حصلت ابشع مجزرة في تاريخ مصر الحديث حيث قامت مجموعه من الارهابيين تقدر ب 30 مسلحا بفتح النار من اسلحة الية (رشاشات كلاشنكوف) في مسجد الروضة التابع للطريقة الصوفية بسيناء، مما ادى الى استشهاد ما يقارب 305 شخصا وجرح 109 اخرين جراحهم ما بين حرجة ومتوسطة.
تشير المعلومات الأولية إلى تفخيخ أركان المسجد الاربعة بعبوات ناسفة، في وقت متأخر ليل الخميس، وزرع عبوات ناسفة بمحيطه، وتنفيذ خطة الهجوم اثناء صلاة الجمعة، واستهداف جميع الناجين من التفجير بالرصاص من بنادق آلية ورشاشات.
ويقع مسجد الروضة في منطقة صحراوية ويتردد عليه أصحاب الطريقة الصوفية من تلاميذ الشيخ الشهيد “سليمان أبو حراز” وهو شيخ ضرير ورمز ديني كبير وأحد قيادات الطريقة الصوفية بسيناء سبق اختطافه وقطع رأسه من قبل عناصر تنظيم “بيت المقدس” العام الماضي، وخلف في قيادة الطريقة الصوفية “أبو جرير” أحد كبار عائلة “أبو جرير” التابعة لقبيلة السواركة بسيناء وهي أكبر القبائل البدوية التي يوجد بها طريقة صوفية.
وكان مسجد قرية الروضة يجتمع به عدد كبير من المصلين من أصحاب الطريقة الصوفية يقدر بحوالي 400 مصل ونظرا للعداء الشديد بين الطريقة الصوفية والتنظيمات الإرهابية يتعرض أصحاب الطريقة لأعمال إرهابية بين الحين والآخر في سيناء من قبل عناصر تلك الجماعات.
خلفيات المجزرة:
السبب في استهداف قبيلة “السواركة”، التي يقطن أغلب أفرادها وقياداتها في منطقة الروضة بسيناء، خاصة القبيلة الفرعية داخل السواركة، وتدعى “الجريرات” أو ” الجريرين”، أن قبيلة السواركة عرفت بعدائها لتنظيم داعش، وسبق لإمام المسجد المستهدف الجمعة الماضية أن قام بمهاجمة التنظيم الذي ينشط في شبه جزيرة سيناء، ووفقا لما أوردته بعض التقارير الاعلامية، فإنّ المسجد الذي استهدف تقوم عليه جماعة صوفية تسمى بالطريقة الصوفية الجريرية، والتي يكفرها عناصر الدولة الاسلامية “داعش”، ومعظم مرتادوه من قبيلة السواركة التي تساند الجيش والشرطة بشكل واضح ضد المسلحين.
في اواخر عام 2016 كان تنظيم الدولة قد توعد في بيان أصدره، بقتل كل أبناء الطرق الصوفية في سيناء ممن رفضوا مبايعة ما يسمى بتنظيم «ولاية سيناء»، كاشفاً عن رصد كل زوايا الصوفيين على أرض سيناء. لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل أعلن التنظيم أنهم ألقوا القبض على عدد من أبناء الطرق الصوفية في سيناء خلال الفترة الأخيرة، وأن عدداً منهم أعلن بيعته للتنظيم، فيما ذبح آخرين رفضوا الانضمام إليه.
وتندرج كل هذه الأحداث والممارسات في إطار محاولات تنظيم “ولاية سيناء” فرض قوانينه الخاصة وإظهار نفسه كحاكم فعلي للمنطقة، ويبرّر تنظيم “داعش” استهدافه للصوفيين في مصر، بـ “كفر” هذه الجماعة واعتبارها “طرق باطلة” حسب تصوٍرهم، حيث يقول أمير الحسبة بالتنظيم “أعلموا أنكم عندنا مشركون كفار، وأن دماءكم عندنا مهدرة، ونقول لكم أننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في ولاية سيناء”.
عداء متواصل بين “داعش” و”الصوفيين”
يأتي هذا التفجير، في إطار الحرب الدائرة بين تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم داعش، وبين الصوفيين، ودائما ما يوجّه مسلحو تنظيم “داعش” المتشدد تهم “السحر والشعوذة” لأنصار الطرق الصوفية، كمبرر لنسف الأضرحة واغتيال قياداتها، بدعوى أنهم يخالفون الشريعة الإسلامية عبر التكهن بالغيب والتضرع للأولياء، وهو ما يعتبرونه شرك بالله. وسبق أن دعت الطرق الصوفية في مصر إلى تشكيل مجلس عالمي للطرق يعمل على مكافحة الإرهاب والدفاع عن الأضرحة حول العالم، والتأكيد على أن التصوف لا يمكن أن يخذله أتباعه مع كثرة استهدافهم.
تعتبر هذه المجزرة والتي ادت الى استهداف مسجدا وقتل المصلين بداخلة هي الاولى من نوعها في مصر وقبلها العملية الارهابية التي حصلت قبل عام في الكنيسة البطرسية في منطقة العباسية وسط القاهرة والتي ادت بحياة 25 شخصا وجرح اخرين، وتحاول الجماعات الارهابية من وراء هذه العمليات في دور العبادة سواء الاسلامية او المسيحية هو اشعال الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية والحرب الاهلية بين المسلمين والاقباط في مصر. وقتل روح التسامح والتعايش بالتالي، تحويل الدولة المصرية الى دولة فاشلة وفقدانها مكانتها الاقليمية والدولية.
ومن الواضح ان الجماعات الارهابية في سيناء ومن خلال هذه العملية وعمليات سابقة منها العملية التي قام بها مجموعه من الارهابيين في سيناء بتاريخ 11 نوفمبر الماضي والتي راح ضحيتها تسعة من سائقي الشاحنات وبذلك تكون الجماعات الارهابية قد غيرت من تكتيكها في العمليات والتي كانت تستهدف رجال الشرطة والجيش المصري الى استهداف المدنيين المصريين في سيناء وهذا مؤشر على ان الارهابيين لم يستطيعوا الوصول الى عناصر الشرطة والجيش في سيناء وانهم لهم بالمرصاد واصبحوا يمتلكون مهارات عالية في التعامل مع الارهابيين، وأن عملية تفجير مسجد الروضة تم اختيارها على أساس انها اهداف رخوة يصعب على الدولة والأمن تأمنيها، في محاولة منها لإرباك القيادة السياسة، وهذا يعد مشكلة كبيرة للدولة حيث من الصعب تأمين دور العبادة على مستوى محافظات الجمهورية.
كما انه من الملاحظ ان الجماعات الارهابية في الفترة الاخيرة تقوم باستهداف اشخاص وجماعات علاقاتها جيدة مع الحكومة المصرية والجيش المصري في سيناء وكان هذا واضحا في قتل سائقي الشاحنات المصرية في سيناء قبل نحو اسبوعين من تاريخه وكذلك من المعروف ان الطريقة الصوفية على علاقة جيدة مع النظام المصري والجيش المصري في سيناء وبذلك تحاول استهداف كل من له علاقة مع الجيش المصري والسلطات المصرية في سيناء.
في الوقت التي كانت فيه ايران وروسيا يحتفلون بإنهاء تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” من سوريا والعراق قامت الجماعات الارهابية بهذه العملية وكأنهم يريدون ايصال رسالة لإيران وروسيا والعالم اجمع ان تنظيم الدولة خسر جولة ولم يخسر المعركة وهو موجود في كل مكان فهو موجود في شبة جزيرة سيناء وموجود في ليبيا وافغانستان.
ومن الجدير بالذكر ان عناصر تنظيم الدولة وقياداته ستلجأ الى اماكن مضطربة وغير مستقرة بعد خروجها من سوريا والعراق خوفا من ملاحقتها ومن المتوقع ان تصل الى كل من اليمن وليبيا وافغانستان وشبة جزيرة سيناء وتونس وقطاع غزة وبذلك تكون هذه المناطق مرشحة لارتفاع العمليات الارهابية فيها، كما من المتوقع ان ترتفع عمليات الذئاب المنفردة في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية وذلك بسبب ملاحقتهم من قبل حكوماتهم وانظمتهم.
من الواضح ان مصر بدأت باستعادة مكانتها الاقليمية والدولية في الفترة الاخيرة حيث قامت برعاية المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وكذلك علاقتها الواضحة في مقاطعة قطر وعلاقتها المميزة مع المملكة العربية السعودية و دولة الامارات العربية وانفتاحها على القارة السمراء فكل ذلك يجعل من بعض الدول مثل اسرائيل وايران وحزب الله تشجع على القيام بعمليات من هذا النوع من اجل ان تبقى مصر منغمسة في جبهتها الداخلية ولا تلتفت الى دورها الاقليمي.