17 نوفمبر، 2024 4:48 م
Search
Close this search box.

مجزرة بابل!

منذ أن ارتكبت أوّل جريمة قتل على كوكب الأرض بقتل قابيل لأخيه هابيل ونحن نسمع بجرائم مماثلة تختلف دوافعها بحسب الزمان والمكان وظروف مرتكبيها.
وقد صرنا في العراق بعد العام 2003 نسمع بجرائم جماعيّة في غالبيّة المدن، وهذا مؤشّر واضح على ضعف الوازع الدينيّ، وهشاشة القانون، وتفشّي المخدّرات بما في ذلك لدى نسبة ليست قليلة من أفراد القوّات المسلّحة!
ومع الساعات الأخيرة من العام 2021 وقعت جريمة بشعة هزّت أركان المجتمع العراقي، حيث قتل أكثر من 20 شخصا من ذات العائلة في محافظة بابل!
والمأساة بدأت حينما داهمت قوّة من الاستخبارات قادمة من بغداد باتّجاه ناحية جبلة بمحافظة بابل (80 كلم جنوبي العاصمة) منزلا لمواطن بريء، أتّهم ظلما بأنّه تاجر مخدّرات!
وقد اتّفقت روايات شهود العيان والتحقيقات الأوّليّة على أنّ النقيب شهاب الضابط في مديريّة مكافحة المخدّرات (صهر المغدور رحيم الغريري) قدّم بلاغا كاذبا بخصوص الغريري اتّهمه بتجارة المخدّرات وإيواء إرهابيّين في بيته بسبب خلافات عائليّة، وعلى إثر ذلك تحرّكت قوّة عسكريّة من بغداد، وبدون أوامر قضائيّة لاعتقاله، وبلا عِلم المحافظة!
وبعد أن حاولوا اعتقاله رفض الغريري تسليم نفسه، وساعتها طلبوا قوّات إضافية، ويقال بأنّ عشرات سيّارات الهمر وصلت من بغداد وقد استخدموا في هجومهم على المنزل الصغير مختلف الأسلحة المتوسّطة والثقيلة والغازات السامّة، وقد قتل جميع مَنْ في المنزل، وكانت الحصيلة 21 ضحيّة، بينهم 14 طفلا، أحدهم لا يتجاوز عمره السبعة أيّام بسبب القوّة المفرطة والاختناق بالغازات القاتلة!
وذكرت بعض الروايات غير الرسميّة أنّ القوّة المهاجمة، وللتغطية على جريمة القتل الجماعيّ، لفّقوا لعبة شيطانيّة خبيثة حيث سارعوا لحظتها وضربوا الأطفال، المقتولين أصلا، بإطلاقات في الرأس ليختموا جريمتهم برصاصة في حلقوم (الغريري)، وكأنّه قتلهم ثمّ انتحر!
هذه الجريمة البشعة مُرَكّبة بوضوح، وإلا كيف يمكن لشخص واحد أن يقتل أكثر من عشرين شخصا ببندقيّة، حتّى لو كان فيها (30) إطلاقة وفي مكان واحد، ودون أيّ مقاومة من الضحايا، ولم يحاولوا الهروب من الموت المحقّق، رغم أنّهم غير مقيّدي الأيدي؟
وبعيدا عن التصريحات العاجلة والمتضاربة لخليّة الإعلام الأمنيّ، ولمحافظ بابل وبأنّ المغدور تاجر مخدّرات، وبأنّهم اعتقلوا شخصين على خليفة الحادث بينما الروايات المؤكّدة تتحدّث عن عشرات السيّارات القادمة من بغداد، فإن هذه التصريحات السريعة تؤكّد وجود ضبابيّة وإرباك في الروايات الرسميّة!
ثمّ تحت أيّ بند قانونيّ، أو أخلاقيّ يمتلك ضابط برتبة نقيب هذه القدرة على تحريك قوّات من محافظة لأخرى، ويرتكبون جريمة جماعيّة وبلا أوامر قضائيّة أو عسكريّة من داخل المحافظة المُستهدفة، ولتنفيذ جريمة قاسية خُرقت فيها كافّة اللوائح والقوانين العسكريّة وذلك للانتقام من صهره بوحشيّة واضحة؟
وإذا كانت هذه المجزرة رُتّبت من ضابط برتبة صغيرة، فما الذي يمكن أن يفعله الضبّاط الذين يحملون رتبا عالية في بلاد اختلط فيها الحابل بالنابل؟
وهل قانون مكافحة المخدّرات يُجيز قتل جميع أفراد عوائل تُجّار المخدّرات؟
مجزرة جبلة، ووفّقا لقرب مسافة إطلاق العيارات الناريّة، تعدّ من جرائم الإعدام الجماعيّ، أو الإبادة الجماعيّة!
هذه المذبحة تستدعي دراسة آليّات تطبيق القوانين العسكريّة وضرورة أن تكون هنالك ضوابط قانونيّة وعسكريّة لتحركات القطعات قبل أن تتحوّل القوّات الأمنيّة لبوّابة من بوّابات الانتقام العشائريّ!
ونتيجة للضغوطات الشعبيّة سارعت محكمة تحقيق بابل يوم الاثنين الماضي لتصديق اعترافات ثلاثة عشر متّهماً بالقضيّة بينهم تسعة ضبّاط وثلاثة منتسبين والمخبر الذي أدلى بالمعلومات غير الصحيحة.
ومع هذه الإجراءات المهمّة يفترض وضع معالجات جذريّة لمثل هذه التصرّفات الرسميّة الإرهابيّة التي ترتكب تحت مظلّة القوانين العسكريّة والمدنيّة!
وصباح اليوم الجمعة جرت مراسيم تشييع ضحايا جبلة، ودفنوا في محافظة النجف الجنوبيّة!
خطورة مجزرة جبلة تتمثّل بأنّ مئات العوائل قتلت بذات الطريقة خلال الثمانية عشر سنة الماضيّة، وفي غالبيّة تلك الجرائم غلّس الجميع عن الجُناة، وتجاهلوا الضحايا، ولكنّ سبب تسليط الضوء على مجزرة بابل كون العراق اليوم، وبعد ثورة تشرين، تغيّرت فيه الكثير من الأوضاع ومنها عدم إمكانيّة التغاضي أو التستّر على غالبيّة القتلة والمجرمين والخطوط الحمراء!
أخطبوط الجريمة المنظّمة يجب أن تقطع أطرافه، وينبغي أن تطبّق العدالة بلا محاباة أو مجاملات لأنّ القانون لا يحمي السفّاحين الحاقدين على كيان الوطن وحياة المواطنين!
dr_jasemj67@

أحدث المقالات