19 ديسمبر، 2024 6:13 ص

متى ينتهي الابتزاز ؟

متى ينتهي الابتزاز ؟

اذا كانت حاجات الانسان متجدِدِةً  متعددة ،فمن الطبيعي أنْ تكثر مراجعاته للدوائر والأجهزة الرسمية تبعاً لتلك الاحتياجات المتعددة .
وحين نُلقي نظرة فاحصة على ما يكتنف هذه المراجعات، ونقارن الماضي بالحاضر، نجد أنَّ هناك بونا شاسعاً بين الحالتيْن ..!!
وخلاصة الفوارق :
إنَّ المراجعة الرسمية في الماضي ، لم تكن في الغالب مشروطةً (بالتوريق) ولم تكن قد وصلت الى حدّ الإرهاق والإحباط .
ان نزاهة الموظفين كانت هي الغالبة ، وإنّ الاهتمام بسرعة انجاز المعاملة كان ملحوظاً ، إلاّ تعرّض الموظف الكسول الى المحاسبة والمعاقبة ..
والغريب انك لاتجد اليوم مسؤولاً في الدولة لايندّد بهذا الفساد ، ولا يلعنه .
والسؤال الآن :
لماذا تستمر اذن هذه الحالات المرعبة لاقتناص الاموال من المواطنين دون وجه مشروع ؟
ولماذا تستمر المبالغة في التسويف والمماطلة اذا لم يتم (التوريق) حتى يصل المواطن الى حالة اليأس والإحباط ؟
ان معاملة تحويل ملكيّة السيّارة من البائع الى المشتري ، تستنزف مالاً كثيراً ، ووقتا طويلاً يضطر معه المراجع الى الاستعانة ب(مُعقِّب) يتقاضى (150000) دينار عراقي ..!!
ومن الواضح أنه لن يستأثر بهذا المبلغ، وانما يُوصل منه الى مَنْ يجب ان يُوصل اليهم شيئاً منه ..!!
وعلى الانضباط والنزاهة والتفاني في خدمة المواطنين ألف تحية وسلام !!
ان هناك (بورصة) و(تسعيرات) لابُدَّ من الإحاطة بها قبل الإقدام على اية مراجعة رسمية، ذلك ان محترفي السرقة والابتزاز يتلاعبون بالأرقام وفقاً لارتفاع الأسعار في البلد .
ومعنى ذلك :
ان هناك زيادات ملحوظة تطرأ على الأرقام المحددة سابقاً ..!!
ان ايصال وثيقة الزواج الرسمية من المحكمة الشرعية الى دائرة الأحوال المدنية يستلزم دفع (50000) دينار عراقي ….
فما بالك بالقضايا الكبرى ؟
انها تستلزم دفع الملايين …!!!
ان المواطن الشريف تنتابُهُ الحَيْرَةُ حينما يتعرض لمثل هذا الابتزاز :
هل يدفع الى الموظف المختص ما يطلبه من المال فيكون شريكاً له في عملية الفساد ؟
أو يمتنع عن الدفع فيعّرض مصلحته لألوان من التضييع والاضرار ؟
ان هذه المعاناة هي الخبز اليومي، لمن لايستطيع احصاءهم من المواطنين العراقيين .
فالى متى تستمر هذه المعاناة ؟
وهل كتب على المواطنين العراقيين ان يكابدوا ما يُكابدون من الهموم لا في الجانب الامني فحسب، بل في غيره من الجوانب أيضاً ..!!!
والآن :
من المفيد ان ننقل ماحدّثنا به الراحل الدكتور ابراهيم السامرائي عما لقيه من حرص على انجاز معاملة تعيينه في كلية الآداب، بعد ان نال درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جانب السوريون .
يقول :
{ ان الدكتور الدُوري – عميد هذه الكلية – قدمرّ بباريس في طريقه الى لندن ، وكان لي ان رايتهُ وقد أخبرني حين رأيته في باريس …. أنه كتب الى وكيله الدكتور جميل سعيد ، ان يسعى الى ان أكون معهم في كلية الآداب والعلوم مدرساً لللغة واللغات السامية ..!!
وحين عاد الى العراق ، قال :
(لقد قصدتُ كلية الآداب والعلوم وقابلتُ الاستاذ جميل سعيد ، وكيل العميد فرحب بي ترحيباً خاصاً ، وجمع حولي جماعة من المدرسين ، وعرفني بهم، وعرّفهم بي ، ثم قال :
لقد اعلمني الدكتور الدوري بأمرك وطلب ان اسعى لتكون معنا في كلية الآداب وقابلت السيد منير القاضي وزير المعارف واظن ان الأمر الوزاري بتعيينك مدرّساً في الكلية يصدر اليوم ….
اتصل بالوزاره ، فعلم ان الأمر قد صدر بالتعيين ، وما هي الاّ ساعة حتى تسلمتُ نسختي من أمر التعيين ، وانتهى كل شيء ) ص265 (حديث السنين – سيرة ذاتية)
المهم هنا ان يوصي الدكتور الدوري بتعيينه مدرساً في كلية الآداب قبل رجوعه الى العراق ، ويتصدى وكيل العميد لانجاز أمر التعيين حتى اذا ما وصل وجد كل شيء قد انتهى …
اننا لابُدَّ ان نُشيع ثقافة الانضباط والالتزام بأداء الواجبات، بعيداً عن كل الالتواءات ،ممزوجة بعطر المحبة ، والتوق لاداء الخدمة المخلصة للوطن وأبنائه …
واذا كان الطاغوت المقبور ، قد أفسد الطباع والاخلاق ، فان العراقيين مدعوون لتجديد مآثرهم، وما عُرفوا به من النبل والمروءة ، والخلق الكريم، لتتواصل حلقات سيرتهم الحميدة وأمجادهم العتيدة .
[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات