5 نوفمبر، 2024 11:26 ص
Search
Close this search box.

مجتمع البازه

العقل هو عضو صغير نسبياً بجسم الإنسان، لا يتعدى وزنه 1.3 إلى1.5 كيلوغرام، أودعه الخالق عند كل إنسان دون تمييز، ليكون مصدرإبداعه وأساس تطوره، به تُبنى الحضارات وتُطور المجتمعات.. لكنوكما يبدوا فأن بعض الأنظمة، قررت تسخير هذا العضو لشيء آخر،لا يفهمهُ إلا الراسخون في السلطة.

في عراق ثمانينات القرن الماضي، ابان سيطرة نظام البعثوصدامهم، برزت صناعة فريدة من نوعها، لم تكن تحتاج لمعامل أوخطوط إنتاج، ولم تُبنى بأموال طائلة، بل كانت صناعة فكرية ومعنوية،استهدفت عقول العراقيين، بغرض حرفها وتوجيهها وتوحيدها، نحومسار واحد مرسوم مسبقاً.

بدأت بجعلنا نكاد لا نرى طفلاً، في أزقة ودرابين المنطقة، لا يرتديبيجامةالبازهكملابس موحدة لا تميز فيها، بين ابن العائلة الفقيرةوابن العائلة المتوسطة، فالجميع يرتدون البازة، وكأنها زي رسميللشعب، يُخفي وراءه أفكار غامضة كأنها حزورة والي حلب..

ليس هذا فحسب، فحتى الطعام كان مُوحداً، حيث كانتالحصةالتموينيةلا تغادر مطبخ اي بيت، والتي بالرغم من أنها ضرورة للبقاءعلى قيد الحياة، في زمن الحروب والأزمات، إلا أنها حولت وجباتالعراقيين، إلى قائمة مكررة يومياً، رغيف الخبز الواحد الذي لم يخلُمن برادة الحديد، كان عنصراً رئيسياً على موائد العراقيين، وباتالحديد جزءاً لا يتجزأ من غذائهم، وكأنما يهدف النظام إلى قولبةالشعب، ليصبحشعباً من حديدصامداً لكن بلا طعم ولا تنوع.

ثم تأتيسهرة الشعبتلك الفقرة اليومية الثابتة، التي تُبث بعدساعات من المدح والتمجيد للقائد الضرورة، حيث تتكرر الأفلامنفسها، والبطلة هي نفسها، وكذلك البطل نفسه، وكأن هناك قانوناًضمنياً، يمنع المشاهد من التفكير في حبكة أخرى، أو مناقشة مشاعرمختلفة..

أما من يتجرأ على التفكير خارج هذا الصندوق، أو يحاول الهروب منمجتمع البازةفهو معرض للتهديد بالمطاردة والملاحقة، لينتهي بهالحال لأن يرتدي الحبل في عنقه لا البازة، ويجد نفسه مُعلقاً علىأعمدة المشنقة..

هكذا حاول صدام جعل المجتمع، كقطيع يرتديالبازه، ويأكلالحديد، ويتابع البطل الذي يُمجد القائد، بلا فكر أو اختلاف فيالآراء، أما الحرية فقد كانت نسياً منسيا.

ان كل هذاالتنميطكان له تأثير واضح، حتى بعد سقوط الدكتاتور،وانقضاء زمنه المظلم، لازلنا نجد العديد من المتأثرين بالزمنالأسوديشغلون مناصب داخل الحكومة الحالية، ويشاركوننا العديد منالوظائف والأعمال!

أن الطبقة التي عايشت النظام السابق، هي بطريقة ما لها دور فيعرقلة تقدم المجتمع الحالي، الذي لن يتغير حتى يتم الاعتماد علىالجيل الشبابي، الذي ولد في أحضان الديمقراطية، ليستطيع أن يفكرخارج الصندوق، او المزج بين قوة الشباب وفكرة بعض الشيبة، ليعملواعلى بناء الهوية العراقية بشكل صحيح، بعيداً عن التعصبوالدكتاتورية..

أحدث المقالات

أحدث المقالات