن الله لا يشاء لمن أخلد إلى الأرض و اتبع هواه فإن مصيره النار.
هؤلاء عادة لا يستعملون قلوبهم و أبصارهم و آذانهم فيما ينفعهم، و الآية تقول أنهم غافلون. ** بداية نقول من خلال بيان هذه الاية .. ان المنظر الظاهر للإنسان لا يمكن أن نحكم عليه او نعتبره منتميا إلى الجهة الفلانية ( مجرد ارتدى ثياب تلك الجماعة} لان كثير من الناس يعتبر ( المنظر والزي دكانا يعتاش منه بعقول البسطاء).” وقد يكون العالم او الملتحي او المصلي ناويا الصلاح في بداية حياته.. ولكنه لم يحصل على التسديد الإلهي .هنا المشكلة , لان ترسبات الانحراف مركوزة في نفسه . ولكن الظروف غير مواتية ..
** ورد في بحار الأنوار وفي كمال الدين: قال: حدثنا أبو علي بن همام بهذا الدعاء وذكر أن الشيخ (قدس) أملاه عليه، وأمره أن يدعو به، وهو الدعاء في غيبة القائم(عج): اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك، لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن ديني. اللهم لا تمتني ميتة جاهلية، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ..
دعاء فيه كلمات واضحة ان هناك ضلالة وأنت تطلب الثبات على الإيمان .. إن هذا الدعاء يتحدث عن أول واجبات العلاقة مع الإمام الحجة (عج) وهو مقدم على كل واجب ديني لأن معرفة الإمام ( المعرفة بالإمام من عدمه لا يكون إلا بتوفيق ولا تتيسر الأمور من الله الا بتوفيق توسط الإمام لمعرفة الله ورسوله. وتشير معظم الأدعية المستحبة قراءتها في عصر الغيبة إلى وجوب التعرف على إمام العصر والزمان حتى لا ينحرف الإنسان ,عن زرارة أن الإمام الصادق (ع)سأله عن غيبة القائم: قال«يَا زُرَارَةُ، وهُوَ الْمُنْتَظَرُ، وهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ» فقال زرارة: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، إِذَا أَدْرَكْتَ ذلِكَ الزَّمَانَ، فَادْعُ بِهذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ؛ اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي»..فمعرفة إمام العصر والارتباط به، وبنهجه، ضمانة من الانحراف والضلال «فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي» فمعرفة الحجة ضمان للاستقامة على طريق الحق.
**( من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ) هذا الحديث ورد بألسنة متعددة ، رواه مسلم في صحيحه.. ” من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية “.وفي مسند أحمد ج4 ص 96 : ” من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية “.غير ان ابن تيمية يقول :” لم يثبت أن النبي (ص) قاله هذا مجهول عند أهل العلم بالحديث”.
** أعود إلى الآية ..كيف يحدث التوفيق للإنسان في البقاء على دينة ..؟ وكيف يحدث الانحراف.؟ اذا كان الامر كله لله.. فما هو دور الإنسان .؟
*(المعروف ان الله خلق الإنسان وميزه عن الحيوان .حين خلق له العقل . عن الامام الباقر(ع) قال: لما خلق الله العقل, استنطقه قال له: أقبل فأقبل ثم قال : أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما إني إياك آمر، وإياك أنهى وإياك أثيب وأعاقب،..
**** ما معنى الاشاءة . تنقسم الاشاءة إلى ثلاثة أقسام .. الأولى : شاء الشيء: أراده حاول ان يفعله ويريده .. يقول الشاعر : اهوى رباك وكيف لي بمنازل .. حشدت علي ضغائنا وحقودا .. لو شئت ان تعطي حشاي صبابة .. فوق الذي بي ما وجدت مزيدا .. هنا يقول الشاعر لو أردت ان تضع في قلبي مزيدا من حبك .
الثاني : شاء الله الشيء: قدره….ما معنى التقدير..؟ التقدير حُكْم فِكْريّ وأَخْلاقيّ اذا أردت ان تقدر الشيء يجب ان تفحصه وتتأكد منه , وألا يمكن ان يكون التقدير خاطئا .. ممكن ان قدر قيمة سيارة لا بد ان تكون بعد الفحص .. وتأتي أهمية التقدير في التعويضات . لان فيها يقع الغبن او الإسراف ..وأحيانا تقدر شخص معين وتعطيه احترام ويتبين انه لا يستحق ذلك الاحترام ..
الثالث : الاشاءة على الأمر: حمله عليه.( الحمل فيها معاني جدا كبيرة ومختلفة منها حَمْلَة اعتقالات .. حَمْلَة انتخابيّة : مجموعة من الفعاليّات يقوم بها المرشَّح في سبيل انتخابه.. حمل فلان على القوم .. واحيانا تطلق على جيش كامل حين يقوم بهجوم نسميه حَمْلَة .. وهي غارة يشنُّها الجيش .حَمْلَة مَحْو الأمِّيَّة وهو نشاط اداري يهدف إلى نشر التَّعليم .. نقول فلان حمل مسؤولية كبيرة وقام بها خير قيام .. وفلان لا يستطيع حمل المسئولية . جاء في القران الكريم ( وامراته حمالة الحطب ) حيث كانت تجمع الحطب وترميه بباب بيت النبي(ص) .. حملة العرش: الملائكة الذين يحملون عرش الرحمن … ونطلق معنى على جماعة او شخص انه من حملة القرآن:
أي حفظه يحمله في صدره ..
هنا الاية تبين (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) يعني انه كان يعرف ويحمل علما في قلبه ولكنه انسلخ منها فاتبعه الشيطان .. يبين القرآن ان الله لم يعط ضمانا على الإطلاق بدخول الجنة لمن يمارسون الطقوس فقط ,لان الحيوانات تسبح والجمادات تسبح .. الإنسان مميز بالعقل وهذا العقل تترتب عليه نتائج ومسؤولية ..” إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا “إنا هديناه السبيل أي بينا له طريق الهدى والضلال ، الخير والشر من خلال بعث الرسل ، فآمن أو كفر هذا من اختصاصه ….
في القران تبين هناك “عقبة” وهي حائل يقف بين الإنسان وبين نفسه, لم يضمن القران الجنة لأحد مجرد الصلاة والصوم, هناك عقبة , ووصف للعقبة يكون باقتحام وليس مرور براحة ..وتصف الآية الرائعة كيفية اجتياز هذا المانع “اقتحامه” فقالت :”فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ… وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ… فَكُّ رَقَبَةٍ… أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ… أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ.لو استرسلت بالاية لوجدت ان اصحاب المرحمة اثنى الله عليهم اكصر من المتعبدين ولا فائدة للناس منهم .,وصف ونسج أدبي رائع، فأول عقبة تعيق الإنسان عن دخول جنات الفردوس الأعلى يكون “اقتحامها” من خلال فك رقبة (أي تحرير إنسان من العبودية أو الرق).
**معنى اقتحام العقبة :. الاقتحام هو دخول الشيء بصعوبة والخروج منه بسرعة . اقتحمت السرية الفلانية . دخلناها بصعوبة وخرجنا منها فهي مقتحمة .. اما العقبة . ” عقبة النفس ” لا بد ان نعلم ان نفوسنا حين خلقت كانت تعيش في عالم من الجهل {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.. وبعث الانبياء ينوروا لنا الطريق .. هنا النفس هل تبقى ظالمة جاهلة، والظلم والجهل منبع الشر كله؛ الجهل والظلم منبع كل شر. فنحن نحتاج ان ينور الله طريقنا ( أهدنا الصراط المستقيم ) وفي الدعاء.( اللهم اهدنا من عندك).
واذا لم يحصل الهداية من الهداية من الله . نبقى في بؤرة السوء . قال تعالى : “إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي”فالأصل في النفس هو بالسوء، ولكن رحمة الله تنتشلك من ظلم الجهالة بإتباعه .. وفهم التصديق بأستماعه .قال تعالى : “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا” .
كان النبي (ص)يستعيذ من شرور النفس فيقول: نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا» كان من دعائه(ص)«اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها» .
*** يتساءل البعض كيف لنا فك الرقاب وليس هناك عبيد؟ إن الإنسان قد يكون عبدا للفقر والجوع والظلم ويذل نفسه .. فياتي دور من اقتحم العقبة .. فينقذ البشر من الذل العوز والحاجة .هذا أفضل فك للرقاب من الذل والعبودية والجهل.
(*) فكرة استعباد البشر فكرة في غاية التخلف.. حين يعتقد الإنسان أن من حقه أن يتحكم في إنسان آخر يحمل نفس صفاته الخلقية وربما حسبه ونسبه اشرف منه ولا يتميز عنه الا من خلال بعض عناصر القوة .. المال او المركز الاجتماعي او الوظيفي .. فاذا كانت نفسه ( إمارة بالسوء) ولا يوجد في قلبه نور الله ولا هداية , يبدأ يبرر لنفسه أن يستغل ضعف الآخرين وفقرهم ..أو حاجتهم اليه ليسمح لنفسه بممارسة دور إله على ذلك الإنسان ..؟.
الآن أنتقل إلى كيفية اقتحام العقبة ، وهذا كما ذكرت الآية الكريمة بإطعام في يوم ذي هول شديد (ذي مسغبة)، مسغبة: هي المجاعة ,السَّغبة: الجوع. و قيل: هو الجوع مع التعب. يتيما قريبا ذا مقربة، والقرب قد يكون في قرابة الدم أو قرب المكان أو في مفهوم الإنسانية عامة، وقد يكون بـ”إطعام مسكينا” في قمة ضعفه وقلة حيلته .
نلاحظ القرآن ذكر تعبيرات “يتيما” و”مسكينا” وا “متربة”دون استخدام أدوات تعريف “ال” قبل الكلمة حتى يعمم المعنى على الجميع أيا كان دينهم وعقيدتهم؛ لم يقل القرآن يطعمون اليتيم المسلم أو المسكين المسلم بل قال بصيغة النكرة “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ… أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ” كي يسري المعنى على أي يتيم وأي مسكين! .. حتى يكون الإطعام لوجه الله . ترحم الناس. فقر شديد ومَسْكنة ؛ لكثرة عيال أو غلبة دَيْن أو سوء معيشة :- { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ . أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ }: لاصق بالتراب من فقره..
ما هي الرحمة!.. للرحمة ألوان متعددة لا يمكن حصرها بكلمة ..هي ان لا يعتدي إنسان على الآخرين، الرحمة ان لا يظلم الزوج زوجته او بالعكس . القلب الرحيم من لا يأكل حق غيره في الميراث،ولا يتعصب ضد جاره لأنه مختلف عنه في العقيدة، اذن الرحمة مواقف متعددة تدعو إلى العدل والإنسانية ومد اليد بلا تردد لكل من يحتاجها. وهي لا تجتمع مع الظلم مطلقا . كالنار والوقود .
** قصة امرأة فقيرة كانت تشتغل خادمة في بيت .. حان موعد استلامها للراتب . طرقت الباب ودخلت الى صاحبة العمل لتسلمها راتبها، لكنها فوجئت برد صاحبة المنزل قالت: نحن اتفقنا أن يكون أجرك الشهري 200 ألف دينار أليس كذلك؟. أجابت المرأة:- بل 250 ألفا.لكن صاحبة المنزل أجابتها بثقة وقوة: لكنني دوّنتُ الأجر في مذكرتي 200 ألف!. طأطأت المرأة رأسها بحزن ولم تتفوه بأية كلمة، ورضخت للأوامر الحاسمة . تذكرت حاجة اطفالها للدرهم والدينار .وتذكرت دواء زوجها .شعرت ثقل العالم كله سقط على راسها , كادت تفقد صبرها وتثور من الظلم لكنها تذكرت اطفالها وزوجها وحاجتهم .والأماني الصغيرة .. فلا بد ان تصبر ولا شيء تمتلكه تجاه الظلم غير الصبر والتوجه الى الله .
ثم أكملت صاحبة المنزل كلامها الى المرأة العاملة لديها:- لقد طلبتي إجازة لمدة خمسة أيام ومنحتكِ اجازة , وأجور الإجازة تستُقطَع من راتبك. ثم تركتي العمل يوما حين ذهبتي بطفلك للمستشفى . وتتذكرين حين وقع من يديك الماعون الثمين بقيمة 50 الف دينار وانكسر .. ردت عليها – كما تشائين.استلمت المرأة المبلغ من صاحبة المنزل مائة ألف فقط وهي تتمتم: (يوجد بين الظلم والرحمة خيط رفيع لا يعبره إلا أهل الرَّحمة وأصحاب القلوب البيضاء). ثم قبيل خروجها من الغرفة سمعت صوت صاحبة المنزل تقول لها: ارجعي ارجعي رجعت وعلى وجهها آثار الحزن الدهشة .. سألتها لم تدافعي عن حقك؟.
قالت كلما أردت ان أكلمك تعقد لساني شدة حاجتي , بيت ليس فيه معيل , وأفواه جائعة , حمل الظلم أهون على قلبي من تحمل رؤية أطفالي بلا طعام وزوجي بلا دواء . ركنت كرامتها جانبا . لان الحاجة كبيرة وضاغطة على النفس , يكون المنفذ الوحيد للمظلوم هو الله ..!! لن يفلت الظالم من العقاب . وقد وعد تعالى الظالمين (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا).رصاصته لا تخطيْ. بينما الرحمة كنز يفيض بالخير لكل من لجأ إليه!فيا ترى من منا اقتحم العقبة؟!
** عودة للاية المباركة .. ورد في العديد من الروايات الواردة من طرقنا وطرق العامة أنَّ المضروب مثلاً في الآيتين الشريفتين هو رجل يُقال له “بلعم بن باعورا” وهو رجل من بني إسرائيل .
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ/ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾؟
ورد في العديد من الروايات الواردة من طرقنا وطرق العامة أنَّ المضروب مثلاً في الآيتين الشريفتين هو رجل يُقال له “بلعم بن باعورا” وهو رجل قيل أنه من بني إسرائيل وورد أنه كان في زمان نبي الله موسى (ع) وكان قد أُوتي علماً ومعرفة بآيات الله وحججه وبراهينه، بل ورد أنَّه كان قد أُوتي شيئاً من الاسم الأعظم فكان يدعو به فيُستجاب له إلا أنَّه انحرف رغم علمه .. وجحد بآيات الله فوصفه القران بمثل الكلب، فالكلب يلهث حتى وإن لم يكن مجهوداً ومطارداً فكذلك شأن العالم الجاحد المنحرف ,فهو حين جهله وجحوده او علمه بآيات الله . هو يلهث وراء الدنيا . فبلعم بن باعورا .. ضُرب مثلاً لكلَّ من كان عالماً إلا أنَّه لم ينتفع بعلمه في الثبات على الهدى والرشاد في معتقده وسلوكه. لذلك ورد عن الإمام الباقر (ع): مشيراً إلى آية ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا.. ﴾ أنَّ الأصل في ذلك بلعم حين ضربه الله مثلاً (لكلَّ مؤثرٍ هواه على الهدى) فما فائدة العلم حين يرجح الإنسان هواه على هدى الله).
جاء في تفسير علي بن إبراهيم عن الرضا(ع): أنه أعطي بلعم بن باعوراء الاسم الأعظم وكان يدعو به فيستجاب له فمال إلى فرعون فلما مر فرعون في طلب موسى (ع) وأصحابه قال فرعون لبلعم ادع الله على موسى وأصحابه لنحبسه .
فركب حماره وقام في طلب موسى(ع) فامتنع عليه حماره فأقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل فقالت ويل لك على ما تضربني أ تريد أن أجيء معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين فلم يزل يضربها حتى قتل الحمار من اجل فرعون .
هنا انسلخ الاسم الأعظم من لسانه وهو قوله ﴿فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ ولَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِه ولكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ واتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ وتَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}. آيات تحدثت عن عالم كان يسير في طريق الحق ابتداء وبشكل لا يفكر معه أحد بأنه سينحرف يوما، إلا أنه نتيجة لإتباعه لهوى النفس وزينة الدنيا انتهى إلى السقوط في جماعة الضالين وأتباع الشياطين.
نستفيد من أغلب الروايات وأحاديث المفسرين أن (بلعم بن باعوراء) من معاصري النبي موسى (ع) وكان من مشاهير علماء بني إسرائيل، حتى أن موسى (ع) كان يعول عليه على أنه داعية مقتدر، وبلغ أمره أن دعاءه كان مستجابا لدى الباري تعالى ، لكنه مال نحو فرعون وإغراءاته فانحرف عن الصواب، وفقد مناصبه المعنوية تلك حتى صار بعدئذ في جبهة أعداء الله تعالى وأعداء موسى (ع) .
ــــــــــــــــــــــ في توراة المسيحيين الحالية نجد ذكر” بلعم بن باعوراء ” أيضا، إلا أن التوراة تبرئه من الانحراف، سفر الأعداد الباب 22..
ولكن بما أن أشخاصا على غرار ” بلعم ” كانوا موجودين في عصر النبي (ص) ك (أبي عامر) و (أمية بن الصلت) فإن الآيات محل البحث تنطبق على هذه الموارد في كل عصر وزمان، وذكرت كتب التفسير شخصية عربية وثنية تشبه بلعم بن باعور, نقل تفسير (المنار) عن النبي (ص) أن مثل بلعم بن باعوراء في بني إسرائيل كأمية بن أبي الصلت في هذه الأمة. فمن هو أمية بن الصلت , أمية بن أبي الصلت أمه رقية بنت عبد شمس من قبيلة ثقيف كان يسكن الطائف عاصر النبي (ص) وكان من الحنفاء قبل الإسلام (تروى عنه أشعار في توحيد الله ذكر الجنة والنار ورجم الشياطين , وحرم الخمر على نفسه والتقرب من الزنا .. وحرم الربا .. وذكر في شعره نبذ الأصنام) فكان بحق عالما لانه قرا كتب اليهود والنصارى .. لما أدرك الإسلام لم يدخل فيه… ومن اشهر ابياته كان يبين اسماء الملائكة وحملة العرش , كان يسكن الشام قبل ظهور الإسلام وكان مطّلعاً على الكتب القديمة فبشّر بظهور النبي، (ص) فكان يشار اليه بالبنان .. وهو أول من كتب “باسمك اللهم” فكتبتها قريش. ولكنه لما ظهر الإسلام كفر به واستكبر،ولسان حاله لو بعث الله نبيا لبعثني انا .. قال عنه الرسول (ص) :”آمن لسانه وكفر قلبه”، شعره من الطبقة الأولى وله أخبار وقصص فريدة وكثيرة. ولكنه رفض الإسلام .
*** موقفه من موسى (ع) وبني إسرائيل … لما خرج موسى من التيه وسار إلى مدينة الجبارين كلن على مقدمته يوشع بن نون وهو صهره على أخته فلما بلغوا مدين اجتمع الجبارون إلى بلعم بن باعوراء فقالوا له إن موسى(ع)جاء ليقتلنا ويخرجنا من ديارنا فادع الله عليهم وكان بلعم يعرف اسم الله الأعظم فقال لهم كيف أدعو على نبي الله والمؤمنين ومعهم الملائكة فراجعوه في ذلك .فأتوا امرأته وأهدوا لها هدية وطلبوا إليها أن تدعو زوجها أن يدعو على بني إسرائيل فقالت له في ذلك فامتنع اولا , لم تزل به , فقال أستخير ربي فاستخار الله تعالى فنهاه في المنام فأخبرها بذلك فقالت راجع ربك فعاد الاستخارة فلم يرد جواب فقالت لو أراد ربك لنهاك ولم تزل تخدعه حتى أجابهم.
فركب حمارا له متوجها إلى جبل يشرف على بني إسرائيل ليقف عليه ويدعو عليهم مشى عليه قليلا فتوقف الحمار فضربه فسار ثم توقف فعل ذلك ثلاث مرات.
فلما اشتد ضربه في الثالثة أنطقها الله ويحك يا بلعم أين تذهب أ ما ترى الملائكة تردني فلم يرجع فأطلق الله الحمار حينئذ فسار حتى أشرف على بني إسرائيل فكان كلما أراد أن يدعو عليهم ينصرف لسانه إلى الدعاء لهم وإذا أراد أن يدعو لقومه انقلب دعاؤه عليهم.فقالوا له في ذلك فقال هذا شيء غلب الله عليه واندلع لسانه فوقع على صدره فقال الآن خسرت الدنيا والآخرة.
اما قيادة اصحاب موسى فكان يوشع بن نون بن أفراهيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم الخليل،ويوشع هو ابن عم النبي هود. هو الذي خرج بني إسرائيل من التيه ودخل بيت المقدس (أورشليم) بعد حصار وقتال وعندما صار النصر قاب قوسين أو أدنى كان وقت العصر قد أزف واليوم كان يوم الجمعة واليوم التالي هو يوم السبت (وهو اليوم الذي حرم فيه الله على اليهود العمل، وإن دخل عليهم المغيب لدخل بغياب الشمس يوم السبت، فلا يتمكنون معه من القتال فنظر إلى الشمس ودعا ربه بان لا تغيب حتى يتم استثمار الهجوم والنصر، وبقدرة الله كان له ذلك.ويقع قبر النبي يوشع بن نون في مقبرة الشيخ معروف في الكرخ ببغداد، ولهُ مقام في مدينة السلط بالأردن يعرف باسم “النبي يوشع”.
يا من له ردت ذكاء ولم يفز .. بنظيرها من قبل الا يوشع …
يبدو ان كل مسؤولية كبيرة لا بد من وجود مخلص في قلبه ولسانه.. فاذا كان حمزة بن عبد المطلب اسد الله ورسوله . جاء من بعده علي بن ابي طالب .. وفي كربلاء كان العباس بطل العلقمي ..
حين جاءوا بالنياق صباحا .. قالت لهم زينب انا اقوم باركاب الاطفال ..
يـعـباس مـنـته الـلـي جـبـتني ….. وبــيـدك يـخـويّـه ركّـبـتـني
وطــول الــدرب مــا فـارﮔتني….. بـسـمّا رحــت عـني او عـفتني
عـﮔبـــك بـنـي مـيـه ولـتـني,,, دﮔـعــد يـخـويه او شـوف مـتني
تره اسياط زجر الولمتني …
جاوبها يزينب شبيدي …. اخوج الحرب تدرين عيدي
لوني تنوش السيف ايدي …. جان ما ضل وحده عضيدي