الحرب، أيّة حرب وكلّ حرب، عمل شنيع، همجي ووحشي، يحيل إلى عدم انقطاع الانسان، بعد، عن أصله الحيواني. لم توجد في الماضي حرب نظيفة، ولن توجد في المستقبل الحرب النظيفة. يكفي أن تُزهق روح واحدة بريئة في الحرب لتغدو مدانة
ومندداً بها.
المجزرة الأخيرة في مدينة الموصل، التي قيل إن مئات المدنيين قضوا فيها، ليست سوى فصل آخر في مجزرة ممّتدة منذ العاشر من حزيران 2014، وهو اليوم الذي صدرت فيه الأوامر من القيادة العسكرية العليا إلى قواتها ( الجيش والشرطة) بالفرار من مدينة الموصل من دون قتال، بل أيضاً بإلقاء السلاح وتركه لتنظيم داعش الإرهابي الذي سيجتاح به بسرعة فائقة سائر مناطق محافظة نينوى ثم مناطق واسعة أخرى في محافظات صلاح الدين والانبار وديالى وأربيل ودهوك، وصولاً إلى تخوم العاصمة بغداد (ثلث مساحة البلاد بالمجمل)، فيقتل الآلاف (مجزرة سبايكر وحدها قضى فيها 1700 من المُجنّدين الشباب)، ويسبي الآلاف ويرغم عدة ملايين على ترك ديارهم إلى العراء أو في أحسن الاحوال إلى مخيمات النزوح البائسة التي سرق حرامية بغداد وسواها مقدّماً نصف
تخصيصاتها المالية.
من دون تبرئة القوات المسلحة النظامية أو قوات الحشد الشعبي أو قوات التحالف الدولي المساندة من أي تجاوزات ( التجاوزات عنصر ثابت في الحروب، حتى الوطنية منها)، فإن تحميل هذه القوات خطيئة ما يجري في الموصل ليس بالأمر العادل ولا المُنصف. هذه الحرب، المسؤول عنها أيضاً وعن آثارها وعواقبها، القيادة السياسية والعسكرية العليا القائمة في العاشر من حزيران 2014 ، فرضها في الأساس التنظيم الإرهابي وأعوانه، من فلول نظام صدام. والتنظيم هو الذي اختطف الموصل وأهلها، كما فعل مع سائر المدن والبلدات، وهو الذي كابر واستكبر ورابط في هذه المدن ليحوّل سكانها إلى رهائن ودروع بشرية له، ولم يرد أن ينصاع إلى منطق الأمر الواقع فيستسلم أو ينسحب بدلاً من أن ينتحر داخل المدينة وينحر
أهلها معه.
المبالغات واردة في ظروف الحرب. المعلومات الخارجة من الموصل ربما انطوت على قدر غير قليل من المبالغة. هذا مرجّح تماماً مع طبقة سياسية متنفّذة، بكل طوائفها ومكوناتها، لم تتردّد في ما مضى ولا تتردّد الآن في المتاجرة بالدماء والأرواح، بيد إن هذا لا يخفّف من هول ما يجري في الموصل ولا يهوّن من محنة
أهلها.
الموصل منكوبة حتى قبل أن تقع المجزرة الأخيرة التي قضى فيها المئات من سكانها في بيوتهم .. قبلها تكريت والرمادي والفلوجة وسواها كانت ولم تزل منكوبة.. العراق كله منكوب بداعش وبمَنْ سهّلوا لداعش الوصول إلى الموصل وسائر مناطق البلاد، وبمَنْ فرّ من ساحات القتال، وبمَنْ أصدر أوامر الفرار… منكوب بطبقته السياسية المتنفّذة، مصدر الشرور كلها.
نقلا عن المدى