تجلت بفضاء الإعلام أحدى أهم مشكلات القضاء العراقي( دستورية المحكمة الإتحادية)، وتقاطعها مع مجلس القضاء الاعلى، لكنها اختفت سريعا في خضم انشغال الوطن بالتظاهرات والأزمة السياسية ومشروع تغيير رئيس الوزراء، ماجعل موضوع التماحك والتقاطع الناشب بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية يحتل مرتبة ثانوية رغم أهميته الوطنية الكبرى، لكنه انغمر وسط الاحداث بسبب ضعف الثقافة القانونية بين الجمهور العراقي بشكل عام، والطبقة السياسية والبرلمان بنحو خاص .
اعترض مجلس القضاء الاعلى على تعيين أحد القضاة المتقاعدين من محكمة تمييز العراق عن عمر ٦٨ سنة القاضي محمد رجب الكبيسي عضوا احتياطاً من قبل المحكمة الاتحادية، في حين اعتبره المجلس مخالفا للقانون، ومايصدر عن الاتحادية يكون والعدم سواء ..!
وهنا تبدت لنا بعض الأمور الغاطسة في المسكوت عنه، إلا وهي دستورية المحكمة الإتحادية، المرجعية القانونية الدستورية للنظام السياسي الديمقراطي ومداراته المتعددة، إذ نتفاجئ بأن هذه المحكمة الموقرة لم تستند لتشريع قانوني جديد من مجلس النواب في دوراته الأربعة وإنما تسير اعمالها وفق الأمر رقم (30)لسنة 2005 ، الأمر الذي يعني عدم اكتراث الطبقة السياسية بأحزابها المتنوعة الإنتماءات لهذا الموضوع الجوهري من جهة، وبفعل الأزمات السياسية وانعدام الثقة فيما بين الفرقاء السياسيين أنفسهم، من جهة أخرى، وهنا يتقدم الغرض السياسي ويتجاوز الحق القضائي وشرعيته، مايعني بأن السكونية الإرضائية التي طبعت إداء المحكمة الإتحادية أكثر أهمية من علوية قراراتها في تقويم الحياة الدستورية الديمقراطية .
اعتراض مجلس القضاء الأعلى يذهب الى مراعاة ان تكون المحكمة متشكلة بموجب القانون ويؤاخذ المحكمة الإتحادية ورئيسها السيد مدحت المحمود على ازدواجية ومزاجية القرارات التي تعمل بموجبها خارج غطاء مجلس القضاء، ويحيل الموضوع الى تناقض صريح وقع فيه رئيس المحكمة السيد المحمود في قرار المحكمة المرقم ٨٣ في ٢١مايس ٢٠١٩ حين الغى صلاحية صلاحية مجلس القضاء الأعلى في ترشيح رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية ولايدخل ضمن صلاحيات مجلس القضاء حسب نص المادة (٩١) من الدستور ، فأن هذا التبرير بحسب مايعلن محلس القضاء الاعلى يجعل رئيس المحكمة يناقض نفسه بنفسه إذ ان مشروع قانون مجلس القضاء الاعلى المرفوع من قبله عندما كان رئيسا للمحكمة الاتحادية هو نفسه رئيس مجلس القضاء الاعلى نص في المادة (٣/ثالثا) اختصاص مجلس القضاء الاعلى في ترشيح رئيس المحكمة الاتحادية العليا ونائبه واعضاء المحكمة فإذا كان هذا النص غير دستوري كيف يتبناه رئيس المحكمة الاتحادية العليا..؟
الاستدعاء الآخر للدهشة يأتي من الأمر (٣٠) وفي الفقرة الثالثة من المادة السادسة تحديدا والذي ينص على بقاء القاضي في منصبه طيلة حياته، ماجعل معدل اعمار السادة القضاة يتراوح في الثمانيات والتسعينات، ويعاني بعضهم من عجز جسدي وانعدام الجهوزية الذهنية بمعدلاتها الطبيعية في هكذا أعمال مهمة جدا في دولة تعيش اطوار التحول والتغيير، ولاتستدعي الكفاءة الفقهية الدستورية وحسب وإنما الإندماج بالحياة وتنوعاتها والتي تشكل المنهل الأوسع لصاحب القرار أو التشريع .
ارتفاع منسوب الاحداث السياسية وحمى التظاهر والأحداث المؤسفة بسقوط شهداء وجرحى ربما أجل العديد من الأسئلة والافكار التي تشغل المثقفين العاملين في قطاع القضاء ومن خارجه أيضا، تتعلق بهذا الموضوع الجوهري ومرجعية المحكمة الإتحادية وكيف تنتخب اعضائها وآليات علاقتها بمجلس القضاء الأعلى، ولعل السؤال الأهم في كل ذلك هو متى يتم تشريع قانون المحكمة الإتحادية وبمعزل عن الإرادات والضغوط السياسية ، كما ندعو السادة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة المقبل أن يولوا هذا الأمر قيمته الحقيقية التي تشكل أحدى أهم مرتكزات ونجاح مشروع الديمقراطية والحياة الدستورية والقضائية بصورة عامة .