22 نوفمبر، 2024 9:50 م
Search
Close this search box.

مجلس النواب ليس جسرا لتحقيق مصالح حزبية وشخصية ؟!

مجلس النواب ليس جسرا لتحقيق مصالح حزبية وشخصية ؟!

القسم السابع
على الرغم من سرورنا بكيفية إجراء إنتخابات رئيس الجمهورية ونتائجها ، إلا أن سرورنا سيكون أشد وأقوى ، حين تستدعي قيم ومبادئ الشرف الوطني ، دعاة الإصلاح والتغيير المفترضين ، إلى وجوب حل مجلس النواب حسب أحكام الشطر الأول من المادة (64/أولا) من الدستور ، التي تنص على أن ( يحل مجلس النواب ، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ، بناء على طلب ثلث أعضائه ) ، بسبب المهزلة الكبرى في إنتخابات رئاسة السلطة التشريعية ، لعدم إقترابها من إستيفاء شرطين أساسيين ، قد لا يعرفهما النواب أنفسهم ، وهما :-

*- أولا- كامل الأهلية : إشترط الدستور في المادة (49/ثانيا) منه ، أن يكون المرشح لعضوية مجلس النواب كامل الأهلية ، وكذلك المادة (68/ثانيا) بالنسبة لرئيس الجمهورية ، والمادة (77) بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء ، كما نصت عليه قوانين وأنظمة الإنتخابات والتعيين الصادرة تبعا لذلك ، لأن متطلبات إشغال مناصب أو وظائف مراكز ومواقع المسؤولية العليا أو المتقدمة في الدولة تقتضي ذلك الشرط ، ومثلما هي كذلك في المرشح ، ينبغي أن تكون كذلك في الناخب أيضا ، لإمكانية تحقق الحالتين في الشخص الواحد مع إختلاف الزمن وعلى التوالي ، بمعنى أن يحل أحدهما محل الآخر ، حين يصبح الناخب مرشحا أو بالعكس بعد دورة إنتخابية أو أكثر ، ولأن مقتضيات الواجبات وما تستلزمه من إستخدام وسائل التقنيات الحديثة ، تفرض توفر شرط المثقف المتعلم بدلا من المثقف الأمي ، فإن من الواجب أن يكون مستوى الناخب التعليمي بمستوى المرشح أو أقل منه قليلا ، ولعل في فهم المقصود من شرط ( كامل الأهلية ) بالنسبة للناخب ، يساعد على تبني شرط حصوله على شهادة الدراسة المتوسطة في الأقل ، حيث يقصد بالأهلية : صلاحية الشخص لإكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات والقدرة على مباشرة الأعمال القانونية بنفسة ، وبذلك فإن الأهلية نوعان ، أهلية وجوب وأهلية أداء .

*- ويقصد بأهلية الوجوب : صلاحية الشخص من الجهة القانونية ، لتلقي الحقوق وتحمل الإلتزامات ، أي صلاحيته لوجوب الحقوق له والإلتزامات عليه ، ومعروف أن أهلية الوجوب تثبت لكل إنسان بمجرد ولادته حيا ، ولذلك فإن مناط إكتساب أهلية الوجوب هو الحياة ، أي ولادة الشخص حيا ، فضلا عن ذلك فإن أهلية الوجوب قد تثبت للإنسان قبل تمام الولادة حيا ، حيث يقرر القانون للحمل المستكن أهلية الوجوب الناقصة وهو ما يزال جنينا في بطن أمه .

*- أما أهلية الأداء : فيقصد بها صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية التي تنشئ الحقوق له والإلتزامات عليه ، وتفترض أهلية الأداء توافر أهلية الوجوب أساسا ، ولكن ليس كل من يتمتع بأهلية الوجوب يتمتع بالضرورة بأهلية الأداء ، لأن مناط أهلية الأداء هو التمييز ، بمعنى أن قدرة الشخص على إبرام التصرفات القانونية لحساب نفسه تتوقف على التمييز لديه ، فمن كان كامل التمييز في نظر القانون يعتبر كامل الأهلية ، ومن كان ناقص التمييز كانت أهلية أدائة ناقصه ، ومن كان عديم التمييز أعتبر عديم الأهلية ، وبإختلاف درجات التمييز تلك ، ندرك موجبات أن يكون الناخب على مستوى الحد الأدنى من التعليم ، الذي يؤهله لقراءة نصوص الدستور والقانون والنظام وشروحاتها ، والسلامة العقلية لفهمها بالقدر الذي يجنبه منزلق التأثر بالوعظ والإرشاد والضغط السياسي أو العلاقات العامة ، التي لا ينتج عنها غير ما يصب في مصلحة المرشحين الشخصية عند التصويت ، مادية كانت أو معنوية ، ولهذا نجد قلق السياسيين كامن في صعوبة كسب ود وولاء المثقفين المتعلمين لهم ، أكثر من خشيتهم من عدم إمكانية إستدراج تصويت المثقفين الأميين لصالحهم ، لأن جاهلية العصر الحديث تختلف عن جاهلية العصور القديمة قيما ومبادئ وأهداف .

*- ثانيا- حسن السيرة والسلوك : نصت المادة (8/ثالثا) من قانون إنتخابات مجلس النواب العراقي رقم (45) لسنة 2013 ، على أن يشترط في المرشح لعضوية مجلس النواب إضافة للشروط الواجب توفرها في الناخب ( أن يكون حسن السيرة والسلوك وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف ) . كما نصت المادة (7/4) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960- المعدل ، بالتعبير عن ذلك بصيغة أكثر إتساعا في الوصف والوضوح بالنسبة لتعيين الموظفين من درجة وكيل الوزارة فأدنى ، بأن يكون ( حسن الأخلاق ، وغير محكوم بجناية غير سياسية ، أو بجنحة تمس الشرف كالسرقة والإختلاس والتزوير والإحتيال ) ، كون ذلك مما يختص بالسيرة الذاتية للمواطن قبل تعيينه أو إنتخابه ، فحسن الأخلاق أو السيرة والسلوك ، تعني مجموع القيم والمباديء التي إستندت على أساسها أركان تربية المواطن الأسرية والمجتمعية ، وإنعكست على تصرفاته وسلوكه الإنساني ، المعبرة عن دلالات ما يتمتع به من صفات حسنة وحميدة ، وذات تأثير إيجابي في الأداء العملي والتعامل اليومي بين مختلف شرائح المجتمع ، وهذا الذي أعتبر شرطا سيكون مرتكزا وقاعدة إنطلاق نحو إتباع سلوك جديـد أكثر إلتزاما ، بسبب ما تفرضه قواعد السلوك النيابي أو الوظيفي من ضوابط ، لم يكن المواطن قبل الإنتخاب أو التعيين قد خضع لأحكامها أو ألفها ، بإعتبارها مصـدر التفـوق الذي سيتميز به المتصدي بموجب مهامه وواجباته الجديدة أو المضافة ، فما الذي يجعل النائب محافظا على أوقات إنعقاد الجلسات وإحترام التوقيتات الدستورية ، لو لم يكن هنالك قرار ذاتي ومسبق ، بأن ذلك الوقت ملك المواطنين المتجسد فيما يتصـف به سلوكـه من إحتـرام للزمن ، وتقديـر للوقت والإلتزام بالمواعيـد ، وما الذي يجعله أكثر كفاءة وفاعلية وحرصا على إنجاز المهام والواجبات بأقل وقت وجهد وكلفة ، وربما مبدعا ومبتكرا في أساليب العمل وتطويرها ، لو لم تكن تربيته قائمة على سلوك ما يدفعه إلى فهم تفاصيل ما يعهد إليه من أعمال بدقة متناهية ، للتمكن من تحقيق ما يطمح إليه ، ضمن إطار الشعور العالي بمسؤوليته تجاه وطنه والمواطنين ، وبما يعني ضمان وتأمين الإمتداد الحسن للسلوك الإنساني في مستقبل الخدمة العامة ، التي قد يصبح فيها المواطن يوما صاحب رأي أو قرار ، يؤثر في سلوك المجتمع ومصالحه ، وما نرجو له ومنه إلا كل خير ، لأن المقصود بحسن الأخلاق هو مجموعة الصفات التي يتحلى بها الشخص ، وتوحي بالثقة فيه ، وتدعوا إلى الإطمئنان إليه وإلى تصرفاتـه النيابية أو الوظيفية ، ولا تؤدي إلى ما يمسه أو يحط من قدره فـي الوسط الذي يعيش فيه ، إلا أن ذلك لا يعني عدم إرتكابه للخطأ غير المقصـود وبمختلف مستوياته ، كما إن هناك من ممارسـات الأفعال الشديدة ما قد يقدم عليها حسن الأخلاق ، فتحسب له أو عليه ، مثل أعمال مقاومـة المحتل والدفـاع عـن الضرورات الخمس ( الدين والنفس والعقل والعرض والمال ) ، أو مخالفته لبعض القوانين والأنظمة ووقوعه في دائرة إرتكاب جرائم المرور مثلا ، المتمثلة في حوادث الدهس المؤدية الى عوق أو موت الغير ، وغيرها مما يجب فيها عدم خلط المفاهيم المفضية إلى الإساءة للمجتمع أو أحد أفراده ، بالتشكيك في حسن الأخلاق والنوايا ، لغرض النيل من منزلة وقدر المجتمعات وأشخاصها ، لحسابات غير منطقية ولا معقولة وغير مقبولة في ميزان الحق والعدل والانصاف ، المعبر عنه بالتسقيط السياسي حاليا ؟!.

إن إرتكاب الأشخاص للأعمال أو الأفعال المخالفة للمباديء والقيم الإنسانية ، ولقواعد القوانين المنظمة لشؤون المجتمع والأفراد ، تؤدي بمرتكبها إلى المساءلة من قبل أجهزة القضاء المختصة ( المحاكم ) ، لتقرير ما يستحقه من العقوبة المتناسبة مع فعله المنحرف عن السلوك السوي ، بالدليل القاطع والبرهان الثابت والأكيد لفعله الشائن ، فإذا كان الحكم بسجنه لمدة خمس سنوات فأكثر سمي فعله ( جناية ) ، وإذا كان الحكم أقل من خمس سنوات فهو ( جنحة ) ، وبذلك فاننا أمام شرط عدم كون المواطن من المحكوم عليهم بالسجن لمدة خمس سنوات فأكثر لسبب غير سياسي ، بمعنى أن لا يكون المواطن محكوما عليه بسبب إنتسابه أو إنتمائه أو إعتقاده السياسي المعارض لتوجهات السلطة الحاكمة ، وإنما بسبب إرتكابه لجريمة القتل العمد مثلا ، أو أية جريمة يقرر القانون إعتبارها جناية ، ولا يمنع ذلك من كونها مخلة بالشرف أو من دونه . كما لا يجب أن يكون محكوما عليه بالسجن لمدة تقل عـن خمـس سنوات ، بسبب إرتكابه فعلا ( جنحة ) يمس الشرف مثل السرقة والإختلاس والتزوير والإحتيال … إلخ ، مما تقرره المحكمة المختصة ، فالشرف يعني العلو في حسن ومكارم الأخلاق ، المتمثل في أبهى صور السلوك والتصرف الإنساني النقي والسليم ، الذي جبل الخلق عليه في أحسن تقويم ، وعليه ترى الناس يتنافسون فيما بينهم أيهم أشرف من غيره نزاهة ، وبذلك فإن كل ما يمس تلك السجايا والصفات الحميدة من شوائب السوء والقذارة ، التي تقلل أو تحط من قدر أو قيمة صاحبها ، أو تؤدي إلى الإخلال بما كان يتمتع به من صفات حسنة ، ومن ثم إنحداره إلى أسفل درك منازل الجريمة متعددة الأضرار ، من غير رادع أو وازع من ضمير ، يعبر عنه بالجريمة المخلة بالشرف ، لغرض تشديد العقوبة وإن تمت مراعاة ظروف إرتكابها ، وقد تنتقل الجنحة إلى جناية ، تبعا لتحول تصنيفها على وفق أسباب إرتكابها ونتائج تداعياتها على الفرد أو المجتمع . وفي كل الأحوال ، فإن الحكم على الأشخاص بسبب جناية أو جنحة تمس الشرف أو تخل به ، سبب رئيس من أسباب هبوط مستوى ودرجة الإنسان في نظر الآخرين ، والنيل من مكانته والحط من قدره ، وإسقاط لمنزلته وخفض لقيمته ، لفقدانه قوة مقومات شخصيته الإعتبارية في وسطه المادي أو المعنوي ، فلا يقيم المجتمع للمدان بعد إقترافه للذنب أو الخطيئة الكبرى وزنا ، لإختياره وسائل وأساليب الإعتداء والعدوان على حقوق الآخرين الخاصة أو العامة ، وقيامه بالفعل المستنكر بمحض إرادته ورغبته ، من غير مبالاة بما ليس له فيه من أدنى حق ، أو إمكانية شروى نقير ، إن (حسن الأخلاق) شرط تقدم على شرط عدم الحكم بجنايـة غير سياسية ، أو بجنحة تمس الشرف ، حيث لا يمكن إعتبار كل من حكم عليه ، لا يتوفر فيه شرط (حسن الأخلاق) ، لأن سلوك الأشخاص بعد إنتهاء محكومياتهم قد يثبت العكس من ذلك .

*- ولأن الشعب مصدر السلطات ، فهو المحكمة التي ستصدر حكمها بعدم أهلية مجلس النواب إن لم ينهض بمهامه وواجباته على أتم وأكمل وجه ممكن ، وإن لم يثبت النواب حسن السيرة والسلوك من جهة إكتمال النصاب لعقد جلسات المجلس ، دون إعتماد الإخلال بالنصاب مع سبق الإصرار والترصد الخبيث ، أو إستنفاد التوقيتات الدستورية بما لا يخدم الشعب والوطن ؟!

أحدث المقالات