ان امريكا عندما كانت القطب الاوحد قامت بإعادة ترتيب توازن المنطقة خاصة بعد احتلال العراق وخروجه من معادلة توازنات القوى . فهي اعتمدت كثيرا على الدور الايراني الذي يتمثل بطموح قومي فارسي يرتدي العباءة الشيعية لكنه من الجوهر لا يتعدى الا كونه فارسيا قوميا فغضت امريكا البصر عن تمدد ايران في العراق لا بل نسقت ذلك من خلال اجتماعات عديدة رسمية كانت تعقد في المنطقة الخضراء بين السفير الأمريكي والسفير الايراني .
ان الحلف السوري الايراني اللبناني المتمثل بحزب الله والذي يطلق عليه محور المقاومة او الممانعة هو عبارة عن توازن للقوى امام اسرائيل الجامحة المتمردة على السياسية الامريكية في مشروع اقامة الدولتين كحل للنزاع العربي الاسرائيلي .
لقد تعودنا رؤية كل من يحاول تصدر المشهد ان يزايد علينا في قضية فلسطين فهكذا كان عبد الناصر ومن بعده صدام حسين والان احمدي نجاد عندما صرح انه سوف يزيل اسرائيل من على الخارطة . فالقضية الفلسطينية تمنح من يردد شعارتها من الحكام شرفا وكذلك اظهار العداء لإسرائيل وتهديدها ايضا يمنح الاوسمة والالقاب والبطولة والشرف لمن يقوم به لأن الامة الاسلامية والعربية هي امة مشاعر فالمشاعر تحركها وتقيمها وتقعدها وتثيرها فهي قليلا ما تستخدم التفكير وكثيرا ما تستخدم قلبها ومشاعرها في الفعل ورد الفعل وتغيب العقل لأنها بعيدة عن التفكير فتحركها المشاعر المتلاطمة كموج البحر الهائج .
ان حرب الخليج الاولى عام 1991 والتي دارت بين العراق والحلف الثلاثيني الذي قادته امريكا لإخراج العراق من الكويت وكلنا يذكر مواقف الجامعة العربية القذرة وموقف حسني مبارك وموقف حافظ الاسد المقاوم الممانع الذي ايد مجيء القوات الامريكية الى السعودية في مؤتمر القاهرة 1990 ورفع يده الاثمة بالتأييد للقرار, وكذلك كلنا يذكر كيف تم تكفير جيش العراق كونه جيش يحمل عقيدة البعث من قبل المؤسسة السلفية في السعودية والتي كان على رأسها ابن باز وابن عثيمين وبذلك اتفقت السلفية مع ولاية الفقيه الخمينية في التكفير فلقد كفر الخميني البعث العراقي من قبل لكنه نسي ان هنالك بعثا في سورية حافظ الاسد التي تحالف معها ضد البعث العراقي كذلك فعلت السلفية .
قامت الحرب وما كان من الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الا ان يحاول كسر الحلف ضده من خلال الاقدام على ضرب صواريخ سياسية اكثر منها عسكرية تدميرية باتجاه تل ابيب لكسب قلوب العرب والمسلمين لأن قصف اسرائيل سوف يجعل منها طرفا في الصراع ومن المؤكد ان اسرائيل لن تسكت على هذا القصف وسوف تدخل الحرب ضد العراق وتشترك في الحلف الثلاثيني وهذا سوف يحرج العرب والمسلمين المشتركين في هذا الحلف ويجعلهم ضعفاء امام شعوبهم التي تمنح الاوسمة والالقاب والبطولة لكل من يضرب اسرائيل او ينال منها ولو بالكلام فقط فكيف بالصواريخ .
قامت الولايات المتحدة الامريكية بالضغط على اسرائيل بكل ما اوتيت من قوة بعدم الرد على الصواريخ العراقية وضبط النفس وان على اسرائيل ان ترد بعقلها وليس بقلبها كما قال احد الصهاينة اثناء الحرب حتى ان المانيا على ما اذكر عرضت على اسرائيل تعويضها بمليار مارك الماني عن كل صاروخ يسقط على اراضيها وبذلك لم يكتب النجاح لمحاولة الرئيس العراقي في تصديع الحلف الثلاثيني .
ان الربيع العربي الذي هو بحقيقته اعادة هيكلة وترتيب المنطقة من جديد لكن ليس من قبل امريكا التي بدا نجمها بالأفول فلقد اصبح العالم الان متعدد الاقطاب بعد ان حاولت امريكا جعل القرن الحادي والعشرين قرنا امريكيا اي قرن القطب الاوحد لكنها فشلت وتراجعت وهناك الان من الدول الكبرى من ينافسها ويصارعها على النفوذ والمصالح وهذا الصراع يمتثل بالربيع العربي .
هبت رياح الربيع العربي على سوريا قاصدة الحلف السوري الايراني الذي كما ذكر انه توازن للقوى امام اسرائيل بالصياغة الامريكية اي انه يدور في الفلك الامريكي وقد يستغرب احدما من هذا الكلام لكنه الحقيقة فأحمدي نجاد عندما صرح قائلا ان ايران مستعدة لمليء الفراغ في العراق بعد الانسحاب الامريكي يأتي وكأنه عرض خدمات لأمريكا لمساعدتها في مغادرة العراق مع الحفاظ على المكتسبات التي صرح قاسم سليماني بدوره ( لا نسمح بعودة الوضع في العراق الى ما كان عليه قبل 2003) اي انه يقوم بالحفاظ على البناء الامريكي في العراق .
ان الصياغة الجديدة للمنطقة الان تبغي اعادة ترتيب التوازنات ضد ايران وجعلها العدو بدلا من اسرائيل ولذلك نجد الان ثورات الربيع العربي تهتف ضد ايران وتنظر اليها على انها العدو بدلا عن اسرائيل التي اصبحت وراء الظهور والسبب بالتأكيد يكمن في سياسة ايران , فأنا من خلال افعالي سوف اكسب ود الناس وأنال حبهم ومشاعرهم الايجابية او اكسب عدائهم وغلهم وحقدهم ومشاعرهم السلبية لاسيما وان الناس هم مشاعريون عليهم بالظاهر وليسوا مفكرين يبحثون في العمق , فايران هي المسؤولة عن هذه المشاعر العربية الخاطئة التي تعتبرها العدو بدلا من اسرائيل والتي تم توظيفها من قبل الدول الكبرى المنافسة لأمريكا لضرب الحلف السوري الايراني وبالتالي اسقاط الرواقم الامريكية راقم بعد راقم (الراقم هو القمة الجبلية التي تسيطر على المنطقة في المصطلح العسكري ) .
ان النظام السوري يمر بأصعب الظروف بسبب تزايد المعارضة ضده لاسيما وان الاعمال القذرة التي يقوم بها الطرف الثالث والطرف الرابع تحرك المشاعر ضده وتقذره اكثر مما هو عليه الان من صورة قذرة بنظر العرب والمسلمين بل العالم اجمع , وفي الايام الاخيرة شاهدنا تصريحات علنية من خامنئي تعتبر سورية خطا احمر وكذلك تصريح حسن نصر الله الذي صرح علنا باشتراكه في معارك القصير مما يدل على النظام السوري اصبح في وضع صعب , لذلك لابد من انقاذه وانقاذ الحلف السوري الايراني وانقاذ الصياغة الامريكية والتوازنات الامريكية في المنطقة من السقوط والانهيار مما يجعل النفوذ الامريكي في منطقة الشرق الاوسط والعالم باسره في خطر .
فالتركيز الاعلامي على الاسلحة الكيمياوية والمبالغة الاعلامية استفزت اسرائيل خشية وقوع هذه الاسلحة بيد المعارضة او خشية نقلها الى حزب الله لذلك تم استثارة اسرائيل واستفزازها بالسلاح الكيمياوي من قبل الامريكان ودفعها للقيام بضرب المواقع السورية وبهذه الضربة سوف تدخل اسرائيل في اللعبة التي يتحدث عنها اوباما مرارا وعندما تدخل اسرائيل اللعبة فأنها تمنح الشرف لمن يحاربها او يرد عليها او يقصفها فمن المحتمل ان تنشب حربا تحت السيطرة الامريكية بين الحلف السوري الايراني حزب الله من جهة واسرائيل من جهة اخرى تكون هذه الحرب هي الكابح الحقيقي للربيع العربي والمنقذ للنفوذ الامريكي والصياغة الامريكية والحلف السوري الايراني وتعيد التوازن في المنطقة العربية باتجاه اسرائيل على انها هي العدو .
قد يسال شخص ما كيف ان امريكا التي تدافع عن اسرائيل وتعتبر امنها من الامن القومي الامريكي تصيغ المنطقة باتجاه العداء لإسرائيل ؟ !!!!!!.
ان هذا السؤال طبيعي لمن يأخذ الامور بالظاهر دون ان يتعمق في البحث في الأحداث ومن ورائها ومن يصنعها ان صياغة المنطقة بمحور مقاوم لإسرائيل باعتباره طرفاً في الصراع والطرف الاخر هو اسرائيل سوف يجعل المنطقة في حالة صراع ومن خلال الصراع تجد امريكا الذريعة للتدخل للبحث عن حلول وسوف تطرح الحلول التي تراها مناسبة لأمريكا ومشروعها في حل الدولتين وليس باتجاه مصلحة دول المنطقة لذلك من الضروري خلق حالة الصراع التي تكون تحت السيطرة , فإدارة الصراع يجب ان لا تخرج عن السيطرة فمثلا اسرائيل لا تخشى من السلاح الكيمياوي بيد النظام السوري لكنها تخشاه عندما يقع بيد المعارضة علما انه نفس السلاح بكلتا اليدين وله نفس التأثير لكنه عندما يكون بيد النظام يكون تحت السيطرة اما بيد المعارضة فهو خارج ادارة الصراع .