كي تتمكن من فهم أية مشكلة، أجمع الخيوط كلها في يد واحدة، وسيسهل عليك الأمر لتصل الى الحقيقة المجردة، وهذا ما سنقوم به لمعرفة حقيقة مجزرتي الناصرية والنجف.
المجزرتان اللتان حصلتا في الناصرية والنجف والتي راح ضحية الأولى (67) شهيدا و(245) جريحا، والثانية التي راح ضحيتها (47) شهيدا ومايقارب (500) جريجا كحصلة أولية قابلة للزيادة عدة أضعاف، لأن معظم الإصابات بالذخيرة الحية في منطقتي الرأس والصدر، تجعلنا نتساءل لماذا قررت الحكومة إستخدام القوات المسلحة، والميليشيات الولائية للقضاء على التظاهرات على الرغم من سلمية المتظاهرين الى آخر لحظة؟
وما هو الدور الإيراني في هذه المسألة؟
ولماذا تمت المجزرتان بعد إستهداف القنصلية الإيرانية في النجف؟ هل لتنفيذ إرادة نظام الملالي الذي أبدى غضبه، وطالب الحكومة العراقية بإتخاذ أقسى العقوبات ضد المتظاهرين؟ أم لأن الوقت ما عاد يسعف الحكومة العراقية التي راهنت على الوقت وخسرت الرهان مع المتظاهرين الذين لم تخفت عزيمتهم، بل زادت، وزاد إصرارهم على تحقيق كل مطالبهم؟
ولماذا خالفت الحكومة العراقية الدستور بإستخدام القوات المسلحة (الجيش) لفض الإعتصامات، وهي التي تتشدق دائما بالدستور؟ مع ان الدستور حصر فعاليات القوات المسلحة بحماية البلد من العدوان الخارجي، وتأمين حدوده، وليس حماية النظام.
لابد من التوقف قليلا والرجوع الى أيام قلائل قبل حصول المجزرتين لنصل الى الحقيقة.
1. قامت الحكومة العراقية بإغلاق المحطات الفضائية المتبقية ـ وهي قلائل ـ ممن تغطي التظاهرات والإعتصامات قبل المجزرتين بأيام، ولم تنفع المناشدات الدولية لإعادتها للعمل، ويبدو ان الأمر مبيت له للقيام بمجزرة جديدة.
2. تشكيل خلايا أزمة تضم قادة عسكرين وقادة الميليشيات الولائية حصرا، وتوزيعها على المحافظات المنتفضة، قبل المجزرتين بثلاثة أيام.
3. تشكيل غرفة عمليات لمناقشة التظاهرات والإعتصامات وحلها، مقرها الوهمي في مجلس الوزراء، ومقرها الحقيقي السفارة الايرانية في العراق.
4. قدوم عدد من قادة الحرس الثوري الى العراق تحت حجة مناقشة الأوضاع في العراق ومن بينها حرق القنصلية الايرانية في النجف، وتأمين الحمايات اللازمة للسفارة والقنصليات الإيرانية، ومساعدة الحكومة العراقية في القضاء على الإعتصامات، وهو أقل ما تقدمه الحكومة العراقية لإرضاء نظيرتها الايرانية بعد حرق القنصلية.
5.استبدال القادة العسكرين في المحافظات المنتفضة قبل يوم من المجزرتين لإدارة الملف الأمني، فيها وتعيين قادة موالين لإيران، وبصحبة كل قائد عراقي ضابط كبير من الحرس الثوري الإيراني. فمن القادة الجدد اللواء الوغد علي الهاشمي في النجف، واللواء الوغد جميل الشمري في الناصرية.
6. فتح منفذ الشلامجة على الرغم من ان الحكومة الايرانية أغلقت حدودها مع العراق حال إندلاع التظاهرات في ايران، لتسهيل دخول الحرس الثوري والأسلحة والذخيرة الى العراق، وكان ذلك قبل أيام من حدوث المجزرتين.
7. إرسال قوات عسكرية من بغداد الى المحافظات المنتفضة، وجعل القيادات الجديدة هي المشرفة على إدارة الأزمة، والقوات الموجودة في المحافظات تكون بأمرة القادة القادمين من بغداد، لوجود تعاطف بين القوات والمتظاهرين، وهذا ما تخشاه حكومة الميليشيات.
8. قيام قادة الميليشيات الولائية بالتواجد في النجف قبل المجزرة بيوم واحد، مع مجموعة كبيرة من عناصرها، وهم (أصحاب الدشداشات الذي اطلقوا النار على المتظاهرين). وقد إنسحب قائد شرطة النجف مع قواته الأمنية من ساحات التظاهر وسلم المهمة الى (ميليشيا بدر، عصائب أهل الحق، مليشيا تيار الحكمة)
9. إنتشار قوات عسكرية مدججة بالأسلحة مع دبابات ومدرعات حول مقر المراجع الشيعية، على الرغم من وجود أفواج كاملة تؤمن الحماية للمراجع وهي تخضع لسيطرة نجل السيستاني محمد رضا والسفير الأيراني في العراق، خشية من ردود فعل المتظاهرين بسبب صمت المرجعية تجاه سفك دماء المتظاهرين السلميين، وعدم إصدار فتوى تحرم سفك دماء المتظاهرين. أو ربما للإيحاء بأن المرجعية مستهدفة من قبل طرف ما، او لكشف حقيقة ان كان المرجع الأعلى على قيد الحياة أم لا، فهناك شكوك حول وجود شبيه له يقوم مقامه.
10. وظفت الحكومة العراقية خطبة المرجعية الأخيرة لإستخدام العنف ضد المتظاهرين تحت حجة ” خشية إنتقال الحكم الى الآخرين”، وهي مقولة وكيل المرجعية في خطبة الجمعة التي سبقت المجزرتين، وكانت الجملة غامضة فمن يقصد بالآخرين؟ هل يقصد عودة البعث أم السنة الى الحكم؟ بالتأكيد ان المرجعية قصدت هذا التمويه، وحاول البعض ان يفسر قول المرجعية بأن الآخرين يقصد بهم المتظاهرين، وهذا تحليل ساذج لا يمكن ان يقتنع به أحد. لأن غالبية سكان المحافظات المنتفضة من الشيعة وليس أهل السنة، فما ضر ان يحل شيعة مكان شيعة، كما ان المحافظات السنية لم تنتفض لأنها ما تزال تئن من جراحها، وتهمة داعش تحد من تحركها، على الرغم من دعمها المتظاهرين بالمساعدات المالية والمادية، ومشاركة العديد من ابنائها في الإحتجاجات في محافظات اخرى. والساسة السنة كما بات معروفا جميعهم من موالي النظام الإيراني وبلا إستثناء.
حتى الخطبة التي وردت يوم الجمعة بعد المجزرتين طالبت المرجعية فيها مجلس النواب بأن ” يعيد النظر في خيارته”، وهي جملة غامضة يمكن لكل طرف أن يؤلها كما يريد. بل أكدت المرجعية بأن “حلٌ الأزمة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور”، وهي الأعلم بأن الدستور الملغم هو أساس المشاكل. أما تعبير المرجعية عن أسفها الشديد على سقوط هذا العدد من الشهداء والجرحى فلا محل له من الإعراب في قواعد الشرف وتعاليم الإسلام، في ظل عدم صدور فتوى تحرم سفك دماء الأبرياء. أما دعوة المرجعية للبرلمان في اختيار البديل، فالبرلمان هو نسخة طبق الأصل من الحكومة، المجرمة والفاسدة، وكذلك القضاء، لذا لا جدوى من نداء المرجعية لمجلس النواب، علما ان غالبية أعضائه هربوا الى خارج العراق، ولا يمكن تحقيق النصاب في أية جلسة.. على الأحوط!!!
11. إدعى رئيس الوزراء بأن خلايا الأزمة ستكون تحت أمرة المحافظ في جميع المحافظات المنتفضة، وكات هذه واحدة من أكاذيبه العديدة، فقد ذكرمحافظ ذي قار (عادل الدخيلي) ان الحكومة المحلية لم يتم إشعارها بقدوم قوات من بغداد وهي التي هاجمت المتظاهرين ونفذت المجزرة في 28/11/2019، وقدم المحافظ إستقالته بسبب ذلك. وتبعه محافظ النجف (طلال بلال) في تقديم إستقالته، مصرحا ” لا حل مع هذه الحكومة التي تقتل شعبها”.
12. ان محاولة غوبلز العراق (عبد الكريم خلف) للتغطية على جريمة الحكومة بالإدعاء ان المتظاهرين هم من بدأوا بإطلاق النار على القوات الأمنية تكذبها الإستعدادات السابقة التي تحدثنا عنها، علاوة على شهادات الشهود والأفلام التي تم تصويرها في مكان الحدث، وهذا الأفاك السافل لم يعد أحد يلتفت الى تصريحاته لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي، فقد صار الكذب سجيته كما هي سجية رئيسه عادل عبد المهدي.
من هذا نستننج ان إدعاء رئيس الوزراء بتشكيل لجنة تحقيقة حول مجزرتي الناصرية والنجف مجرد تسويف وكذب، وكذلك نقل جزار الناصرية جميل الشمري لا معنى له، لأن رئيس الوزراء هو الذي شكل خلاليا الأزمة، وهو من أرسل القوات من بغداد للمحافظات المنتفضة لتقتل ابنائها، وكانت الإستعدادات مهيئة مسبقا لهذه المجازر، ولم تكن عفوية، وليس بسبب أن المتظاهرين هم من بدأوا بإطلاق النار كما زعم غوبلز العراق عبد الكريم خلف.
كلمة أخيرة
إن إستقالة عبد المهدي لم تكن بسبب مطالبات الثوار ورضوخا لإرادتهم، بل لمشاورت جرت مع مرجعية النجف، وهذا ما نوه عنه في خطاب إستقالته، وهذا يعني ان النظام العراقي لا يختلف عن نظام الملالي فكلاهما يحكمه الولي الفقيه، الخامنئي في ايران والسيستاني (أو ابنه) في العراق، بل ان (ابو مهدي المهندس) صرح بأن جميع قوات الحشد الشعبي بيد المرجعية، أي ليس بيد رئيس الوزراء. وبغض النظر عن تقديم عبد المهدي الإستقاله من عدمها فأن شرعيته قد إنتهت وأقيل من منصبه وفق الدستور على إعتبار إن الشعب وهو مصدر السلطات، وذلك إعتبارا من أول يوم لثورة العراق الكبرى، ولم يكن متفضلا بإستقالته على الثوار، ليس من الغريب وجود عميل مثل عبد المهدي، لكن عميل وصلف الى هذه الدرجة، هذا أمر لا تجده إلا في عملاء ايران في العراق! لا قيمة عنده لمئات الشهداء وآلاف الجرحى الذين قتلهم، فقط أمر المرجعية له قيمه عنده. على أي حال إن إستقالته لا تعفيه من الجرائم التي إرتكبها بحق العراقيين، وان عجز القضاء العراقي عن إدانته بسبب خضوعه لإرادة السياسيسين، فإن القضاء الفرنسي سيدينه، وان لم يفعل فإن دمه ودم عائلته مهدور من قبل أهالي ضحاياه، حتى لو اختفى في آخر مكان في العالم، وهذا ما يقال عن وزيري الدفاع والداخلية والأمن الوطني وزعماء الميليشيات الولائية، إن ارواح شهداء العراق تطالب جميع العراقيين بالثأر لهم، للشهيد لسان حق لابد من الإستجابه له. وعلى عشائر الضحايا ان أن تفتح حساباتها مع عشائر القتله أن فشل القضاء العراقي في إصدار مذكرات إعتقال ضد المجرمين، وإلا فقدت قيمتها أمام الشعب العراقي.
ونود أن نوضح أن إحالة المرجعية الأمر الى مجلس النواب لا جدوى له، لأن مجلس النواب ليس أقل فسادا من الحكومة، وسيأتي برئيس حكومة جديد وفق الإرادة الإيرانية، ومطلب الجماهير معلن وواضح وهو الغاء مجلس النواب والدستور، وليس إقالة الحكومة فقط. نأمل أن تنأى المرجعية بنفسها عن التدخل في السياسة، فهي التي جلبت عبد المهدي وهي التي أفتت بالدستور، وكل النواب والوزراء جاءوا من تحت عباءة المرجع. ارفعوا أيديكم فلا وصاية لكم على العراقيين، دعوا العراق لأهله فقط! ونأمل أن يستيقط حامي الدستور رئيس الجمهوية والمدعي العام من سباتهما فقد طال، وبات يحيرنا أمرهما، هل هما أحياء أم أموات في سقر؟
ونأمل أن يكون من مطالبات الثوار حلٌ قوات مكافحة الشغب (مكافحة الشعب) المجرمة وقوات سوات غير الدستورية، ومحاكمة قادتها وعناصرها، وأنسحاب قوات الجيش فورا الى خارج حدود المحافظات العراقية.