17 نوفمبر، 2024 7:41 م
Search
Close this search box.

متى يعود الوطن ؟؟

متى يعود الوطن ؟؟

لم يمر يوم على العراقيين دون دماء وأشلاء بشرية متناثرة، وسيارات ممزقة، ومنازل ومقاهٍ ومدارس وحوانيت محترقة أو مهدمة. فما السبب وما الحلول، وهل بإمكان شخصية أو فئة أو طائفة  وقفُ هذا الحريق؟
وللرد على هذه الأسئلة علينا أن نسأل أيضا، هل العنف الذي يعصف بالعراقيين من عشر سنوات جنونٌ محليٌ مستقل وناتج عن خلاف السياسيين المحليين ينتهي حين يتوافقون ويتصالحون، أم هو إرهاب عربي أو دولي واردٌ من خارج الحدود لا طاقة لأحد من العراقيين على وقفه ومنع شروره؟
ويلقي الجميع تبعة ما يحدث من مجازر يومية في مدن العراق وقراه على عاتق نوري المالكي، وحده، وعلى حزبه وجيوشه المُخترَقة. ورغم أنه يتحمل الجزء الأكبر منها، بسبب سياساته الخاطئة وعداواته ومشاكساته وطموحه غير المشروع إلى الانفراد بالسلطة وسعيه المَرَضي إلى جعل الدولة ملكا خالصا له ولولده وحاشيته ومريديه، إلا أن ما يحدث هو مسؤولية شركائه في الائتلاف، أيضا، وشركائه المطرودين من المحاصصة.
فلم يكن لعامل خارجي، مهما كان جبروته، أن يقتل ذبابة في قرية عراقية نائية دون متطوعين من الداخل لهم مصالح ومنافع يحققونها بالقتل، ولكن بأموال الحليف الأجنبي وأدواته وخبراته في تقطيع الرؤوس. وهذه هي المشكلة.
وحتى لو أخلص المالكي النية، وقرر التخلي عن سياسة المكابرة والمكاسرة مع شركائه في الائتلاف أو خارجه، فلن تتوقف عجلة القتل والاغتيال وتفجير المفخخات. 
بعبارة أخرى. إن العنف وظيفة صعبة وخطيرة لا يستطيع القيام بها إلا فاعلون أقوى من الدولة ومن أجهزة أمنها ومخابراتها وجيوشها الضاربة، لا تملك الحكومة قدرة على اتهامهم، ناهيك عن سوقهم للعدالة. والأكثر إيلاما أن السلطة ذاتها، في حالات عديدة، تقوم بحملات قتل واغتيال وتفجير، منتقاة، ينفذها مسلحون ملثمون بملابس وسيارات حكومية لا خلاف على هويتها أو هوية القائمين بها. 
إنها أزمة قيادة، وأزمة وطنية وشهامة وشرف، بلا منازع. ليس لدينا زعماء، بل صبية يتراشقون بالحجار والطين والقناني الفارغة. ولا تنجو من هذه الأزمة طائفة أو قومية أو دين.
فحين تتفحص حالة السياسيين الذين يتصدرون الحراك السني هذه الأيام، مثلا،  تجد أن أحدهم يصرخ بمظلومية الطائفة، لكنَّ عينَه على خصم طائفته اللدود حزبِ الدعوة انتظارا للثمن الذي سوف يعرضه لشراء ولائه،  قبل أن يَسمح له بالعودة إلى أحضان السلطة وبساتينها الوارفة المدهنة.
بالمقابل، لا تقل الطائفة الشيعية العراقية عن الطائفة السنية تمزقا وتشرذما واحترابا على المصالح والكراسي.  
والعتب كله على أمريكا التي التقطت هذه الرمم الفاسدة، وأركبتها على ظهورنا بقوة المال والسلاح. 
فأمريكا، بمختلف إداراتها، من عام 1990 وإلى يوم الغزو، لم تحترم الشعبَ العراقي، ولم تمنحه الفرصة لاختيار حكامه المؤهلين اللائقين القادرينعلىحمل الأمانة بعد رحيل الديكتاتور. بل فعلت ذلك نيابة عن العراقيين، بالتواطؤ مع المخابرات الإيرانية والسورية والسعودية والبريطانية، حين فرضت على المعارضة العراقية سياسيين لا يملكون من السمعة الطيبة والنزاهة والاستقامة شروى نقير، تم اختيارهم على أساس قدرتهم على تحقيق مصالحها العليا المقررة للعراق وللمنطقة، قبل أي ولاء آخر. لم تهتم بأفكارهم وارتباطاتهم وثقافاتهم الطائفية والعنصرية، ولم تغير تصميمها على تسليمهم رقبة العراق حتى بعد أن كشفت حقيقة الكثيرين منهم، وتأكدت من أن بعضهم ولد ونما وترعرع في أحضان الولي الفقيه.
ألم تدرك، حين قررت أن تفرض هؤلاء حكاما لدولة كالعراق تتميز بتعدد طوائفها وقومياتها وأديانها، أنها بذلك تجيز لهم أن يجعلوا التآمر والافتراء والتسقيط والاختلاس والقتل والاغتيال قواعد ثابتة تقوم عليها الدولة الجديدة، من أجل منافع شخصية وحزبية هابطة، خلافا لوعودها المعلنة السابقة بجعل العراق بؤرة مشعة على المنطقة بالديمقراطية والحرية والسلام؟؟.
ألم تتوقع أن يلجأوا، لتعزيز مكاسبهم وتثبيت زعاماتهم، إلى تعميق الكراهية والعداوة بين الطوائف والقوميات والأديان والمناطق، ويشعلوا في الشارع العراقي حروبا شعبية لا تتوقف ولا تنتهي؟؟.
ترى هل كانت أمريكا تريد فعلا نقل العراقيين من جحيم الديكتاتورية إلى نعيم الديمقراطية بصدق وأمانة، لكن السياسيين العراقيين غدروا بها بعد أن وقع الفاس في الراس؟؟
إذن لماذا لم تدعم عشرات من الأحزاب والتيارات والشخصيات الوطنية التقدمية المعروفة بالنزاهة والأمانة والشرف؟. ولماذا رفضت الدعوات العديدة لتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة مؤلفة من خبراء مستقلين عن الأحزاب، وليبراليين غير متحيزين لفئة أو دين أو طائفة، تتولى إعداد قانون انتخاب عادل ومتوازن، وتشرف على انتخابات نزيهة، وتعمل على توفير الأرضية الصالحة لقبول المواطن العراقي بالوسطية، وتُشيع ثقافة التدوال السلمي للسلطة، وترسي الأساس القوي والسليم لنظام ديمقراطي متدرج تتولى تطويره وتعميقه وترسيخه أجيال من السياسيين الديمقراطيين الحقيقيين غير المفروضين بقوة السلاح أو المال أو بفتاوى رجال الدين؟؟.
إن ما حدث في عام 2003 لا يترك لأحد مجالا للشك في أن أمريكا، بالتواطؤ العفوي أو المقصود مع إيران، أرادت أن ُتدخل العراق في نفقه المظلم الحالي، حين اخترعت ما يسمى بـ  (مجلس الحكم) الذي أرسى قواعد المحاصصة، وأباح توزيع وظائف الدولة وثرواتها على الموالين والمحاسيب والمناصرين، دون اعتبار لكفاءة ونزاهة ووطنية، بل على درجة التفاني في خدمة السيد الزعيم.
والأعجب من كل شيء أن نجد من الكتاب والمعلقين والمحللين، بعد كل الذي جرى ويجري، من يدافع عن النظام القائم في العراق، ويعتبر ما فيه من تمزق وعصبية وطائفية وفساد ديمقراطية وحرية، تماما كما يتغنى المالكي دائما بالوحدة الوطنية والديمقراطية وهزيمة الإرهاب.
إن الأمل ضعيف في عود العافية إلى الوطن ما دام هؤلاء على رأس الوليمة. ترى هل يعود الوطن إلى أهله من جديد؟ ومتى يعود؟

أحدث المقالات