بمقارنة بين الحكم المركزي الذي كان سائداً قبل احداث ٢٠٠٣ وبين ما جرى من إقرار لمبدأ اللامركزية في الادارة ، جعل القوى السياسية تتجه نحو العمل بهذا المبدأ لهذا تشكلّت مجالس المحافظات لتكون الحاكمة فيها ، وتكون قادرة على النهوض بواقعها دون الرجوع الى المركز ، وهذا ما يعطي فسحة التحرك في البناء والتنمية ، ومع كل هذا التحرر من قيود المركزية الا ان المحافظات ما زالت تعاني من المشاكل في كافة المجالات ، وأنحرفت مجالسها عن الهدف المرسوم لها ، وعلا صوت النزاع السياسي بين الاحزاب والكتل السياسية المتنفذة ، وظهر عليها النزاع السياسي اكثر من مهمتها ودورها الخدمي ، ومع كل هذه الاشكالات والخلافات ما زالت مجالس المحافظات تقبع تحت مهمتها الدستورية وادائها السياسي .
الدستور منح الصلاحيات الادارية للمحافظات ، لكي تكون قادرة على النهوض بواقعها التنموي للمحافظة ، وعلى وفق مبدأ اللامركزية الادارية ،. وهذا ما نص الدستور في المادة ١٢٢ لعام ٢٠٠٥ ، والذي اعطى بموجبه صلاحيات واسعة لتلك المحافظات في ادارة شؤونها بنفسها ، ولكن في نفس الوقت الاداء الحزبي والسياسي كان الصفة السائدة في هذا الاداء ، فانحرف أداء اعضاء مجالس المحافظات عن أداء مهمتهم في تقديم الخدمة لمحافظاتهم الى مصالحهم الحزبية والفئوية ، والتحكم بكلف العقود والصفقات الخدمية ، فمن يراقب اي مشروع في اي محافظة يجد ان من يقف خلفه هو الحزب الفلاني او المسؤول الفلاني ، كما ان الاداء بدا بصبغة سياسية اكثر من كونه مجلس خدمي يمثل نبض الشارع ، ويعكس معاناته اليومية ، وأداء دورهم في تقديم الخدمة لمواطني محافظاتهم ، لهذا تحول صراع المحافظات الى صراع الحكومة الاتحادية ومجلس النواب ، وابتعد كل البعد عن دوره الدستوري الى هدف سياسي وصراع كتل واحزاب تمارس نفوذها من اجل بقاؤها واستحواذها على السلطة ، وهذا ما حصل في بغداد مع وجود محافظين هما فلاح الجزائري عن دولة القانون وفاضل الشويلي عن التيار الصدري ، ومحافظة واسط التي اصبحت في الصدارة بثلاث محافظين في آن واحد ، الامر الذي يعكس حالة الفشل السياسي والتراجع في الاداء الحكومي ، ويعكس صورة الصراع الذي تمارسه تلك الكتل فيما بينها الى جانب هشاشة التحالفات وتمزقها عند اول خلاف سياسي هنا او هناك .
وأخيراً لابد من ايجاد آليات دستورية توضح آداء مجالس المحافظات ، وأما الغاءها او تقليصها لما تشكله من عبء مالي كبير على الدولة ، حيث تحولت من دورها الخدمي الى ساحة صراع سياسي ، وان يقر قانون يتيح انتخاب المحافظ بالاقتراع المباشر وبدون اي تاثير حزبي او سياسي وبما يضمن صعود من يختاره الجمهور دون غيره ، وتفعيل دور الرقابة المالية والادارية ورقابة الشعب على مصالحه من خلال اعضاء مجلس النواب للمحافظة بتشكيل لجان رقابية تمارس مهمتها الرقابية لكل محافظة ، وأعادة النظر في قانون المحافظات والانتخابات ، عبر الدوائر المتعددة ، والقوائم المفتوحة وبما يتيح مشاركة الكفاءات والخبرات في خدمة المحافظة ، وأنهاء دور الاحزاب السياسية التي كانت اداة تخريب وسرقة للمال العام ونهب خيرات المحافظات .