متى يُصبح الجهل مقدسًا؟
الجهل، في طبيعته، حيادٌ بارد؛
غيابٌ خفيف يشبه الظل،
لكنه لا يلبث أن يستحيل إلى ظلام دامس،
حين يُؤمر الناس بأن لا يُشعلوا شمعة.
الجهل لا يُخيف، ما لم يُقدّس.
ولا يقتل، ما لم يُحرَّم نقده.
لكن الخطر كل الخطر،
حين يتحوّل إلى صنم مهيب،
ينحني له الجميع،
ويُساق الناس من حوله صامتين،
خشية أن يُوصموا بالكفر، أو يُرجموا بالخروج.
يصبح الجهل مقدّسًا،
حين يُقال لك: “لا تسأل، فالسؤال حرام”
حين تُكفَّر الشكوك، وتُقتل الأسئلة،
حين يُصبح التفكير ترفًا،
والتأمل خيانة،
والنقد فسقًا،
والحكمة زندقة.
يصبح الجهل مقدسًا،
حين يُلصق بالنص ما لم يقل،
وحين يُقدَّم النقل، لا للفهم، بل للجم العقول.
يصبح الجهل مقدسًا،
حين نُقدّس القائل لا القول،
والسَّند لا المعنى،
والراية لا الرسالة.
يصبح الجهل مقدسًا،
حين يتحول إلى أداة طاعة،
تُخمد بها الحرية،
وتُصنع بها الجماهير الخائفة،
وتُشيّد بها أنظمة لا ترى في الناس بشرًا،
بل قطيعًا لا يَسأل: “إلى أين؟”
في ذلك المناخ الموبوء،
تُذبح الحقيقة على عتبة الصمت،
وتُعلن القداسة على ما لا يستحق سوى التأمل أو المراجعة أو الرفض.
إن الجهل لا يلبس ثياب القداسة إلا حين نتخلى عن سؤالنا الأول:
“هل هذا حق، أم مجرد تقليد؟”
وإذا سقط هذا السؤال،
فلا تنتظر نورًا،
بل عصورًا أخرى من الظلام…
لكنها ظلمات مطلية بالذهب،
وممهورة بختم “المقدّس”.