ترى هل تستحق هذه الفترة والقائمين عليها ان يختزلوا وتختزل بهذا الوصف الذي يبدو قاسيا ً ..
ايقنت ُواقتنعت ُان هذه الفترة جديرة ان توصم بهذا الاسم لأن الأمور وصلت حدا ً لا يطاق وفاق َ كل تصور وخيال .
فلابد من ان تنعت هذه الفترة بهذه القسوة عسى ان تصحو ويصحوا القائمين عليها فلعل فيهم بقية قد تستفيق من نشوة الأموال فتنظر لأبعد من انفها فتتدارك قبل ان يرفع التاريخ قلمه ويجف حبره لذا استحق الامر وبجدارة ان نطلق رصاصة الكلمة عليها وعليهم والبادئ اظلم .
تسرق مليارات الدولارات من اموالنا على مرآى من الكتل السياسية ومسمع اذ لا توجد لدينا حكومة كما متعارف لدى باقي الدول بل عملية سياسية هلامية تتراوح بين ثلاث مكونات اساسية مرة وبين كتل سياسية مرة اخرى ويبدو ان هذه المرجعية غير الواضحة ساهمت بهذه السرقات التاريخية .
وان ما بعد هذه السرقات يؤلم بنفس درجة السرقة او اكثر اذ ان كل من اراد ان يحاسب لصا ً قيل له هذا تسقيط سياسي والمفجع ان الكتل السياسية والتي هي – النخبة القيادية – حسب المفهوم الاصطلاحي تقوم كل واحدة منها بحماية لصها من أذى الكتلة الثانية ومن لسانها فتراها تُعيّر الكتلة المقابلة لها بعار لصها اذا ما تحرشت بصاحبها .
بل ان الامور وصلت حدا ً مستفزا ً من قبل لصوص الشعب لشعورهم بالامان فقد بدأوا عندما يسرقون يخلفون وراء سرقاتهم نكتة او اثر يستهزأ بالعراقيين حينما يوقّع سرقته باشارة او عبارة تقول ” سرقتكم يا مغفلين ” او ضع ما يعادلها من مفردات عامية .
فأجهزة كشف المتفجرات اتضح انها اجهزة كشف الكولفات في بلاد و كشف مساحيق الزاهي في بلاد ٍ اخرى .
فالحال ليس سرقة فقط بل سرقة مصاحبة باستغفال فمن ارسل لعب أطفال الى وزارة الكهرباء بدلا ً من المواد الاحتياطية لم يكلف خاطره ان يرسل على سبيل المثال مكائن تالفة متظاهرا ً وان بنوع من الاحترام لمن سرق وحتى من استورد 35 مليون دشداشة نسائية لمجموع الشعب وبجميع الاعمار والاجناس وليس للعراقيات المدللات فقط كتب ضمن حقل الوصف للمادة المستوردة ” دشداشة نسائية ﻤﺸﮕﻮﮔﺔ ” .
وحتى الوصف (مكافحة الفساد المالي ) يتضمن نوع من المكر والخبث إذ انه يقول للناس ان الفساد منكم ومتفشي بدوائركم من خلال آلاف الموظفين الفاسدين لذا لن نستطيع القضاء عليه بل مكافحته كما يكافح احدنا الجرذان او الذباب فلا امل يرتجى بمحوه لكن كان المفروض لو كانوا صادقين ان يضعوا شعار ( القضاء على الفساد المالي ) لان المفسدين الكبار اختصاص المليارات معدودين ومعلومين من قبلهم ويمكن بسهولة القضاء عليهم لكن الدولة ليست لها الرغبة بذلك لذا تقوم برمي التهمة على القطاع الحكومي والشعبي بأسره .
ان امر السرقات وبغطاء حكومي مكشوفة وعارية امام الجميع اذ انها ضرورية بالنسبة لهم ليغطوا نفقات مقرات احزابهم وحملاتهم الانتخابية وفضائياتهم ومليشياتهم .
لكن لم الفساد المالي ؟ وكيف لم تعد تتعرق جباههم فاصبحوا كالجالس بوليمة وهو يأكل شرها ً غير خجلا ً والناس تستغرب كيف لطخ فمه واكمامه الم يكونوا مناضلين ومجاهدين احرار يوما ً ما الم يحملوا فكرا ً دينيا ً يهدف ان يقيموا دولة العدل الالهي او حكم اسلامي رشيد على اقل تقدير !
ان السبب يكمن بنقطتين رئيسيتين اولاهما ان التغيير الفجائي كالقدر المغلي دائما ً يأتي بأناس من القعر فيرتقوا بسرعة يفقدوا بها توازنهم يستغربها هم انفسهم .
والسبب الثاني غياب المؤسسة وعندها الفطرة الانسانية هي التي ستنتصر لا ادبيات الاحزاب في ان الانسان كائن فردي طموح بحاجة الى قانون يردعه وبما ان مؤسساتنا ليست مؤسسات حقيقية بل هناك فرد مسيطر قوي على قطاع عام هو متهرئ اصلا ً فلا قانون او مؤسسة بالعراق لذا من يأتي يصبح هو القانون .
هناك في عالم الجريمة والاختطاف او التسبب بالاذى عموما ً ظاهرة الاتحاد مع القاتل وهي ان تبدي الضحية الاستسلام معه من شدة اليأس لدرجة قد تبدو انها متعاونة معه وحقيقة الحال ان الانسان ينطوي على ذاته ولا يبقى من امل لديه الا القاتل نفسه بعد ان تخلى عنه كل شيء وأصبح بمستوى الصفر واكتفى القدر بالتفرج والتوثيق فأصبح يرجو القاتل ان لا يرتقي به عاليا ً في سلم الألم .
ولقد استوردنا ذلك واقتبسناه لكن في عالم السرقات فاستحدثنا الاتحاد مع السارق وهو ان الشعب العراقي اصبح يتبنى افكار ومفاهيم تخالف ما في الدنيا كلها حيث بقية العالم يرى استبدال السياسي وبسرعة امر حيوي وضروري لكن لدينا وبسبب الوحدة مع السارق نرغب بان يبقى السياسي ويعمر على امل انه مع طول الفترة ستمتلأ عينه ويعف في نهاية المطاف كما عفت من قبله نصرة .
وهذا افضل اكيد من سياسي يأتي ويسرق ويرحل سريعا ثم يأتي آخر وهكذا .. وجهة نظر لا بأس بها ببيئة كالعراق مغبرة فلأن تفتح عينك جزئيا ً بوجه الغبار افضل من اغلاقها تماما ً.