في البلد ذو الشعب المتعدد الأديان والطوائف والقوميات ، يستحيل أن ينضوي تحت راية أيديولوجية سياسية موحدة ، مالم يعلق هكذا شعب جميع انتماءاته الدينية والقومية ، ليخضع تحت ظل حكم ينظم حياة الأفراد والجماعات في دولة الحكم الشمولي ، وبخلاف هذا الفهم، لا يمكن لوطن أن يسعد فيه شعبٌ تعددي العقائد والقوميات .
من هنا ؛ يأتي فهمنا لطبيعة المجتمع العراقي ، الذي هو في الحقيقة مجتمعات في مجتمع، بمعنى ؛ خيوط متباينة تكوّن نسيج شعب العراق .
والحالة هذه ؛ فلو قدِّر لقائمة دينية أن تفوز في الانتخابات الوطنية ، بوطن من هذا الطراز ، ستحدث مصادرة لحق دين آخر من المشاركة في الحكم ، إذا ما كلفت هذه القائمة المفترضة الفوز بتشكيل حكومتها . كذلك لو قدِّر لقائمة طائفة أن تفوز بالانتخابات ، وتولت قائمة هذه الطائفة تشكيل حكومتها ، لحصل ذات الهضم لحقوق الطوائف الأخرى ، وذات الحال بالنسبة للقائمة القومية ، بحيث يمسي البلد مقيّداً والجماهير مقيّدة بقوانين ، وإرادة جيش ، وبرامج علمية وتربوية ، رهينة بتوجه خاص دون العام ، والمحدد دون المنفتح ، مالم تثبت النتيجة والتجربة الانتخابية لفترة الحكومة المحددة بأربع سنوات نجاح هذه القائمة من فشلها ، بحيث تقع جميع أخطاء الحكم على عاتق الحكم المتفرد بالنتيجة الانتخابية ، وهو حكم يعتبر شمولياً فردياً ، مزيّناً بإطار الديمقراطية . والنتيجة هي ؛ أن يبقى الشعب برمته يدور في فلك الإنتظارات دون تقدم أو ازدهار . وكأنَّ نضال وجهاد المعارضة الوطنية لعشرات السنين ذهبت سدى، فيعود الوطن إلى المربع الأول ، وهي نتيجة عانى منها عراق الأمس.
أو؛ أن تكون النتيجة الانتخابية منفتحة على الجميع ، بحيث تتشكل حكومة محاصصة ،وهي نتيجة يعاني منها عراق اليوم !..
إذن ؛ ليس أمام العراق من مخرج إزاء أزمته في الحكم ، إلا بدستور يقرر فصل سلطات ثلاث عن سلطة السلطة التنفيذية وكما يلي : ـ
1. السلطة القضائية
2. السلطة التربوية والتعليمية
3. سلطة الجيش والشرطة والأمن الداخلي والخارجي
الدستور الحالي قد أقر فصل السلطة القضائية ، لكنه لم يراع بجدية أهمية فصل السلطتين الأخيرتين عن السلطة التنفيذية ، وهذا ما يجعل البلد والشعب يعاني من ما يلي :
1. خضوع المناهج الدراسية إلى الأدلجة المحدودة .
2. خضوع الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى سياسة القائد العام للقوات المسلحة ، الممثل برأس السلطة التنفيذية ، الممثل برئيس الوزراء .
ولأنَّ القضاء قضاءٌ للقانون يخضع له رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، فهو سلطة لا تعلوها سلطة في الدولة الفاضلة .
ولأنَّ التربية والتعليم شأن يعنى ببناء العقل ، فليس من حقِّ أية سلطة أخرى أن تخلق التمايز بين البناء التربوي والعلمي لشخصية الفرد في الدولة العارفة .
ولأنَّ أمن الوطن داخلياً وخارجياً مسؤولية تعنى بأمن البلاد والعباد ، فليس من حقِّ أية سلطة أن تـُحدث شرخاً في سور الوطن وأمنه في الدولة المستقلة الآمنة .
وعندما نتحدث عن استقلال القضاء ، علينا ـ كعراقيين ـ أن نتحدث عن استقلال التربية والتعليم ، وعندما نتحدث عن استقلال القضاء و وعن استقلال التربية والتعليم ، علينا أن نتحدث عن استقلال الجيش وقوى الأمن الداخلي والمخابرات .
عليه ؛ يقترح البحث ما يلي :
1. تشكيل السلطة القضائية العليا ، وإلغاء وزارة العدل ، بحيث تكون سلطة قضائية وطنية دائمة غير حكومية .
2. تشكيل السلطة التربوية التعليمية العليا ، وإلغاء وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي ، بحيث تكون سلطة تربوية تعليمية وطنية دائمة غير حكومية .
3. تشكيل سلطة الدفاع والأمن الوطني العليا ، وإلغاء وزارة الدفاع والداخلية وجهاز الأمن الوطني ، بحيث تكون سلطة عسكرية أمنية استخباراتية مخابراتية وطنية دائمة غير حكومية .
فيتكوّن مثلث سيادي مستقل عن سلطة السلطة التنفيذية للحكومة المنتخبة .. ثابت المعالم متغير العناصر ، اقترح الباحث أن يسمى بـ (( مثلث السلطات المستقلة )) .
فلسفة البحث : بناء وطن موحّد قضائياً و تربوياً وتعليمياً وعسكرياً وأمنياً ، دون أن تؤثر أيّة دوافع أو طموحات سياسية أو دينية أو طائفية أو قومية على برامجه الثلاثة .. القضائية والتربوية ـ التعليمية والعسكرية ـ الأمنية ، مهما تعاقبت الانتخابات ، ومهما تباينت النتائج ، ومهما اختلفت الحكومات عبر الزمن .