19 ديسمبر، 2024 12:24 ص

مجالس جديدة وآمال عتيدة

مجالس جديدة وآمال عتيدة

أخيرا بدأت تتوضح ملامح وأشكال الحكومات المحلية عبر اختيار معظم إداراتها بالتصويت والتوافق قبل كل شيء، بعد ان ذهبت ادراج الرياح  معظم الاتفاقيات السابقة التي عقدت بين بعض الاطراف التي فازت بشكل كبير في الانتخابات المحلية التي أقيمت في العشرين من نيسان قبل الشهر الماضي، أي بعد ما يقارب أكثر من خمسين يوما على انتهاء هذه الانتخابات، ورغم انها مدة طويلة جدا للاتفاق على مناصب (رئيس مجلس المحافظة والمحافظ ونوابهما)، لكنه بالتأكيد أصبح أمرا معتادا مثل هذا التأخير في العراق، وبالتأكيد ما زالت ذاكرتنا تعج بمواقف وتصريحات والعاب المد والجزر التي شهدتها أزمة تشكيل الحكومة الحالية، وكيف إنها أكلت من سنتها الاولى، أشهر عدة، قبل ان تنهي بعض التوافقات الاخيرة معاناة المخاض العسير.
هذا التأخير رغم أضراره الكبيرة المتعلقة بتأخير توفير الخدمات المهمة لمواطني المحافظات وعدم تنفيذ مشاريع عمرانية مناسبة، إلا انه كان بالإمكان نسيانه وتداركه لو كانت الحكومات المحلية تشكلت بفترة اسرع وهدوء أكبر، اذ ان أغلب مجالس المحافظات لم تشهد حالات هدوء وتوافق وتراضي لاختيار ما أراده الناخبون حينما اختاروا من أرادوه ان يكون مسؤولا عن تحقيق متطلباتهم، بل ان اغلبها شهد تعطيلا للحياة السياسية والاقتصادية والادارية لمدة وصلت الى الشهرين رغم ان هذه المحافظات بأمس الحاجة لمثل هذه الاشهر والفترات الزمنية، فالمشهد السياسي المحلي حتى اليوم لم يشهد أي خاتمة ديمقراطية صحيحة تناسب كل الجهود والتضحيات والمنجزات التي رافقت العرس الديمقراطي الذي تحقق في يوم الانتخابات، ولم تثمر عن نتائج تلبي طموحات وآمال الشعب في تشكيل حكومات محلية متكاملة تأخذ على عاتقها بناء البلد وإعماره والأخذ به الى منصة الأمان وبر السلام والاستقرار بعيدا عن الموجات المتلاطمة من بحار الإرهاب وتفجيرات السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي استنزفت من دماء الأبرياء الشيء الكثير عبر عصابات التحالف الصدامي التكفيري المسؤول الأول والأخير عن قتل وترويع واستهداف أبناء العراق بهجمة إرهابية شرسة استطاعت أجندتها ومرتزقتها التحالف والتآزر والتعاون على إيذاء العراقيين في جميع المدن العراقية، ولتحقيق أهداف عديدة أولها عرقلة بناء البلاد وآخرها محاولة تعطيل التجربة الديمقراطية والسياسية الجديدة في البلاد عن مواصلة مشوارها، بينما غاب عن الساحة السياسية الاتفاق ما بين الائتلافات والاحزاب الفائزة بنتائج الانتخابات على تشكيل الحكومات بشكل مرضي دون خلافات رغم التقارب والتآلف الكبير في الأفكار والرؤى والأهداف والبرامج بينها جميعا، مما جعل فرحة الفوز بالانتخابات وبالمنجز الديمقراطي الانتخابي عرضة للهدر والتبخر شيئا فشيئا لاسيما في ظل التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي طالت عددا من المدن العراقية خلال الأشهر الماضية، وتصاعد السخط الشعبي جراء تراجع الخدمات المقدمة للمواطنين، واستمرار مسلسل الإهمال والتلكؤ في معظم الدوائر الخدمية الحكومية والتي هي بالأساس كانت تعاني من إهمال واضح وكبير خلال السنوات السابقة، فضلا عن بقاء بؤر الفساد المالي والإداري على مستوياته دون تراجع او انحسار في معدلاته العامة المعروفة.
إن حسم تشكيل المجالس خلال الايام القليلة المقبلة بالتأكيد يضع على عاتق هذه الحكومات مسؤوليات جسام ومهام كبيرة، لاسيما مع الاخذ بنظر الاعتبار ضرورة جمع جميع الأطراف الفائزة في الانتخابات التشريعية لتكون بينهم شراكة وطنية حقيقية تعمل بالتأكيد على تعزيز ثقة المواطن بالعملية الديمقراطية والمنجزات المتحققة خلالها، وان فتح باب الحوارات مع الأطراف والقوى السياسية المتنوعة هي ضرورة ملحة ومهمة جدا لاستكمال صورة المشهد الديمقراطي والعملية الديمقراطية الانتخابية، كما ان ذلك سيدعم التجربة العراقية السياسية الجديدة ويحافظ عليها من كل أشكال الالتفاف عليها وإخضاعها لظروف ومتغيرات خارجية وأجندات عدائية للشعب العراقي ولتؤكد أحقية هذا الشعب في تقرير مصيره وقدرته على تحقيق كل ما يطمح إليه من مستقبل أفضل وليس من قبل أجندات خارجية أو تدخلات إقليمية ودولية لن تفهم متطلبات الشعب ولن تحقق له اهدافه مهما اجتهدت الاطراف الداخلية المرتبطة بها.