سألني صديق, وهو جدلي يحب أن يناقشني في كل شيء, أحيانا من باب الإستمتاع, وأخرى لأجل إثبات أن وجهة نظره صحيحة, أو فقط جدل لأجل الجدل.. عن المجاهدين, وهل هم مليشيا أم مجاهدين.. أم ماذا؟.
حاولت تجنبه, لأني كنت متعبا, ورأسي يكاد ينفجر من الصداع, إلا أن موضوعه استثارني, فقلت:
أعتقد أن الموضوع بيّن, وهل يحتاج إلى نقاش؟.. رغم انه لم يقل سوى سؤال واحد, إلا أني كنت أستشرف الأتي من جدلياته التي لا تنتهي, وكأنه في سباق لإثبات عكس ما أقول, فقط ليجادل.
قال: وكيف ذلك؟
أجبته وانا أحاول اختصار الموضوع وأتخلص منه: كيف بدأ الجهاد أصلا؟
أجاب دون تردد: طبعا بعد فتوى المرجعية المباركة, بالجهاد الكفائي.
قلت: حسنا, هل يكفي هذا لإعطائها الشرعية المطلوبة؟.. وقبل أن يجيب لسانه, هز رأسه موافقا بالإيجاب, وهو يكاد ينطق, إستبقته قائلا, بل يكفي ويزيد.. أضف لذلك, هدفهم واضح, وقبل أن تسألني كيف أن هدفهم واضح سأجيبك.. فالمرجعية حددت من هو العدو, وماهي واجباتهم ومهامهم, وماهي الأمور التي يجب تجنبها, والأخطاء التي لا يجوز الوقوع فيها.
صمت قليلا, متفاجئا ربما بإستباقي للموضوع, أو باحثا, عما يشّكل به علي.. فقال: وكيف تم تنظيم كل ذلك ونحن نعلم أن الاستجابة عفوية تلقائية؟
أجبت: أنت تعلم أن الكثير من العراقيين, سبق أن خدم في الجيش, فلديهم معرفة بكثير من النظم العسكرية, كما أن الدولة موجودة, في بقية المحافظات, وكثير من الأحزاب الإسلامية, سبق أن مارست العمل العسكري, كمعارضة مسلحة ضد نظام البعث الصدامي, وهي تولت بداية, تنظيم الأمور وتهيئتها, وبعد ذلك حصل تنسيق كبير, مع قوات الجيش, والشرطة, وبقية المنظومات الأمنية.
قال: لكنك سبق أن بينت أن فتوى المرجعية حددت للمجاهدين, دورهم وواجباتهم, وبينت مالا يجب حصوله, فهل التزموا بذلك؟ وهل كانوا كما أرادت المرجعية؟
نظرت إليه قليلا, ثم قلت له: أنت صديقي منذ زمن طويل أليس كذلك؟.. هز رأسه موافقا, فأكملت, إذن تعرفني, ولن تغضب مما سأقوله أليس كذلك؟
قال: نعم بالتأكيد.
قلت: أتمنى عليك, أن لا تكون فارغا.. تردد ما يقوله الأخرون, ممن يريدوننا أن نعتقد, أن أتباع أهل البيت, ليسوا أهلا للحكم, من أعداء العراق, وأعداء المرجعية, و من لسانهم معنا, وأيديهم وسيوفهم مع داعش.. أو تعتقد أن كل هذه الملايين, يمكن أن تكون بنفس الطاعة للمرجعية؟ أو تعتقد أن بضعة أفراد يخطئون تعني أن الملايين كلهم خطأ؟.. بأي منطق هذا؟
قال: الحقيقة.. قاطعته قائلا: أرجوك أترك الحقيقة بمكانها, وكلمني عن الواقع, أو ليست مقدمتك الدائمة عندما لا تجد جوابا.. في الحقيقة والواقع؟.. أكملت منفعلا, لا أعرف بسببه أو بسبب الصداع أو من سخافة ما يقول: عزيزي إن هذه الأمور تحصل, ولكن كم هي نسبتها؟ هل من المعقول أن تصدّق, ما تقوله تلك الفضائيات المأجورة؟ هل تريد أن تقنعني أن فردا مسيئا, يقلل من قيمة
تضحيات ملايين, ممن لا يملكون قوتهم, ومع ذلك لبوا نداء الجهاد, هل تريد أن تقنعني أن رجلا ترك عائلته بلا معيل, بل ولا يملك حتى أجرة السيارة التي تنقله لمعسكر التدريب, حضر لأجل ربح مادي؟.
وأين كان من وصفهم بأنهم بالمليشيا؟ ولم هرب من بيته؟ وهؤلاء تركوا بيوتهم الطينية, وعوائلهم دفاعا عنه؟ وهل يعرف ماهي المليشيات أصلا؟
بدأت اكلمه, وأنا أكاد أصرخ بوجهه, وهو ساكت, يحاول الابتسام, لإخفاء حرجه.. ثم تركته وأنا أتمتم مع روحي: أنتم أسوء من الدواعش, بل انتم الدواعش.. لكن الذنب ليس ذنبكم, فأنتم حمقى, ترددون كل ما تسمعوه, لا تثقون بأنفسكم, فكيف تثقون بأبناء جلدتكم؟
بقيت أمشي وانا أردد.. ما كذب أبو الحسن, عليه أفضل الصلوات, حين وصفكم بالهمج الرعاع.. تنعقون مع كل ناعق.