22 ديسمبر، 2024 8:33 م

مجرد كلام : مرحلة ( عدم الاحساس )

مجرد كلام : مرحلة ( عدم الاحساس )

لأكثر من قرنين من الزمن ، ظل مشهد بيع بطلة رواية البؤساء الشهيرة لشعرها واسنانها لغرض الانفاق على طفلتها أو مشهد سرقة بطل الرواية لرغيف من الخبز يدفع لقاءه سنوات من عمره في السجن يبكيان القراء في مختلف انحاء العالم ويذكرانهم بأن الفقر وراء كل انواع الجرائم بل هو أسوأ انواع العنف كما قال غاندي ..ولكن ، ان يصل الحال بأبناء العراق الثري بنفطه وثرواته أن يبيعوا كل شيء ابتداءا من اعضائهم وحتى اولادهم فهو أمر يبكي العين والقلب ويستفز جميع الحواس..هل تصدقون مثلا أن يجعل عراقي من أسنانه وسيلة ايضاح لطلبة طب الاسنان فيبيعها لهم بالتدريج ليتدربوا على قلع الاسنان ، او ان ترمي ام اولادها في النهر او يحرق أب اولاده والسبب دائما هو الفقر ! هل هنالك مشاهد أكثر ايلاما وبشاعة وواقعية من تلك المشاهد ؟
يقول كونفوشيوس ان الفقر في أي بلد ليس عارا لو كانت حكومة ذلك البلد فاضلة ، لكنه العار ذاته في ظل حكومة سيئة لاتقدم ادنى جهد لانتشال ابنائه من المستقبل المظلم الذي تقودهم اليه ظروفهم الجديدة.فما بين بطالة تنتشر في مفاصل البلد كالمرض الخبيث ، وجهل افرزته سنوات الحروب والتهجير والنزوح وعنف نما في النفوس كالاشواك ليجعل من القتل والسحل والغدر افعالا يومية لاترقى الى مستوى الاحداث الغريبة او المفجعة لأن مارأيناه وشهدناه في العراق اكبر من الغرابة والفجيعة ..انه بلوغ مرحلة ( عدم الاحساس) التي يصبح فيها كل حدث غريب فعلا طبيعيا لايستحق منا اكثر من سويعات من الاهتمام وبعدها ننساه لننشغل باحداث حياتنا الخاصة فهي لاتقل غرابة وفجيعة احيانا عما نسمعه او نراه ..أولسنا عراقيين ؟..نحن مشمولين اذن بعرض كل ماهو جديد وحصري على العالم الذي يتفرج علينا باستمتاع او شماتة لأننا البلد الذي فشل في ايجاد بديل لويلات زمن الديكتاتورية ، وربما يشفق علينا من سوء افعالنا التي قادتنا الى ماوصلنا اليه على الرغم من ان الفقر ليس تكفيرا لخطايا ارتكبناها في الماضي بل نتيجة نظام سياسي ومجتمعي يعتمد على الاستغلال ، وهل هنالك نظام سياسي اسوا من الانظمة التي ظهرت في العراق لتمتص رحيق خيراته وتحيله عليلا هزيلا وتجعل نظامه المجتمعي من أسوأ الانظمة أيضا لأن الاخلاق فيه بدأت تتآكل بسبب الفقر فتصبح الجرائم وتعاطي المخدرات والفساد بكل انواعه افعالا عادية يمكن ان تستغلها القنوات الفضائية ليوم او يومين لتحقيق نسب مشاهدة عالية ، ثم تركنها في الارشيف لتنشغل بغيرها ، فالاخبار كثيرة والحوادث متنوعة ودسمة والفقر شاخص بيننا ولن يقضي عليه بالتأكيد تخصيص يوم عالمي للقضاء عليه او تعيين مجموعة من المتظاهرين العاطلين عن العمل أو توزيع رواتب للموظفين بعد صبر طويل وخشية الموظفين من انفاقها فقد تكون الرواتب الأخيرة ، مايعني ان الحياة الاقتصادية ستظل راكدة وأصحاب المصالح البسيطة لايجدون من يشتري منهم ، وبالتالي فقد يقودهم الفقر ومطالب عوائلهم الى قتل اولادهم او بيعهم ..وفي أحسن الاحوال بيع أعضائهم أو التوسل للمسؤولين أن يمنحوهم حقوقهم بعد أن رفعوهم على مقاعد السلطة وصار من واجبهم ان يقوموا بخدمة الشعب ..لكنهم يمعنون في اذلاله مستخدمين سياسية التدجين التي تجعل الفرد يتقبل كل شيء ويصبح كل مايمر به من عذاب ومعاناة ..أمرا طبيعيا ..وحدثا يستحق الفرجة ..ثم الاهمال !!