23 ديسمبر، 2024 4:21 م

مجرد كلام : الدمعة القريبة

مجرد كلام : الدمعة القريبة

تبقى القوة مثار اعجاب الجميع فلو صادف ان شهد احدنا موقفا عاطفيا ، يلاحظ الناس ان من يتأثر بسرعة بذلك الموقف وتدمع عيناه يوصف حالا بذي الدمعة القريبة ، لكن الاعجاب يتركز حتما حول ذلك الذي يتمكن من كبح مشاعره والسيطرة عليها ، لهذا السبب صار اصحاب الدمعة القريبة معروفين مسبقا بانفعاليتهم وتعاملهم مع الامور من منظور عاطفي بحت ولم يعد اغلبنا يعتمد عليهم في الحكم على الامور بقدر الاعتماد على ذوي الاعصاب المتينة ..في ايامنا هذه ، صار من الممكن ان تطفر دموعنا لأقل سبب وقد يبكينا موقف بسيط جدا …ماالذي حدث لنا ؟وكيف صارت دموعنا بطرف العين و” بس نرمش تطيح ” كما يقول مطربنا الجميل ياس خضر في مواله الشهير ..هل هي المرارة والشجن الذي يلاحقنا في مختلف مجالات حياتنا ام هو الاحساس العميق بالحزن الذي لايستطيع العراقيون التخلص منه بسهولة وهم يرون بلدهم ومدنهم سوحا للارهاب وابناءهم مشاريع موت مؤجلة …

فوجئت السيدة وهي تروي لصاحب الاجرة معاناتها وكيف تركت منزلها مرغمة لدخول المسلحين الى منطقتها ونزحت الى المدينة مع عوائل عديدة ويعيشون الان في اسوأ ظروف يمكن ان يمر بها فرد عراقي ..فوجئت بسائق السيارة يجهش بالبكاء بطريقة جعلتها تسعى الى تهدئته دون جدوى ..كانت تصف له مشاعر النازحين حين مر العيد وهم بعيدون عن منازلهم وكيف توفي احدهم ولم يتمكنوا من دفنه قرب ولده الشهيد ..قالت له تحاول تهدئته : لم اكن اعرف ان دمعتك قريبة ..اعذرني ..فقال لها : نحن شعب لم يبق لنا سوى الدموع ..

كيف اختصر هذا الرجل كل مامررنا ونمر به في عبارة واحدة ..كنا دائما شعب يجيد الضحك والفرح والتجدد وكم تجاوزنا من المحن

واكملنا طريقنا برغبة وحب للحياة ..اذكر انني حضرت مسرحية لطلبة معهد الفنون الجميلة في الثمانينات ..كان مخرج المسرحية طالبا فلسطينيا وكانت مسرحيته تروي نكبة بلده ..اذكر اننا تعاطفنا مع المسرحية وصفقنا للمخرج البارع لكن زميلتنا الفلسطينية لم تكف عن البكاء واعتلت المسرح لتعانق المخرج وتضع حول عنقه الكوفية الفلسطينية ..لم تكن من ذوات الدمعة القريبة في حياتنا اليومية لكن وجع وطنها استحث دمعها ..قالت لنا وقتها من بين دموعها : نحن شعب لم يبق لنا الا الدموع ..

وقتها ، كان وطننا ملاذا لمن يبكي ويلات وطنه او لايجد فيه سببا للمعيشة ..كيف دار بنا الزمن ليصبح وطننا ساحة للموت المجاني واهلنا نازحين وفرحتنا بعيدة ودموعنا قريبة ..كيف دخلنا موسوعة الدول الفقيرة بينما مازلنا نحمل بجدارة لقب بلد البترول …وكيف بلغ بنا الألم حد بكاء نائبة برلمانية وسط قبة البرلمان بينما يفترض بالمراة السياسية ان تكون اقوى واصلب ..وكيف استنزفت والدة احد ضحايا قاعدة سبايكردموع رجال السياسة ولامست عاطفتهم بينما لايجب ان تقترن العاطفة بالسياسة في المقاييس المعروفة ..

انه الألم ..الوجع الذي يفوق حد الاحتمال .. الاحساس بالحرمان في بلد الخيرات .. الخوف وفقدان الامان والامل بالحياة .. شعورنا بأننا شعب لايستحق مايحدث له ..شعب اعتاد البحث عن الفرح وسط الدمار لكنه لم يعد قادرا على استعراض مهاراته في حب الحياة فاختار التعبير عن حقيقة معاناته وهكذا لم يبق له سوى الدموع القريبة..في طرف عينه !!