18 ديسمبر، 2024 7:44 م

مجتمعات و دول ما بعد الاستبداد

مجتمعات و دول ما بعد الاستبداد

معروف في مجال المنازعات و دراساتها، و علوم السياسة و سائر الدراسات الانسانية، ان المجتمعات التي تخرج من حالة حرب تعيش في اعقاب انتهاء الحرب مرحلة تداعيات العنف و الصراع و قد تكون هناك ردات فعل قوية و تجاذب بين السلم المنشود و الصراع، و قد تصل الامور احياناً لمرحلة انهيار السلام الهش و تجدد العنف المميت و بوتائر اشد ان لم يتم التعامل برشد مع الحوادث و بحكمة و معرفة و ضبط شديد.
إذاً تحتاج المجتمعات في طور ما بعد الحروب لمجهود كبير سياسياً و قانونياً و ادارياً و اجتماعياً و اعلامياً مع تركيز خاص علي نظريات علم النفس البشرية بحيث يتم السيطرة علي كل الهواجس و المخاوف و علي النزعات و الرغبات..
لكن للأسف ليست هناك دراسات كافية تختص بمراحل ما بعد الحكم الاستبدادي، سواء كان ذلك الاستبداد بفعل حكومة استعمار اجنبي أو علي يد دكتاتورية وطنية! ربما تكون هناك دراسات قديمة نسبياً لكنها لم تنشر علي نطاق واسع بسبب ان الجهات القوية في العالم ليس من مصلحتها ان تنتشر تلك الدراسات و التي تصلح بالتأكيد لتؤسس فرع من العلوم يمكن أن يستغل بذاته. فدراسات المجتمعات التي خضعت للاستعمار يجريها المستعمرون انفسهم و لاغراض تخص مجتمعاتهم لا تلك المجتمعات التي تم اخضاعها للاستعمار اولاً ثم اخضعت بعدها لنوع من التبعية بعد الاستقلال، كما ان المجتمعات التي خضعت للاستبداد في الغالب مجتمعات متخلفة و متأخرة في مضمار البحث و العلوم؛ إلا ما ندر كاسبانيا “فرانكو” و اوروبا الشرقية بولندا و صربيا.. الخ
ان الاستبداد يؤسس لهيمنة في كل المجالات بما فيها حقل العلوم، و حيث ان الحريات هي أول ضحايا الاستبداد؛ فان حرية البحث العلمي تمثل الضحية المجهولة التي لا يسمع عنها الكثيرون و لا يأبه بها احد!!
تكون المجتمعات في مرحلة ما بعد الاستبداد في حال ضعف لا تحسد عليه، و تلعق فيها جراحاً كثيرة و تسعي في حل الكثير جداً من المشاكل و التعقيدات و علاج امراض ما بعد الاستبداد و بلا ادني معينات او خبرة في علاج تلك الامراض و تسوية تلك الازمات!
ذلك الضعف يهدد بأن يعود الاستبداد في اي وقت، و انه لم يرحل تماماً بل ينتظر خلف الباب مترقباً أول سانحة ليعود من جديد.
اليوم يخرج السودانيون من عقود حكم استبدادي غير مسبوق في مداه، و ان كان له مثيل من حيث كونه استبداد بإسم الدين! فهو نظام يختلف عن نظام ايران في انه بلا سقوفات وطنية و لا يقيم وزناً لمقدرات الشعب و الوطن، نظام قسم الأرض و الناس و هدم المؤسسات و هدم القيم، نظام هدم الانسان!
ان الشعب السوداني في أمس الحاجة لممراكز و منظمات مختصة في دراسات الاستبداد لتضع وصفة و خارطة طريق لعبور مرحلة ما بعد الاستبداد.