23 ديسمبر، 2024 2:41 م

مجلس الثقافة والفنون في روسيا الاتحادية

مجلس الثقافة والفنون في روسيا الاتحادية

تتحدث الاوساط الثقافية العراقية في الفترة الاخيرة عن اهمية وزارة الثقافة في مسيرة الحياة الثقافية في العراق , والدور الذي يجب ان تؤدٌيه في مجال  نشر الثقافة وتعميقها وتوطيدها بين مختلف اوساط المجتمع العراقي , و طبيعة علاقتها بالمنظمات والاتحادات الثقافية والفنية والصحفية والمدنية بشكل عام , ودعم النشاطات الابداعية العراقية في كافة المجالات …الخ , وقد برز ضمن هذه الاحاديث مقترح استحداث المجلس الاعلى للثقافة يشارك فيه مثقفو العراق في رسم المسيرة الثقافية بشكل عام والاشراف عليها وتوطيد دورها الاجتماعي الكبير جنبا لجنب معجهود وزارة الثقافة, او ربما حتى بدون هذه الوزارة اصلا, ويعد هذا المقترح خطوةمتقدمة و رائدة وشجاعة بحد ذاته , خطوة تستحق التأمل فيها والتوقف عندها والتفكير بشأنها والحوار حولها وبذل المساعي من اجل انجاحها, ومساهمة منٌا في اغناء هذا الحوار حول ذلك, سنحاول في السطور الاتية ان نعطي للقارئ الكريم ملامح عامة وملاحظات اساسية حول تجربة روسيا الاتحادية في هذا المجال, رغم قناعتنا التامة والمطلقة طبعا باختلاف طبيعة البلدين و الدولتين والمجتمعين ومستوى التطور الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي بينهما, ولكننا نرى – مع كلذلك التباين الكبير – ان الاطلاع على تجارب الشعوب الاخرى في هذا المجال يبقى قضية مهمة بلا شك , قد يمكن ( نكرر قد يمكن ) الاستفادة منها او الاستناد اليها او الى جزء منها في تحقيق خطوة – ما في هذا الحقل او ذاك من عالم الثقافة الواسع .
توجد في روسيا الاتحادية وزارة للثقافة و يوجد ايضا مجلس للثقافة والفنون , ويعتبر المجلس هذا اعلى من الوزارة اعتباريا واداريا , اذ انه يرتبط برئيس الدولة مباشرة , اما الوزارة فترتبط بمجلس الوزراء الذي يترأسه رئيس الوزراء, ولا نريد التوسع هنا بالكلام عن بنية وزارة الثقافة الروسية وعملها ونشاطها , اذ انها بنية تقترب و تتشابه في الكثير من تفاصيلها مع وزارات الثقافة في معظم بلدان العالم , بما فيها العراق طبعا , وتتوزع مديرياتها و اقسامها وفروعها بين النشاطات الفنية والادبية المعروفة من     مسرح وسينما وموسيقى وفن تشكيلي واصدارات أدبية …الخ هذه النشاطات وحسب خصوصيات البلد  , ولكننا نود التوقف بتفصيل اكثر واوسع عند مجلس الثقافة والفنون في روسيا الاتحادية والتعرف على بنيته واختصاصات اعضائه ودوره في الحياة الثقافية الروسية . يتكون هذا المجلس من ( 59) عضوا وذلك حسب الامر الرئاسي الصادر  بتاريخ 19/9/2012 وبتوقيع الرئيس الروسي , والمنشور باللغة الروسية في الموقع الرسمي الرئاسي لروسيا الاتحادية . رئيس المجلس هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه , وهنا بالذات يكمن الفرق الجوهري بين المجلس ووزارة الثقافة طبعا , اذ ان توصيات هذا المجلس وقراراته تصدر باشراف و بموافقة رئيس الدولة وبتوقيعه , وبالتالي فانها تكون متكاملة و ملزمة – وبشكل دقيق وواضح-  لدوائر الدولة ومؤسساتها كافة , اما الاسم الثاني , اي نائب الرئيس في هذا المجلس فهو الشخصية المشهورة جدا في الاوساط المسرحية و الادبية والسينمائيةشاخنزاروف-  مدير ستوديوهات ( موسفيلم ) المعروفة, وهي واقعيا المؤسسة المركزية لانتاج الافلام السينمائية عبر كل تاريخ السينما في الاتحاد السوفيتي ثم روسيا الاتحادية فيما بعد , والاسم الثالث في  تسلسل هذا الامر الرئاسي هو أحدمستشاري الرئيس الروسي للشؤون الثقافية , ويشغل منصب سكرتير المجلس , اي أمين السر حسب الترجمة العربية لكلمة ( سكريتر ) , وليس بالمعنى السائد في الوعي الاجتماعي لدينا , والذي يعني مسؤولية ترتيب الوثائق والاوراق والمعاملات الرسمية وتقديمها الى المسؤول وتوزيعهابعد تهميش هذا المسؤول عليها ليس الا , وهو العضو الوحيد المتفرغ كليا للمجلس بين كل الاعضاء , اذ ان البقية كلهم اعضاء غير متفرغين ,  بل مكلفين بعضوية المجلس على وفق عقد خاص متفق عليه بينهم وبين المجلس اضافة الى وظائفهم ومناصبهم الاساسية التي يشغلونها , واود الاشارة فيما يأتي الى مناصبهم  ومواقعهم الثقافية في المجتمع الروسي بشكل عام ليس الا دون ذكر الاسماء , اذ ان هذه الاشارة تكفي للدلالة على اهمية هذا المجلس والدور الكبير الذي يؤديٌه في مسيرة الحياة الثقافية لروسيا . يضم المجلس في عضويته كل من –
مدير تلفزيون واذاعة كولتورا ( الثقافة ) // ورئيس الفرقة السيمفونية لروسيا الجديدة //ورئيس اتحاد معماري روسيا // ومدير متحف الارميتاج في بطرسبورغ // ورئيس لجنة الثقافة في مجلس الدوما ( البرلمان ) //  ورئيس اتحاد فناني روسيا // ورئيس جمعية الحفاظ على النصب الثقافية والتاريخية //  ورئيس  معهد الفن التشكيلي والنحت   والفن المعماري في بطرسبورغ // ومدير بيت الابداع الشعبي في وزارة ثقافة داغستان // ومدير مسرح بوشكين للدراما // ورئيس تحرير جريدة ليتيراتورنايا غازيتا // والمسؤول الاول للشؤون الثقافية في مجلس الكنائس //  ومدير المدرسة الخاصةللموسيقى // و مدير مدرسة الفنون للاطفال // ومدير مسرح الباليه في بطرسبورغ // ومدير المتحف العسكري – التاريخي // ومدير صندوق الجمعيات الخيرية // ومندوب فناني الباليه في مسرح البولشوي تياتر // ورئيس جامعة غيراسيموف للفن السينمائي //  ورئيس مسرح الامم // ومدير مسرح تشيخوف للدراما // ورئيس اتحادات المنظمات المسرحية // ورئيس تحرير جريدة كولتورا ( الثقافة ) // ومدير فرقة الغناء الشعبي //  والمخرج الاول في مسرح اومسكي للدراما // ومدير متحف شولوخوف //وهناك العديد العديد من الشخصيات الثقافية الاخرى في هذا المجلس , منهم الشعراء والادباء ونقاد الادب والمتخصصون به وبتاريخه , ومنهم عازفون موسيقيون متميزون , ومنهم نجوم فن الباليه , ومنهم مخرجون كبار في المسرح والسينما , ومنهم رسامون ونحاتون ومعماريون وممثلون ..الخ من الاسماء اللامعة في دنيا الثقافة والفنون , ومنهم حتى الحرفيون الذين يمارسون مهنة تعديل وتجديد وتصليح اللوحات والتحف القديمة المعطوبة والمخطوطات والذين يعيدون الروح الفنية للآثار الموغلة بالقدم.
يعقد المجلس جلساته شهريا تقريبا وكذلك عند الضرورة , ويعلن الموقع الرسمي لرئيس الدولة تاريخ الجلسة وموضوعها , ومن جملة المواضيع هذه مثلا – مناقشة اسس السياسة الثقافية للدولة ومسيرتها / دراسة وثائق المرشحين للحصول على جوائز الدولة في مجال الادب والفن للاطفال والشباب / دراسة تمويل المشاريع السينمائية حول تاريخ روسيا /…الخ من هذه المحاور والمواضيع المهمة والحيوية والكبيرة في الحياة الثقافية للبلد , ويعقد المجلس بعض الاحيان جلساته في مدن اخرى غير العاصمة موسكو للاطلاع ميدانيا وعمليا على نشاطات ومشاكل الثقافة فيها ومحاولة ايجاد حلول لها , وخصوصا في المدن العريقة المرتبطة بتاريخ روسيا الثقافي .
والخلاصة التي نريد الوصول اليها هنا واضحة تماما, وهي ان مجلس الثقافة والفنون في روسيا يعمل جنبا لجنب مع وزارة الثقافة فيها , ويؤدي دورا مهما جدا في مجال تعميق وتوطيد اسس الثقافة والفنون المتشعبة والواسعة  , وان دوره هذا لا يتعارض ولا يتقاطع ولا يتناقض مع دور وزارة الثقافة , بل على العكس تماما, ينسجم ويتناغم مع عمل هذه الوزارة واهدافها النبيلة ويدعم مسيرتها في خدمة الثقافة وتوسيع آفاقها, وكم اتمنى ان ينبثق ويتبلور مثل هذا المجلس في العراق دعما لوزارة الثقافة ودورها الكبير في حياة المجتمع العراقي .