القسم السابع
على الرغم من سرورنا بكيفية إجراء إنتخابات رئيس الجمهورية ونتائجها ، إلا أن سرورنا سيكون أشد وأقوى ، حين تستدعي قيم ومبادئ الشرف الوطني ، دعاة الإصلاح والتغيير المفترضين ، إلى وجوب حل مجلس النواب حسب أحكام الشطر الأول من المادة (64/أولا) من الدستور ، التي تنص على أن ( يحل مجلس النواب ، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ، بناء على طلب ثلث أعضائه ) ، بسبب المهزلة الكبرى في إنتخابات رئاسة السلطة التشريعية ، لعدم إقترابها من إستيفاء شرطين أساسيين ، قد لا يعرفهما النواب أنفسهم ، وهما :-
*- أولا- كامل الأهلية : إشترط الدستور في المادة (49/ثانيا) منه ، أن يكون المرشح لعضوية مجلس النواب كامل الأهلية ، وكذلك المادة (68/ثانيا) بالنسبة لرئيس الجمهورية ، والمادة (77) بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء ، كما نصت عليه قوانين وأنظمة الإنتخابات والتعيين الصادرة تبعا لذلك ، لأن متطلبات إشغال مناصب أو وظائف مراكز ومواقع المسؤولية العليا أو المتقدمة في الدولة تقتضي ذلك الشرط ، ومثلما هي كذلك في المرشح ، ينبغي أن تكون كذلك في الناخب أيضا ، لإمكانية تحقق الحالتين في الشخص الواحد مع إختلاف الزمن وعلى التوالي ، بمعنى أن يحل أحدهما محل الآخر ، حين يصبح الناخب مرشحا أو بالعكس بعد دورة إنتخابية أو أكثر ، ولأن مقتضيات الواجبات وما تستلزمه من إستخدام وسائل التقنيات الحديثة ، تفرض توفر شرط المثقف المتعلم بدلا من المثقف الأمي ، فإن من الواجب أن يكون مستوى الناخب التعليمي بمستوى المرشح أو أقل منه قليلا ، ولعل في فهم المقصود من شرط ( كامل الأهلية ) بالنسبة للناخب ، يساعد على تبني شرط حصوله على شهادة الدراسة المتوسطة في الأقل ، حيث يقصد بالأهلية : صلاحية الشخص لإكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات والقدرة على مباشرة الأعمال القانونية بنفسة ، وبذلك فإن الأهلية نوعان ، أهلية وجوب وأهلية أداء .
*- ويقصد بأهلية الوجوب : صلاحية الشخص من الجهة القانونية ، لتلقي الحقوق وتحمل الإلتزامات ، أي صلاحيته لوجوب الحقوق له والإلتزامات عليه ، ومعروف أن أهلية الوجوب تثبت لكل إنسان بمجرد ولادته حيا ، ولذلك فإن مناط إكتساب أهلية الوجوب هو الحياة ، أي ولادة الشخص حيا ، فضلا عن ذلك فإن أهلية الوجوب قد تثبت للإنسان قبل تمام الولادة حيا ، حيث يقرر القانون للحمل المستكن أهلية الوجوب الناقصة وهو ما يزال جنينا في بطن أمه .
*- أما أهلية الأداء : فيقصد بها صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية التي تنشئ الحقوق له والإلتزامات عليه ، وتفترض أهلية الأداء توافر أهلية الوجوب أساسا ، ولكن ليس كل من يتمتع بأهلية الوجوب يتمتع بالضرورة بأهلية الأداء ، لأن مناط أهلية الأداء هو التمييز ، بمعنى أن قدرة الشخص على إبرام التصرفات القانونية لحساب نفسه تتوقف على التمييز لديه ، فمن كان كامل التمييز في نظر القانون يعتبر كامل الأهلية ، ومن كان ناقص التمييز كانت أهلية أدائة ناقصه ، ومن كان عديم التمييز أعتبر عديم الأهلية ، وبإختلاف درجات التمييز تلك ، ندرك موجبات أن يكون الناخب على مستوى الحد الأدنى من التعليم ، الذي يؤهله لقراءة نصوص الدستور والقانون والنظام وشروحاتها ، والسلامة العقلية لفهمها بالقدر الذي يجنبه منزلق التأثر بالوعظ والإرشاد والضغط السياسي أو العلاقات العامة ، التي لا ينتج عنها غير ما يصب في مصلحة المرشحين الشخصية عند التصويت ، مادية كانت أو معنوية ، ولهذا نجد قلق السياسيين كامن في صعوبة كسب ود وولاء المثقفين المتعلمين لهم ، أكثر من خشيتهم من عدم إمكانية إستدراج تصويت المثقفين الأميين لصالحهم ، لأن جاهلية العصر الحديث تختلف عن جاهلية العصور القديمة قيما ومبادئ وأهداف .
*- ثانيا- حسن السيرة والسلوك : نصت المادة (8/ثالثا) من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 ، على أن يشترط في المرشح لعضوية مجلس النواب إضافة للشروط الواجب توفرها في الناخب ( أن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف ) . كما نصت المادة (7/4) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل ، بالتعبير عن ذلك بصيغة أكثر إتساعا في الوصف والوضوح بالنسبة لتعيين الموظفين من درجة وكيل الوزارة فأدنى ، بأن يكون ( حسن الأخلاق ، وغير محكوم بجناية غير سياسية ، أو بجنحة تمس الشرف كالسرقة والإختلاس والتزوير والإحتيال ) ، كون ذلك مما يختص بالسيرة الذاتية للمواطن قبل تعيينه أو إنتخابه ، فحسن الأخلاق أو السيرة والسلوك ، تعني مجموع القيم والمباديء التي إستندت على أساسها أركان تربية المواطن الأسرية والمجتمعية ، وإنعكست على تصرفاته وسلوكه الإنساني ، المعبرة عن دلالات ما يتمتع به من صفات حسنة وحميدة ، وذات تأثير إيجابي في الأداء العملي والتعامل اليومي بين مختلف شرائح المجتمع ، وهذا الذي أعتبر شرطا سيكون مرتكزا وقاعدة إنطلاق نحو إتباع سلوك جديـد أكثر إلتزاما ، بسبب ما تفرضه قواعد السلوك النيابي أو الوظيفي من ضوابط ، لم يكن المواطن قبل الإنتخاب أو التعيين قد خضع لأحكامها أو ألفها ، بإعتبارها مصـدر التفـوق الذي سيتميز به المتصدي بموجب مهامه وواجباته الجديدة أو المضافة ، فما الذي يجعل النائب محافظا على أوقات إنعقاد الجلسات وإحترام التوقيتات الدستورية ، لو لم يكن هنالك قرار ذاتي ومسبق ، بأن ذلك الوقت ملك المواطنين المتجسد فيما يتصـف به سلوكـه من إحتـرام للزمن ، وتقديـر للوقت والإلتزام بالمواعيـد ، وما الذي يجعله أكثر كفاءة وفاعلية وحرصا على إنجاز المهام والواجبات بأقل وقت وجهد وكلفة ، وربما مبدعا ومبتكرا في أساليب العمل وتطويرها ، لو لم تكن تربيته قائمة على سلوك ما يدفعه إلى فهم تفاصيل ما يعهد إليه من أعمال بدقة متناهية ، للتمكن من تحقيق ما يطمح إليه ، ضمن إطار الشعور العالي بمسؤوليته تجاه وطنه والمواطنين ، وبما يعني ضمان وتأمين الإمتداد الحسن للسلوك الإنساني في مستقبل الخدمة العامة ، التي قد يصبح فيها المواطن يوما صاحب رأي أو قرار ، يؤثر في سلوك المجتمع ومصالحه ، وما نرجو له ومنه إلا كل خير ، لأن المقصود بحسن الأخلاق هو مجموعة الصفات التي يتحلى بها الشخص ، وتوحي بالثقة فيه ، وتدعوا إلى الإطمئنان إليه وإلى تصرفاتـه النيابية أو الوظيفية ، ولا تؤدي إلى ما يمسه أو يحط من قدره فـي الوسط الذي يعيش فيه ، إلا أن ذلك لا يعني عدم إرتكابه للخطأ غير المقصـود وبمختلف مستوياته ، كما إن هناك من ممارسـات الأفعال الشديدة ما قد يقدم عليها حسن الأخلاق ، فتحسب له أو عليه ، مثل أعمال مقاومـة المحتل والدفـاع عـن الضرورات الخمس ( الدين والنفس والعقل والعرض والمال ) ، أو مخالفته لبعض القوانين والأنظمة ووقوعه في دائرة إرتكاب جرائم المرور مثلا ، المتمثلة في حوادث الدهس المؤدية الى عوق أو موت الغير ، وغيرها مما يجب فيها عدم خلط المفاهيم المفضية إلى الإساءة للمجتمع أو أحد أفراده ، بالتشكيك في حسن الأخلاق والنوايا ، لغرض النيل من منزلة وقدر المجتمعات وأشخاصها ، لحسابات غير منطقية ولا معقولة وغير مقبولة في ميزان الحق والعدل والانصاف ، المعبر عنه بالتسقيط السياسي حاليا ؟!.
إن إرتكاب الأشخاص للأعمال أو الأفعال المخالفة للمباديء والقيم الإنسانية ، ولقواعد القوانين المنظمة لشؤون المجتمع والأفراد ، تؤدي بمرتكبها إلى المساءلة من قبل أجهزة القضاء المختصة ( المحاكم ) ، لتقرير ما يستحقه من العقوبة المتناسبة مع فعله المنحرف عن السلوك السوي ، بالدليل القاطع والبرهان الثابت والأكيد لفعله الشائن ، فإذا كان الحكم بسجنه لمدة خمس سنوات فأكثر سمي فعله ( جناية ) ، وإذا كان الحكم أقل من خمس سنوات فهو ( جنحة ) ، وبذلك فاننا أمام شرط عدم كون المواطن من المحكوم عليهم بالسجن لمدة خمس سنوات فأكثر لسبب غير سياسي ، بمعنى أن لا يكون المواطن محكوما عليه بسبب إنتسابه أو إنتمائه أو إعتقاده السياسي المعارض لتوجهات السلطة الحاكمة ، وإنما بسبب إرتكابه لجريمة القتل العمد مثلا ، أو أية جريمة يقرر القانون إعتبارها جناية ، ولا يمنع ذلك من كونها مخلة بالشرف أو من دونه . كما لا يجب أن يكون محكوما عليه بالسجن لمدة تقل عـن خمـس سنوات ، بسبب إرتكابه فعلا ( جنحة ) يمس الشرف مثل السرقة والإختلاس والتزوير والإحتيال … إلخ ، مما تقرره المحكمة المختصة ، فالشرف يعني العلو في حسن ومكارم الأخلاق ، المتمثل في أبهى صور السلوك والتصرف الإنساني النقي والسليم ، الذي جبل الخلق عليه في أحسن تقويم ، وعليه ترى الناس يتنافسون فيما بينهم أيهم أشرف من غيره نزاهة ، وبذلك فإن كل ما يمس تلك السجايا والصفات الحميدة من شوائب السوء والقذارة ، التي تقلل أو تحط من قدر أو قيمة صاحبها ، أو تؤدي إلى الإخلال بما كان يتمتع به من صفات حسنة ، ومن ثم إنحداره إلى أسفل درك منازل الجريمة متعددة الأضرار ، من غير رادع أو وازع من ضمير ، يعبر عنه بالجريمة المخلة بالشرف ، لغرض تشديد العقوبة وإن تمت مراعاة ظروف إرتكابها ، وقد تنتقل الجنحة إلى جناية ، تبعا لتحول تصنيفها على وفق أسباب إرتكابها ونتائج تداعياتها على الفرد أو المجتمع . وفي كل الأحوال ، فإن الحكم على الأشخاص بسبب جناية أو جنحة تمس الشرف أو تخل به ، سبب رئيس من أسباب هبوط مستوى ودرجة الإنسان في نظر الآخرين ، والنيل من مكانته والحط من قدره ، وإسقاط لمنزلته وخفض لقيمته ، لفقدانه قوة مقومات شخصيته الإعتبارية في وسطه المادي أو المعنوي ، فلا يقيم المجتمع للمدان بعد إقترافه للذنب أو الخطيئة الكبرى وزنا ، لإختياره وسائل وأساليب الإعتداء والعدوان على حقوق الآخرين الخاصة أو العامة ، وقيامه بالفعل المستنكر بمحض إرادته ورغبته ، من غير مبالاة بما ليس له فيه من أدنى حق ، أو إمكانية شروى نقير ، إن (حسن الأخلاق) شرط تقدم على شرط عدم الحكم بجنايـة غير سياسية ، أو بجنحة تمس الشرف ، حيث لا يمكن إعتبار كل من حكم عليه ، لا يتوفر فيه شرط (حسن الأخلاق) ، لأن سلوك الأشخاص بعد إنتهاء محكومياتهم قد يثبت العكس من ذلك .
*- ولأن الشعب مصدر السلطات ، فهو المحكمة التي ستصدر حكمها بعدم أهلية مجلس النواب إن لم ينهض بمهامه وواجباته على أتم وأكمل وجه ممكن ، وإن لم يثبت النواب حسن السيرة والسلوك من جهة إكتمال النصاب لعقد جلسات المجلس ، دون إعتماد الإخلال بالنصاب مع سبق الإصرار والترصد الخبيث ، أو إستنفاد التوقيتات الدستورية بما لا يخدم الشعب والوطن ؟!