مجلس النواب مؤسسة فتية في العراق لم تبلغ بعد سن الرشد، تحتاج الى وقت اطول من التجارب والتصحيح والاستشارات والتشذيب وفي مرات الى التهذيب حتى يشتد عوده ويزداد مردوده ويعطي ثماره التي اوجد من اجلها كسلطة قائدة للعملية السياسية في العراق.
وبما ان مجلس النواب هو السلطة القائدة في البلاد على اعتبار ان نظام الحكم في العراق كما اقره الدستور الدائم نظام برلماني لذا وجب على هذا المجلس ان يكون قدوة في كل التفاصيل والمهام والممارسات والحقوق والواجبات،لذا وجب عليه ان يكون مضحيا ومبادرا وفاعلا وعليه ان يكون عابرا للطائفية والفئوية والشخصية،عليه ان يعالج نقاط الضعف في تكوينه قبل ان يشخص نقاط الضعف في واقع الدولة ومؤسساتها وعليه ان يقوي نقاط القوة في لجانه ونظامه ومتبنياته حتى يكون مصدر الهام وقدوة يحتذى بها.
وللحقيقة فان مجلس النواب العراقي لم يبلغ بعد الأمنيات التي اشرنا اليها في اعلاه ،وبالتالي فان الاقتراب من الواقع يبدوا ضربا من الخيال خاصة اذا ما بقي عمل المجلس على نفس المنهج والآلية والنمطية سواء في التعامل مع المنافع الشخصية او التعامل مع القوانين والمشاريع التي تهم حياة المواطن والتي تتعلق بأمنه ومعيشته،لكن وحتى لا نستبق الأحداث ونكون بعيدين عن الإنصاف علينا ان ننتظر فترة اخرى وعلينا ان نراقب ما الذي يمكن ان يقدمه الأعضاء الجدد والقدماء من عمل يمكن لهم من خلاله الارتقاء بأداء مجلس النواب والواجبات التي اوجد من اجلها.
وتماشيا مع ما ننتظره من مجلس النواب ورجاله من دور ايجابي في المرحلة الحالية والمستقبلية يمكن الاشارة الى واقعتين مهمتين حدثت في الفترة القليلة الماضية والتي لها علاقة مباشرة باصلاح المؤسسة البرلمانية وتقويم عملها والارتقاء باداء نوابها ليكونوا على قدر المسؤولية في الواجبات وفي اللجان التي انضموا اليها،والإشارتان هما تحديدا تصريحات النائب الاول الشيخ الدكتور همام حمودي بما يتعلق بتقليل الصرفيات والنثريات ورسالة النائب ورئيس السن مهدي الحافظ الى رئيس مجلس النواب والتي تضمنت عدد من النقاط المهمة.
وبمراجعة بسيطة وأولية لما جاء في كلمة الشيخ حمودي نستنتج ان الرجل كان واقعيا وكان يعيش مرحلة الانهيار الاقتصادي التي يمر بها البلد بسبب تراجع اسعار النفط تراجعا جنونيا واستمرار نزيف الحرب ضد الجماعات التكفيرية وبالتالي فان طلبه بتقليل الايفادات وكذلك تقليل السيارات وسحب الغير مهم منها سيؤدي الى توفير عشرات المليارات من الدنانير سنويا لخزينة الدولة وتوجيهها الى مواقع اكثر تاثيرا واهمية،وربما تكون رسالة النائب الحافظ الى رئيس مجلس النواب والتي اوضح فيها عدد من النقاط المهمة والتي اذا ما اخذ العمل بها فانها ستكون نقطة انطلاق حقيقية نحو تقريب مجلس النواب من واقعه ومن ابناء الشعب العراقي الذي يشعر ويفكر في بعض الاوقات بغاية النقمة على المجلس ونوابه بسبب الافعال والاقوال التي يتسبب بها النواب انفسهم.
ان رسالة الحافظ تمثل منهاج اولي ومدخل واقعي للتصحيح والتعديل والبناء لانها تناولت مواضيع مهمة لها علاقة بتعديل النظام الداخلي للبرلمان وشخصت نقاط الضعف والارتباك والعشوائية والترهل في التعيين الطائفي وطالبت بدور اكبر ودورات اكثر لتقوية شكيمة النواب وتعريفهم بواجباتهم الحقيقية والغاية التي وجدوا من اجلها ولم يغفل الحافظ عن الفقرة الاهم والتي لها علاقة بالوضع الاقتصادي والتي تتعلق برواتب حميات اعضاء مجلس النواب والتي تستنزف مقدارا هائلا من اموال خزينة الدولة.
ان دراسة وتنفيذ ما جاء في كلمة الشيخ حمودي ورسالة الحافظ من قبل اعضاء مجلس النواب سيكون مدخلا مناسبا لمرحلة سياسية حقيقية في البناء والتصحيح والتخلص من الترهل والفضائيين والاقتراب من الانتماء الوطني والمساهمة بصورة مباشرة في تخطي الازمة المالية بما يمكن ان يوفر للخزينة المركزية مئات المليارات من رواتب الحمايات الفائضين والذين هم اقرب ما يكونوا الى الفضائيين.
لنبدا من الان ولنترك الفرصة للنواب الاخرين لوضع لمساتهم الحقيقية في تقويم واصلاح المؤسسة الام من خلال تقديم الدراسات والقوانين والمقترحات التي من شانها ان تخلص مجلس النواب من اثامه وترتفع به الى قلب المواطن العراقي حتى لا يشعر بالندم كما هو الحال في المرات السابقة.