19 ديسمبر، 2024 4:13 ص

مجسات الاختبار

مجسات الاختبار

-1-
هناك سؤال يطرح نفسه بالحاح :

هل ثمة من معيار نستطيع من خلاله الحكم على رجل مُعيّن بأنه حُرٌّ وصاحبُ دِينٍ ؟

انّك لا تجد – الا نادراً – من يجهر بفسقه ، وخروجه الصريح على الثوابت الدينية المقدسة ، بل على العكس من ذلك تجد أمواجا متلاطمة من الناس، تتستر بالعديد من البراقع ، وتُخفي عن الناس حقيقتها ..!!

وليس كلُّ الناس بقادرين على التمييز بين ” الاصيل ” و”الدخيل” …

فقد تلتبس عندهم الأمور ، وتصعب معرفةُ الحقيقة .

ومن هنا تعظم أهمية المعيار – الفيصل بين الحالتين :

حالة الاستقامة ،

وحالة التشبه بذوي الاستقامة ولكنْ مِنْ دُونِ تمسكٍ بأهدابها وآدابها ..

والمصيبة انّ كثيراً من الادعياء نجحوا في الوصول الى مواقع لم يكونوا جديرين بالوصول اليها ، فخانوا الأمة والأمانة ، وانتهكوا الحرمات ، واسرفوا باجتراح القبائح …

-2-

من أهم من مجسات الاختبار في مضمار اكتشاف حقيقة الانسان، هو رفضه المطلق أنْ يكون من رجال السلطة الغاشمة، والمنفذين لأوامرها، حيث أنَّ المنصب المرموق مفتاحُ لبوّابةِ المنافع الكبرى اجتماعيا وسياسياً واقتصادياً … فرفضه للمنصب في ظلِّ الحاكم الظالم لا يعني الاّ

التورع من أنْ يكون أداةً بيد الظالم الغشوم ، ويعني أيضاً أنه حرٌّ لا يُمكِنُّ الظالمين من استعبادِهِ واستخدامه في الدروب الموحشة ، والمسالك المظلمة ، والممارسات الآثمة …

إنّ ضميره النقيّ ، وايمانه القويّ ، ووعيه الجلّي عواملُ تجعل الفاصل بينه وبين الطاغوت بعيداً .

انّه ينأى بنفسه عنهم ، وعن دنياهم الملوثة بالمظالم والعظائم وبكل ما يُدخلونه على الأمة من بلاء وشقاء …

-3-

واذا كانت كتب التاريخ والسيرة والادب بساتين تزدهي بما تحمل من ثمار ، فانّ من ثمارها المهمة إيراد الأخبار عن رجال آثروا المبادئ على المصالح واختاروا – ببسالة وشرف – أنْ يصطفوا مع ما تمليهم عليهم ثوابتهم المقدّسة .

-4-

ومما جاء في التاريخ قضية الفضيل العَدْواني مع الحجاجّ ، وكان خَيِّراً من أهل الكوفة .

استدعاه الحجاج وقال له :

” اني أريد أن أوليّكَ

قال :

أو يعفيني الأمير ؟

فأبى ، وكتبَ عَهْدَهُ ،

فأخذه وخرج من عنده ،

فرمى العهدَ وهرب ،

فأٌخذ واُتي به الحجّاج فقال :

يا عدو الله ، فقال :

لستُ لله وللأمير بعدوّ،

قال : أَلَمْ أكرمكَ ؟!

قال : بل أردتَ أنْ تهينني ،

قال : ألم استعملك !

قال : بل أردتَ ان تستعبدني ،

قال : (انما جزاءُ الذين يحاربون الله ورسوله) الآية

قال : ما استوجبتُ واحدةً منهن ،

قال : كل ذلك قد استوجبتَ بخلافك .

وأمر رجلاً من اهل الشام أنْ يضرب عنقه “

عيون الأخبار / ج2 / ص210-211

لقد ادرك العدواني بفطرته السليمة ، ووعيه العميق، أنْ الحجاج ما أراد به العمرة بل أراد به الغدرة حيث كتب له عهداً بولاية معيّنة لينضم الى قافلة طويلة ممن باعوا دينهم بدنيا الحجاج ..

والدليل على ذلك ان مجرد الرفض للولاية اعتبر دليلاً جرميا ضد العدواني .

ان الطاغوت يعتبر مخالفة أوامره جريمة تصل عقوبتها الى الاعدام .

وهكذا امتحنت البشرية عبر مسارها الطويل بالطواغيت من الحكّام الذين لايقومون وزنا للانسانية ولا يرعُون عهداً للقيم المقدسة كلها .

-5-

ومن الماضي البعيد الى الحاضر القريب :

لقد اتصل بي ” رئيس ائتلاف دولة القانون ” في خضم الاستعداد للانتخابات النيابية العامة التي جرت في عام 2010 ، وطلب مني الانضمام الى قائمته .

وبالرغم من أنّ رئاسته الأولى لم تكن كرئاسته الثانية – الاّ أني آثرت ان اكون بعيداً عن (المسؤول التنفيذي المباشر الأول)، السابق الذي أستحوذ على القرارات كلها، وتجاوز الأرقام القياسية في الفشل أمنياً وسياسّياً واقتصادياً ، وذاق الآلاف من الأبرياء على يد أجهزته القمعية ألوان المشقة والعناء حينما سيقوا الى الزنزانات المظلمة دون جرم حقيقي..!!

انّ الاصطفاف معه يعني المسؤولية عن كل ما يُقدم عليه وليس لي طاقة على ذلك …

والحمد لله الذي أنجانا من الوقوع في الفخّ ..!!

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات