23 ديسمبر، 2024 5:37 ص

مجلس الاتحاد.. نسيا منسيا

مجلس الاتحاد.. نسيا منسيا

من أمثال العراقيين العصية على الاندثار مثل يقول: (البعيد عن العين بعيد عن الگلب) وأظنه صار ديدن مجلس نوابنا بدوراته الثلاث، وحتى اليوم مازال ساري المفعول، وعلى الأرجح أنه سيبقى كذلك بدورته الرابعة دون تغيير، أو لعل أعضاء المجلس يعشون نهارا فضلا عن ليلهم، فلا يرون من الحق إلا لماما. إذ هناك مجلس توأم لمجلس النواب كان من المفترض أن يولدا سوية من رحم الدستور العراقي، إلا أن قدر العراقيين شاء أن يولد مجلس النواب وحيدا فريدا من دون شقيقه التوأم الذي وُئد قبل تكوينه، وقُبر قبل ولادته، وهذا ما -استرطب- له النواب ورئيسهم منذ تأسيس برلمانهم حتى ساعة كتابة هذا المقال.
في عراقنا الجديد بعد عام 2003 هناك في الدستور المقر والمعتمد مادة تنص بوضوح كوضوح شمس تموز في كبد السماء، على ما يأتي:
” تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب ومجلس الاتحاد”.
وها نحن شهدنا الأول سرعان ما أسس وصارت له الأولوية والحضور في إصدار القرارات، التي ينام ويصحو المواطن على أمل البت فيها والعمل بها، وهذا شيء رائع في العراق الـ (جديد) الذي مافتئ أهله يحلمون بحكام يقودون بلادهم صوب بر الأمان.
أما الثاني -مجلس الاتحاد- فقد كتب عليه البقاء في العدم مدى الحياة، ومن سوء طالع العراقيين أن ولادته تتعسر وتتعسر بفعل فاعلين لافاعل واحد، بدليل تعاقب شخوص مجلس النواب أعضاءً ورؤساء، دون مرور أحدهم على استذكاره وإخراجه للوجود كما نص على ذلك الدستور.
هنا سؤال كان قد طرح نفسه منذ لحظة تأسيس الدولة العراقية الجديدة، ومازال مطروحا، سؤال يتعمد كثيرون إرجاء الإجابة عنه بشتى الطرق والسبل، وقطعا لغايات وأهداف أول ما يقال عنا أنها ضد مصلحة المواطن، السؤال هو: أين الشق الثاني من المادة المقرة في الدستور؟ أين مجلس الاتحاد؟ وماذا حل بإرهاصات إنشائه؟ وهل هو كما يراه البعض (زايد خير)؟ أم هو (حديدة عن الطنطل)!.
مالاشك فيه ان الساعين في عرقلة تأسيس مجلس الاتحاد طيلة هذه السنوات، لهم مآرب يكاد يفقهها حتى الطفل الرضيع في العراق، إذ الجميع يعلم أن أشد مايخشاه الـ (حرامي) هو الرقيب، ودور مجلس الاتحاد لو قدر له ان يؤسس، سيكون العين المبصرة لأي (قارش وارش) وألاعيب النواب وبهلوانياتهم، كما أنه سيكون الـ (فلتر) الذي تمر من خلاله القوانين والمشاريع قبل إقرارها، وكذلك تدقيقها بعد الإقرار. وسيكون مخولا برفع مشاريع قرارات ومقترحات قوانين، تخدم البلاد والعباد الى مجلس النواب لإقرارها. وهذا قطعا لايحلو لبعض الكتل، ولايسير وفق ماتشتهي سفنهم، إذ هم بالمرصاد لكل ما من شأنه خدمة المواطن، وهذا مالمسناه أكثر من مرة، ولاسيما في دورة البرلمان الثانية، إذ نُظم حينها اجتماع أطلق عليه اجتماع لجنة الصياغة النهائية لمقترح قانون مجلس الاتحاد، والذي ترأسه آنذاك أسامة النجيفي، حيث فشل في التوصل الى اتفاق حول القانون، لاختلاف مطالب الكتل السياسية، باعتراضهم على صلاحياته الواسعة. وقطعا كلما اتسعت صلاحيات الرقيب، انكمشت فرص اللصوص في السرقات، وضاق عليهم الخناق لممارسة نخاستهم ومبيعاتهم المشبوهة.
كذلك لم يفت المغرضين ان يتحججوا بالأسباب التي تؤخر تشكيل هذا المجلس، وهذا يبدو جليا من خلال إصرار بعض الكتل على اختيار أعضاء مجلس الاتحاد بالتعيين وليس عن طريق الانتخاب. أي أنهم يريدون ضمان غياب الرقيب عن أفعالهم الظاهرة والباطنة معا، وهذا أمر طبيعي! حيث من غير المعقول أن يأتي اللص بمن ينغص عليه إتمام عملياته حتى آخر سنت في (القاصة) كما يهوى.
اليوم، وبعد أن مل العراقيون مرورهم بمنعطفات خطيرة، هل يتبنى برلمان العراق بدورته الجديدة، تطبيق مادة الدستور التي تقر إنشاء مجلس الاتحاد كمجلس قرين له؟ ومع أنها خطوة متأخرة عقدا ونصف العقد، إلا أنها ستحتسب لصالحه، وكما يقول المثل الإنگليزي: