إنها مشاهداتي الخاصة ليوم آخر أعيشه في بغداد ، فيوم امس ، خرجت من منطقة (الشعب) بإتجاه (بغداد الجديدة) بسيارتي الخاصة ذات (الگير العادي) ، والتي خاصمها (التبريد) منذ زمن بعيد ، لا أدري لماذا يأبى الصيف هذا العام أن يودّعنا غير مأسوف عليه ، لا بدل من ذلك ، أخذ يصب جام غضبه علينا ، كانت الساعة الثانية عشرة ، هو ليس وقت خروج الموظفين من دوائرهم ، ولم تنتهي عطلة المدارس بعد ، لكن السير متوقف على طريق القناة “السريع” ، أضحك في سرّي كلما تذكرت كلمة (سريع) ، فلا خط سريع في عاصمتنا ، والحركة المرورية مشلولة ، كانت درجة الحرارة 43º مئوية وفي تصاعد ، إستغرقت ساعتين حتى أصل لبغداد الجديدة ، مررت في طريقي بمجسرين ، كلاهما كانا ينوءان تحت ثقل هائل من السيارات المتوقفة ، فتسائلت عن جدوى بناء المجسرات ، أحسست بألم في ركبتي اليسرى ، بسبب تكرار (الدوس) على (الكلچ) الثقيل أصلا كل بضعة سنتمترات من هذا الطريق (السريع) ! ، وتبديلات (الگير) لمئات المرات ، كانت الشمس تشوي أجسادنا بعناد ، شعرت (بالدبق) يكللني من رأسي لقدمي ، ودقات (الأدوانس) تذكرني بأسوأ وقود في العالم ! ، ثمة إشاعة في أجهزة الإعلام عن تخفيض سعر البنزين المُحسّن ، وتحسين الخدمات ، لكننا تعلمنا ، أن لا إشاعة تصب في صالح المواطن ستتحقق ، بل الإشاعات الأخرى السلبية ، كإرتفاع سعر الصرف وسعر والبنزين وحتى الغاز الذي صار سعر القنينة الواحدة 8 آلاف دينار بدلا من 7 آلاف ! ،
في المنزل ، كانت (الكهرباء الوطنية جدا) ، تتراوح بين 170 و270 فولت ، فثمة عطل ما ، هكذا قطعتُ دابر هذا الضيف العزيز لأجنب أجهزة المنزل تلفا باهض الثمن بل وربما الحريق !، وتقدمت بشكوى إلى دائرة الكهرباء مساءً ، وأمضينا ساعات ونحن ننتظر الفرج ، كيف إئتلفت درجة الحرارة الأعلى عالميا في هذا اليوم مع تمرد الطاقة الكهربائية ؟، هكذا صمتت أجهزة التكييف ، وأعتمدتُ كليا على كهرباء (السحب) وحتى هذه الخدمة ، لم تحترم تسعيرة الحكومة ، وإستغللتُها لتشغيل مبردات الهواء ، وفوجئتُ بجفاف (الحلفة) ، فماء الصنبور لا يتدفق سوى لبضعة سنتمترات عن أرضية المنزل ! ، فأضطررت لإطفاء بعض الأحمال لتشغيل (ماطور الماء) ، وهنا حدثت الطامة التالية ، ففي لحظات إمتلأ المنزل بدخان كريه الرائحة ، هي مزيج من البلاستك المحترق والكبريت ، كنا نشم معه رائحة المرض والتلوّث والسم بل الموت ، إعتقدتُ لوهلة إنها رائحة إحتراق أسلاك المنزل ، لكني تفاجأت بسحابة سوداء كللت منطقتنا حتى كادت أن تحجب أضواء المنازل ! ، عرفنا أن عمال الطمر (اللاصحي) النشامى في معسكر الرشيد قد حرقوا النفايات ، فغطت سحابة الحريق معظم أنحاء بغداد ! ، فأضطررت أن أطفي مبردات الهواء !.
في السابق كنا ننام على سطوح منازلنا ، لكن لم يعد هذا ينفع ، فصرنا ننعم بهواء المراوح السقفية عند توفر كهرباء السحب لساعتين ، ثم نعود (للمهفّة) لقضاء ساعتين أخريين ونحن نسد فراغ الكهرباء الوطنية المدمِّرة ، هكذا قضيت ليلة لم أذق فيها طعم النوم ، وأعود إلى شكواي التي قدمتها لدائرة الكهرباء ، فلم يُصلّح العطل إلا ظهرا ! .
حقيقة شعرتُ بيأسٍ مرّ من كل شيء ، من حكومة لا تأبه بي ، ولا بعشرات الملايين من أمثالي ، ومن برلمان لا يمثلني ، فكل همه المزيد من المكاسب على حساب الشعب وجلسات سرّية لزيادة رواتبهم بسبب (غلاء المعيشة) !! ، ومن طبقة سياسية لا تعرف مخافة الله فضلا عن الحدود الدنيا من الوطنية .
كل الذي أتمناه ، أن يعيش اللصوص والفاسدون الذين لم يعودوا يرضون بالمليارات ، بل بالتريليونات كل يوم ، أن يعيشوا معاناتي هذه لبقية حياتهم ، أن تُكوى جباههم وجنوبهم باموال الحرام التي إكتسبوها في الدنيا قبل الآخرة ، عندها سيكون لله معهم شأن في ذلك .