23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

مجلس النواب.. ستة أشهر من الإنجازات والعثرات/2

مجلس النواب.. ستة أشهر من الإنجازات والعثرات/2

عانى العراقيون كثيرا من تأخر إقرار موازنة 2014، حيث تعطلت مصالح المواطنين وعانت الحياة الإقتصادية من شلل شبه تام؛ ترافق ذلك مع اتساع لهيب الحرب في المحافظات السنية، كان على مجلس النواب أن يحسم هذا الموضوع بسرعة بعد تشكله مباشرة، ورغم حجم التنافرات السياسية وتقاطعات الكتل المختلفة وخواء خزين الدولة؛ استطاعت رئاسة مجلس النواب أن تقر موازنة العام الجديد والبالغة أكثر من 119 تريليون دينار بعد عناء شديد .

ورغم كل ما يقال عما أقر من بنود الصرف وكونها دون الآمال والطموحات التي كان يعلق عليها رجل الشارع البسيط آماله؛ فإن هذه الموازنة ووفقا لما هو متاح في هذه الظروف الصعبة حققت حدا أدنى من طموحات بعض الفئات المتضررة من الأوضاع الأخيرة كالنازحين مثلا، حيث تم إنشاء (صندوق إغاثة ودعم النازحين)، وخصص له مبلغ ترليونين و400 مليار دينار توزع عليهم كرواتب شهرية بواسطة البطاقة الذكية بواقع 400 ألف دينار لكل عائلة نازحة، كما تم إدراج رسم طابع في الموازنة يخصص ريعه لدعم النازحين يجبى من المواطنين عند مراجعتهم الدوائر الحكومية، وهذا الرقم رغم أنه قليل ولا يلبي احتياجاتهم إلا أنه سيسهم بالتأكيد في دفع غائلة الحاجة والعوز عنهم، إن تم صرفه بالفعل.

 

   كما تم أقرار تأسيس صندوق لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب وخصص له مبلغ أولي قدره 500 مليار دينار، وتم تخصيص 80 مليار دينار لبناء المساجد التي دمرتها المليشيات، وهو إقرار بإجرام هذه المجاميع المسلحة التي ترعاها بعض الجهات السياسية، ولكن دون إجراءات عسكرية أو قانونية لوضع حد لها.

 

 وتشمل الموازنة الجديدة كذلك تخصيص خمسين ألف درجة وظيفية لتشكيل قوات من أبناء المحافظات السنية لحماية مناطقهم وأهليهم، بالإضافة إلى آلاف الدرجات الوظيفية في مجالات أخرى.

 

  ورغم أن قانون الحرس الوطني قد تم إقراره بعد لأي وخصومات ومعارضات شديدة؛ إلا أن طريقة تعاطي بعض الكتل السياسية معه لا يبشر بخير أبدا، فبعض الأحزاب الشيعية لا تزال تنظر إليه على أنه محاولة سنية للتسلل إلى المؤسسة العسكرية التي تم إنشاؤها بعد 2003 للهيمنة عليها والتحكم فيها، وهو ما يعكس نظرة هذه الأحزاب ومنتسبيها للسنة العرب على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وربما الثالثة، وأن قبادة مؤسسة الجيش والتحكم في مفاصلها يجب أن تبقى حكرا على الشيعة.

 

ولعل التلكؤ في إقرار هذا القانون ومحاولات تعطيل تنفيذه القائمة حتى اليوم دفع البعض لانتقاد رئاسة المجلس التي لا تزال بعيدة عما يجري في المحافظات الساخنة ولم تضع حتى الآن خطة عمل للتعامل مع الأحداث المتسارعة هناك، حيث الانتهاكات تجري على قدم وساق في غياب أبناء تلك المناطق عن تصدر وقيادة المشهد الأمني، في الوقت الذي تسرح (داعش) ومليشيات الحشد الشعبي على الارض هناك.

 

نقطة أخرى لا تزال تؤخذ على الدكتور سليم الجبوري، وهي موروثة من عهد نوري المالكي؛ وتتعلق بعشرات اللجان التحقيقية التي شكلت للبحث في عدد من الجرائم الطائفية والانتهاكات الميدانية على الارض، أين هي؟ وماذا حل بها؟ وهل لا تزال تعمل؟ ولماذا يستقبل رئيس مجلس النواب أهالي ضحايا (سبايكر) في حين لم يسأل أحد عن ضحايا مجازر المليشيات في المقدادية وبروانة وسليمان بيك وجلولاء وغيرها؟ وهل من لجان تحقيقية تبحث عمن فجروا وأحرقوا عشرات المساجد في ديالى مسقط رأس الجبوري، ولماذا يتم التعتيم على هذه الجرائم فيما يتناول الإعلام بشقيه الحكومي والخاص جرائم (داعش) لوحدها؟ وهل هناك مسلحون ضد القانون وآخرون فوقه؟!

 

إن على الدكتور سليم الجبوري أن يوضح للرأي العام العراقي والسني تحديدا لماذا تمارس هذه الإزدواجية تجاه العرب السنة في الوقت الذين يدعى فيه أبناؤهم لمحاربة (داعش)، وهل عليهم باستمرار أن يستبدلوا مجرما بآخر؟!.

 

أما قضية عشرات آلاف المعتقلين فلا تزال غائبة عن جدول أعمال مجلس النواب، رغم دعوات الجبوري باستمرار لحسمها عبر قوانين تعيد الحقوق لأصحابها وتنصف الابرياء الذين جرّوا إلى السجون بجريرة المخبر السري فيما يسرح المجرمون خارجها ويمرحون.

 

هذه القضايا وغيرها لا يزال الرأي العام السني ينتظر من الدكتور سليم والذي يعوّل عليه كثيرا في عملية التغيير؛ إجابات واضحة عليها.

 

ورغم أن هذه الحكومة تشكلت في أجواء مصالحة عامة؛ إلا أن هنالك أصواتا نشازا لا تزال تعلو في مجلس النواب، تارة ضد العرب السنة، وأخرى ضد إقليم كردستان وبعض دول الجوار، في محاولات واضحة لعرقلة عمل المجلس وإثارة نعرات طائفية في مجتمع أنهكته الصراعات والحروب، ولا بد من وضع حد لهذه الأصوات وتحجيمها لأن الوضع الداخلي لا يحتمل مزيدا من الإحتقان والتأزيم.

 

ورغم مرور أكثر من ستة أشهر على عمل المجلس الجديد؛ فإن الوقت يبدو مبكرا للحكم على أداء رئيسه وأعضائه، فالعقبات كثيرة والأزمات تتصاعد يوما بعد آخر، ومن مصلحة العراقيين جميعا أن يعمل البرلمان على إطفاء الحرائق المتصاعدة هنا وهناك، وأن يراقب بصرامة أداء السلطة التنفيذية؛ قبل أن يقال يوما (كان هناك عراق)!!