لا يخفى على متتبعي عالم الطاقة, ما للنفط من أهمية كبيرة في أسواق الطاقة, ببعدها التجاري الإقتصادي, والسياسي, بل وحتى الإجتماعي؛ فالنفط الأسود, أو كما يسمى الذهب الأسود, بات يعد من أهم المحركات والمنشطات, لكلك مفاصل الحياة العامة والخاصة للشعوب والدول.
تحول أسواق النفط الى أسواق مادية ومالية وسياسية, جعلها تنوء بثقل كبير في إطارات وجودها كقوة, يتنافس على وجودها والسيطرة عليها كل الكبار الدوليين, خاصة بعد حصول الصدمة النفطية الثانية بين عامي 1979-1980, حيث كان تأثيرها كبيرا على مجمل الاقتصاد العالمي, وأدت الى تعقيد العمل في الأسواق النفطية كثيرا, خصوصا مع ظهور ما يسمى بعقود الآجل في البورصات العالمية, حيث تحولت أسواق النفط ومنذ ذلك الحين الى أسواق مادية ومالية وسياسية واجتماعية , معا.
أزمة انهيار الأسعار العالمية للنفط في أيامنا هذه, جعلت العراق أمام اختبار صعب جدا, خاصة مع ما يمر به البلد من ظرف اثبات وجود, ضد العصابات التكفيرية, كل ذلك جعل الحمل على وزارة النفط حملا ثقيلا, إذ أن النفط في العراق باعتباره مصدر الطاقة الرئيسي والوحيد, وباعتباره مصدر الريع الاقتصادي الوحيد للبلد, جعل كل الأنظار تتجه الى هذا العنصر الحيوي الذي يمثل كنهري دجلة والفرات, نهرا ثالثا حيويا يمثل أحد عناصر ديمومة الحياة في هذا البلد.
كل هذه التعقيدات, والتشابك المعقد في آليات التعامل مع النفط كمصدر للطاقة, تقوم عليه الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية, دفع وزارة النفط والقائمين عليها, إلى استنفار كل ما يمكن توظيفه من الطاقات والأفكار, من أجل النهوض بهذا الملف الخطر, وهذه المسؤولية الكبيرة والمهمة؛ وإذا أخذنا بالإعتبار أن أرقى صور الإنتاج النفطي, وتنويع مصادر الطاقة عالميا, قد تأثر كغيره من القطاعات الحياتية الأخرى, بنظرية العولمة التي باتت تتمدد في كل مفاصل الحياة, لذا كان اقدام الوزارة على تفعيل فكرة (انتاج الوحدات المحلية) والمقصود منها المحافظات والحكومات المحلية للمحافظات المنتجة للنفط, كخطوة مهمة جدا في الطريق الصحيح.
تفعيل وتنشيط الوحدات المحلية, بإشراف ومباشرة عامة من الحكومة الإتحادية, كما تنص على ذلك المادة 112 اولا من الدستور على ان “تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة له”, هذه الخطوة,إذا تم تفعيلها بشكل صحيح وجدي, وتم ضبط إيقاعاتها بدون مشاكل ما بين المحافظات والأقاليم, وما بين الحكومة الإتحادية, فإن ذلك سيقود وبشكل آلي صناعي, إلى قيام مشاريع لإنتاج الطاقة الكهربائية في تلك المحافظات, وتحويل الكثير من الطاقات المعطلة, إلى مشاريع كبيرة وصغيرة, تستغرق كل الأيدي العاملة الموجودة في تلك المحافظات, في ضربة موفقة ضد مرض البطالة المزمن الذي يعاني منه بلدنا, والتأسيس الصحيح لفهوم التنمية المستدامة, الذي على أساسه تقف الشعوب وتتطور.
الجانب الآخر والمهم في هذه المعادلة, هو أن هناك حدودا كبيرة, ستقف ضد أي عملية توظيف او استغلال او تهريب للنفط, حيث أن توزيع المهام بين المحافظات, سيقود الى مجال وحرية فكرية إدارية وصناعية, لتتحرك في أفق الإنتاج والتطوير, بدل أن يكون كل ذلك محصور في بيروقراطية المركز المحكمة.
وأخيرا: كلنا نعلم أن هناك مافيات موجودة لسرقة النفط في العراق, وأن وزارة النفط بإدارتها الجديدة تحاول جاهدة تقليم أظافرهم, لبتر أذرعهم بعد ذلك؛ فهل سنشهد أول محاولة حقيقية, لتنظيف أهم وزارة عراقية من تحكم هذه المافيات؟؟
قد يلجؤون إلى الإغتيالات أو المفخخات, لتبقى المعادلة الظالمة قائمة !!!
*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.