23 ديسمبر، 2024 1:24 م

“مجرد رأي”…..(159) «بين النهرين»

“مجرد رأي”…..(159) «بين النهرين»

كان قد أتحفنا والناس جميعا الأديب الروائي العالمي الكبير “نجيب محفوظ” -الحائز على جائزة نوبل للأدب، بروايته الرائعة “بين القصرين” سنة 1959 التي جرت أحداثها عشية ثورة 1919 المصرية، وكان محور الرواية يدور عن مجريات حياة أسرة مكونة من أب وأم وابنائهما الخمسة، وبشخصيتها المركزية رب الأسره “السيد أحمد عبد الجواد” الشخص المستبد الأناني الصارم تجاه أسرته التي تؤمن إيمانا قاطعا بتقواه وعفته والتزامه الديني، فكان مخلصا في عبادته بنفس درجة مقدار اخلاصه لسطوته وجبروته وبطشه وكأنه على رأس نظام سياسي إستبدادي شمولي-.

ثم أردفها بروايتي “قصر الشوق” و “السكرية” من العام 1957، فصار مؤلفه سلسلة مكونة من ثلاث روايات أدبية، فالثلاثية أعتبرت أفضل رواية عربية في تاريخ الأدب العربي.

علق: “طه حسين” بقوله: “أتاح للقصة-أي نجيب محفوظ- أن تبلغ من الاتقان والروعة ومن العمق والدقة ومن التأثير الذي يشبه السحر مالم يصل اليه كاتب مصري قبله”.

من خلال هذا السرد القصير للإنجاز الأدبي الكبير الذي أنجزه ذلك الرجل، عرض علينا ذكر الدكتور “طه حسين”، فدعونا نستعرض انجازاته وبصماته التي وضعها في تاريخ الارث الاسلامي ولو بشكل مقتضب، ليعرف الناس الرجل على حقيقته، فكانت تلك البصمات سببا مباشرا في تحلل هذه الأمة وانحراف البعض منهم لأعتناق الأفكار الإسلاموية المنحرفة والشاذة عن الدين الاسلامي الحنيف الذي جاء به محمد رسول الله (ص) وآل بيته الكرام (ع)، والتي أفرخت عصابات التشكيك والتكفير من أمثال القاعدة وداعش ومن لف لفهما، والدين الاسلامي منهم براء ومما يفعلون.

ف”طه حسين” وامثاله من الأعراب الذين يدعون الفكر والاصلاح هم أحد أعمدة الفكر الظلامي والتشكيكي الذي أبتلي به الإسلام والمسلمون.

إذن، فماذا لو كان الدكتور “طه حسين” المنسلخ من الإسلام للمسيحية، ماذا لو كان حيا فماذا يقول لعصابات داعش التي عبثت بالارث الإسلامي والمسيحي وبقية الأديان في الموصل ماعبثت، وقد كانت بصمته وبصمات أمثاله من الثقافويون الأعراب السبب وراء رواج تلك الأفكار التي إعتنقها الظلاميون والتشكيكيون من أيتام الفكر الأموي المنحرف؟.

وماذا لو علم بتفجير المراقد التاريخية الشريفية للأنبياء وأهل بيت الرسول (ص) والجوامع والحسينيات والكنائس المسيحية، كما وتمادوا في طمس حضارة مدينة الحدباء العريقة والتي كانت قائمة هناك منذ مئات السنين؟،

وماذا لو علم بطرد المسلمين والمسيحيين وبقية المذاهب والقوميات من مدينة الموصل وتشريدهم من ديارهم بسابقة يرفضها العقل والمنطق والإنسانية، فخرجوا منها كما ولدتهم أمهاتهم لإيملكون شيئا؟.

هذا جني قلمك، وحصاد علمك وأدبك، وفعل يديك، أيها الدكتور الحصيف، عندما “أعدت خلط الأسرائيليات والاساطير إلى السيرة النبوية بعد أن نقاها المسلمون منها، والتزيد في هذه الأسرائيليات والتوسع فيها”، وهذا ماجادت به نفسك لهذا الدين الحنيف ل”استقدامك لبعض المستشرقين المحاربين لله ورسوله الطاعنين في القرآن الكريم لإلقاء محاضرات حول الإسلام في الجامعة المصرية لتشكيك الطلاب في القرآن والإسلام”.

وحقيقة ما قاله فيك الأستاذ “أنور الجندي” من انك داعية للتبعية الغربية لايعدو عن أنه حقيقة دامغة لايختلف عليها اثنين، وهذا نص ما قاله فيك: “إن من الواجب على أبناء اليقظة الاسلامية المعاصرة أن يمحصوا حقيقة ذلك الرجل حتى لاينخدعوا بالدعايات الكاذبة التي تملأ الآفاق مدحا في ‘طه حسين’ وتمجيدا له في حين أنه كان من صنيعة لاعداء الإسلام وداعية للتبعية المطلقة للمدنية الغربية بكل مفاسدها وشرورها”.

إلى أن يقول :”إن ‘طه حسين’ مسؤول عن كثير من مظاهر الفساد والتحلل الذي ينوء بها المجتمع اليوم وقد خاض معركة بل معارك من أجل تسميم الآبار الاسلامية وتزييف مفهوم الإسلام والتاريخ الاسلامي معتمدا على سياسة المستشرقين في التحول من المهاجمة العلنية للإسلام إلى خداع المسلمين بتقديم طعم ناعم في أول الابحاث ثم دس السم على مهل مستترا وراء دعوى ‘البحث العلمي’و’حرية الرأي’”.

“وليس المقام مقام (الترجمة) ل’طه حسين’ ولكنه مقام التنبيه إلى دوره الخطير في محاربة الإسلام وتهديد حصونه من داخلها”.

فمن ذلك تكذيبه القرآن المجيد وسائر الكتب السماوية في قوله: “للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم واسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا ولكن ورود هذين الأسمين في التوراة والقرآن لايكفي لاثبات وجودهما التاريخي فضلا عن اثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة اسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب ونحن مضطرون أن نرى هذه القصة نوعا من الحيلة في اثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام من جهة أخرى”.

ومن قوله أيضا:”إن القرآن يمتاز بالهروب من المناقشة والخلو من المنطق”.

وها هي “داعش” تدعي بتكذيب القرآن الكريم واختلاف آياته، وتلوح بطمسه وإخراج القرآن الحقيقي بحسب زعمهم الباطل، طبقا لتلك المعطيات.

ونقول: “لك ولإمثالك أن هناك سقطات كثيرة ادخلتها على التراث الاسلامي وتاريخه كانت هي السبب وراء هذا الانحراف الذي أفرخ ‘الفكر الإسلاموي’ -المنحرف تماما عن الدين السمح- الذي أعتنقه شذاذ الناس، والذي لايمت للإسلام بصلة، لامن بعيد ولا من قريب، والإسلام منك ومنهم براء، فأنت وإمثالك أيضا ثتحمل الوزر الأكبر الذي عانت منه الأمه وعانى منه العراق وسوريا خاصة وطنا وشعبا، وانك تمتاز على غيرك بأنك واحد من اعمدة الفكر المنحرف الذي اخل بالإسلام والمسلمين، وساهم في صنع الارهاب والارتداد وتراجع الدين الاسلامي.

هذا هو “طه حسين” وذاك هو “نجيب محفوظ”، وإذا وضعا في كفتي ميزان من أجل المقارنة لرجحت كفة ” نجيب محفوظ”، على غريمه “طه حسين”، ولصار الفرق بينهما كصيرورة الفرق بين الثرى والثريا.

ولكن ربما سائل يسأل: ماخطر هذين الرجلين على مايعتقده المسلمون من أفكار سواء في الاستقامة أو الانحراف، طالما أنهما لايساويان رقما صعبا قياسا ومقارنة باعداد المسلمين الغفيرة؟.
الجواب: تكمن الخطورة في حجم الاعداد الهائلة من الناس التي تعتنق أفكارهما والاعداد الهائلة التي تناظرهما في القول والفعل والتأثير، والذين يشكلون وعلى طول المدى أنساقا مترامية الأطراف تمتد كامتداد المستقيمات المتوازنة التي مهما امتدت لاتلتقي، وهنا تكمن الخطورة، وهنا يكمن الصراع والاختلاف وتتطور الاجتهادات، فليهنأ أحدهما بالأجر بينما يتحمل الآخر مسؤولية الوزر والتراجع الذي الحقه بالأمة.

قيل بوقت سابق أن مصر كانت تؤلف ولبنان تطبع والعراق يقرأ، وطبقا لهذه القاعدة، قرأ العراق مما قرأه من رواياتك الرائعة، يحضرنا بعض منها: ” عبث الاقدار” و”خان الخليلي” و”السراب” و”اللص والكلاب” و”ثرثرة فوق النيل” و”ميرامار” و”اولاد حارتنا” و”ملحمة الحرافيش”، فأبدعت بما من الله عليك وحباك من ملكة الالهام والتأليف والأدب الجم، ولكننا في الوقت نفسه نواسي “سيدنا العراق” بالعدول عن تلك القاعدة، ليس من باب المقارنة فحسب بل من باب الشء بالشيء يذكر، ومن باب استحالة البلد إلى بلد جريح، وشعبه الطيب إلى شعب منكوب ومظلوم يعاني من ويلات الفتن والحروب، فصارت نفائس الكتب والروايات تباع على الارصفة وفي أسواق الخردة بإبخس الاسعار، وبدلا من ذلك اتجه العراق إلى امتهان الغلظة والعنف والقتال بسبب تخبطات سياسة بعض مواطنيه من الذين انتحلوا مهنة السياسة، فنحن لانريد أن نزايدك أو نتحداك-والخطاب مازال موجها لنجيب محفوظ- لكن العراق قد ضرب رقما قياسيا في تأليف روايات حقيقية معاشة على أرض الواقع وليست ضربا من خيال، ولكنها تختلف عن رواياتك من حيث اختلاف الحقيقة والواقع والديباجة والأفكار والمضمون، وحملت بين طياتها ملامح وطوابع سياسية واجتماعية وعسكرية وبوليسية ودموية، وكان مؤلفوها ثلة من قراصنة السياسيين المتصعلكين، ومنفذوها من مايسمى بحثالة الشعوب الأغبياء، وقرائها من الشياطين الخرس، وهي أشبه إلى حد ما بروايات الكاتبة الإنكيزية “أجاثا كريستي” والتي اشتهرت بكتابة الروايات البوليسية -والتي تعد أعظم مؤلفة روايات بوليسية في التأريخ-، ادرج بعض من رواياتها: كرواية “في النهاية يأتي الموت” و”محنة البريء” و”موعد في بغداد” و”الجريمة النائمة” و”العميل السري” و”جريمة في العراق” و”جنون الانتقام” و”عدالة السماء” و”لقاء في بغداد” و”نادي الجريمة” و”وصلوا إلى بغداد” و”طريق الموت”.

فالروايات التي دارت في العراق كثيرة وثلاثياتها متعددة، لم تقف عند حدود الروايات والقصص بل هي ملاحم وإلياذات وموسوعات كذلك، وأدلها رواية “بين النهرين” وأذكر بعض من ثلاثياتها: مثل “ليلة القبض على قاسم” و”يوم إعدام الزعيم” و”الانقلاب الأسود” ورواية ما أسموه ب”قادسية صدام المجيدة” و”تهجير التبعيات” و”الاعوام العجاف” و”السجون والقضبان” و”تجفيف الأهوار و”مقبرة وادي السلام” و”الأغتيالات و التصفيات الجسدية كانت هي الحل للبقاء على رأس السلطة” و”غزو الكويت” و”عاصفة الصحراء” و”الانتفاضة الشعبانية” و”المقابر الجماعية” و”الحصار” و”سقوط بغداد” و”مجلس الحكم” و”مجلس النواب” و”الطائفية” و”المحاصصة” و”الضبابية” و”الشفافية” و”الموازنة النائمة” و”مسلسل الشهداء الاستثنائي” و” المفخخات” و”الخلايا النائمة” و”الحواضن” و”الاحزمة الناسفة” و”اغتصاب الموصل” و”داعش كانت هناك” و”الإبادات الجماعية” و”القتل على الهوية” و”التطهير العرقي” و”جرائم العصر” و”طمس الحضارات” وووووو، ولاتنتهي الروايات العراقية ولاتقف عند حد.

وبدورنا نناشد القائمين على جائزة نوبل أن يبحثوا عن تخصيص جائزة تناسب العراق لدوره الفعال في الجهاد ضد الارهاب نيابة عن العالم من أجل السلام ودفع الحيث والظلم عن الانسانية في كل مكان، كما نناشد المجتمع الدولي بانصاف العراق والعراقيين وخاصة الشهداء منهم وذويهم وانصاف المرأة والطفل بما عانوه من ويلات الحروب والتشرد والأوتار.

ياعلم قد سعدت بك الأوطان
فليسم منك على المدى سلطان
وليسق حبّيك العراق ليشتفي
منه الغليل ويرتوي الظمآن

هذِّب لنا أخلاق أهليه فقد
غشّى عليها الجهل والعدّوان
ياجهل رفقاً بالشعوب فأهلها كادت تذيب قلوبها الأضغان

ماذا يريد اللائمون فانّه
وطن يحبُّ، وحبُّه إيمان
سنذود عنه بعزم حر صادق
منه ضمير يستوي ولسان

غرُّوك اذ دارت كؤوس خداعهم
حتى سكرت فعقَّك النُّدمان
أمن المروءة أن تنال حقوقها
لقط وأنت نصيبك الحرمان

ياأيها الوطن المفدى دونه
يوم الفداء الأرض والأوطان
فدّتك ناشئة البلاد وشمرت لك
عن سواعد عزمها الفتيان
“الجواهري”