بعد جلسة مجلس النواب السابقة، التي تعد واحدة من أهم جلسات المجلس؛ لما حملته من فضائح واتهامات شملت العديد من النواب والمسؤولين، يتبادر للمتابع عدة أسئلة منها: ما الجديد الذي حملة الوزير باتهاماته في هذه الجلسة؟ وهل يوجد مواطن عراقي لا يعلم بالفساد المستشري في البلاد؟ وهل تسمح حيتان الفساد بما جرى وتبقى صامته؟ وإن نجح الوزير بإثبات إدعاءاته؛ هل يعتبر ذلك بداية لفتح ملفات الفساد الكبيرة؟
للإجابة على هذه الأسئلة لابد من أن يعي المواطن العراقي، أن الفساد في المؤسسات الحكومية، هو سرطان في جسد هذه البلاد، وكل هذا التخلف والدمار والعطالة، وسوء الملف الأمني و”داعش” ؛أحد أهم أسبابه هو الفساد المالي والإداري؛ وإلا كيف تسقط ثلث أراضي البلاد خلال ساعات، في يد مجموعات مسلحة إرهابية، لا ترقى لا بالعدد ولا بالعدة لمستوى الجيش العراقي وبدون أيّ قتال؟
الجديد في هذه الاتهامات، هو أن العبيدي أتهم مسؤولين كبار في الدولة، كرئيس البرلمان سليم الجبوري، وهو( الوزير) داخل الجلسة التي يرأسها الجبوري، وهذا لم يحصل من قبل حيث أن أغلب الاتهامات السابقة، غالباً ما تكون من خلال وسائل الإعلام، إضافة إلى أن البعد الطائفي يلعب دوراً كبيراً في مثل هذه القضايا، حيث دائماً ما كانت قضايا الفساد تغطى بطابع طائفي؛ وبذلك تبدأ الصراعات الطائفية، ويتم التغاضي عن مثل هذه التهم، لكن هذه المرة الوزير وأغلب المتهمين من نفس الطائفة.
حيتان الفساد لن تبقى صامته؛ لأن ما جرى أن تم التعامل معه بالجدية اللازمة، من قبل القضاء فإن ذلك سيسقط رؤوساً كبيرة للفساد، ويمهد الطريق لفتح ملفات الفساد الأكبر والأهم، خلال سنين الوفرة المالية والميزانيات الانفجارية، ويبدو أن حرب الفوضى قد بدأت، بدعوات عدة منها المطالبة بتعطيل البرلمان، وأخرى التهديدات بالتصفية، والتعامل بالمثل من خلال إطلاق الاتهامات على الطرف الآخر، لتضليل الرأي العام العراقي، وجعل القضية قضية صراعات سياسية، لان استمرارها ونجاحها يفتح الطريق لقضايا أكبر وأخطر.
رئيس البرلمان اليوم، شكل فريق من المحامين للدفاع عنه، مؤكدا كذب هذه الادعاءات، واعتبرها عملية تسقيط لأعلى سلطة في البلاد، أما العبيدي فيبدو انه يسير على الطريق الصحيح، فقام اليوم بتسليم هيئة النزاهة ملفات الفساد، وأقراص مدمجة تؤكد وتعضد من موقفه، والمرجح أن موقفه أقوى من خصومه؛ وإلا ليس سهلاً عليه أن يتهم رئيس البرلمان، وعدد من النواب بهذه التهم علنا،ً من غير أن يكون لدية أدلة.
يبقى الأمل في القضاء العراقي، وهيئة النزاهة والإدعاء العام لأخذ دورهم، في منع أيّ مساومات أو تدخلات سياسية، خاصة إذا علمنا تغلغل الفاسدين في المؤسسات الحكومية كافة، بما فيها مؤسسات الرقابة والنزاهة، وهنا أيضا يجب على رئيس الوزراء العبادي، أن يأخذ دوره في هذه القضية فهذه الفرص المتتالية، التي أتيحت له منذ تسنمه منصبه وإلى اليوم، والتي لم يستثمرها في القضاء على الفاسدين؛ إنما هي دليل على فشله بمشروعه، الموسوم بمحاربة الفساد والقضاء عليه.
ما يهم المواطن العراقي، هو أن ملفات الفساد بدأت تظهر للواجهة، بعيداً عن الانتماءات الطائفية والحزبية، فمهما كانت هذه القضية كبيرة في فسادها، فهي تبقى في سنين التقشف والأزمة المالية، فكيف لو فتحت ملفات الموازنات الانفجارية، وملفات القضايا الأمنية في زمن الحكومات السابقة؟