حين أَوقَفَ (شرطيٌ) يوناني قبل أيام (وزيراً) يونانيا سابقا وسأله عن أوراق سيارته، واكتشف ان فيها تزويراً، اعتقله فوراً، وسيق الوزير الى مركز من مراكز الشرطة مخفوراً …
وتناقلت وكالات الانباء هذا الخبر ، ونشرته العديد من الصحف هنا وهناك…
وما أثار انتباه الناس ، خاصة في بلدان العالم الثالث ، ومنها بلدنا، كيف استطاع هذا الشرطيّ اليوناني ان يتجرأ على الوزير السابق ؟!
انهم يتوقعون من الشرطيّ اليوناني ان يكون كالشرطي الموجود معهم ، يتغافل عن ما يرتكبه (الكبار) من مخالفات قانونية ، ويبادر الى مساءلة سائر المواطنين الآخرين ، ممن ليسوا من أهل الجاه العريض ، والمكانة العالية ، بكلّ حزم وصرامة .
ان من مؤشرات رقي البلد ، الالتزام بأهداب القانون ، والدقة في اخضاع الناس لمقتضياتهِ ، دون تفريق ولاتمييز بين رئيس ومرؤوس ، ولابين كبير وصغير …
وهذا هو المعمول به لا في (اليونان) وحدها بل في الدول المتقدمة كلها ..
ودساتيرنا تنص على ان المواطنين متساوون أمام القانون، ولكنّ النظرية شيء والتطبيق العمليّ شيءٌ آخر …
يشاهد الناسُ بعض ابناء المسؤولين لا المسؤولين انفسهم – وهناك رتل ضخم من السيارات المصفحة ترافقهم في تنقلاتهم من مكان الى اخر- بينما يسير المواطن العراقي الذي لايمت الى المسؤولين بنسب ولا سبب، مكشوف الصدر والظهر ويبقى عُرضة للهجمات الارهابية المسعورة ..!!
ان هذه الفوارق المصطنعة بين المسؤولين وابنائهم من جانب، وبين المواطنين من جانب آخر، ما هي الاّ آفات تنخر النسيج الاجتماعي والسياسي للعراقيين ، وتعمّق الهوة بين السلطويين وبين أبناء الشعب العراقي، الأمر الذي يقود الى ألوان من المردودات السلبية على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال ….
إنّ هذه الفوارق المصطنعة ، ما أنزل الله بها من سلطان.
وفي تاريخنا ما يؤكد ان الامة الاسلامية كانت السبّاقة حضارياً في تعاملها الانساني العادل مع المواطنين جميعاً على حدٍّ سواء ، ودون تفريق بينهم انطلاقا من أنّ التفاضل بينهم انما هو بالتقوى …
الشاهد التاريخي
راهن أحدُ ابناءِ (عمرو بن العاص ) أعرابياً بمصر في سباق الخيل ،وحين سبقه الاعرابي هجم ( ابن العاص ) عليه بالعصا وضربه على رأسه وقال له :
” خذها وأنا ابن الاكرمين “
قالها بكل غطرسة وعنجهية ، مستنداً الى سطوة أبيه وما يملكه من دهاء ونفوذ …!!
وحين سمع (عمر) بهذه الحادثة أصدر أوامره باحضار الولد وأبيه الى المدينة المنورة .
وحين قاما بين يديه ، قال للأعرابي :
” دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين “
فضرب الأعرابي ابن الأكرمين حتى اثخنه ، فقال عمر :
” أجلها على صلعة عمرو ، فوالله ما ضربك إبنهُ الاّ بفضل سلطانه “
ثم التفت (عمر) الى ابن العاص فقال له :
” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً “
ومن الواضح أنَّ ضارب الاعرابي هو (الابن) لا (الاب) عمرو بن العاص، ومع ذلك فقد ضُرب الأب على صلعته ، لأنه السبب الذي أطغى الولد
والسؤال الآن :
هل حوسب مسؤول كبير واحد عما ارتكبه ابنه أو أولاده من مفارقات واختراقات للقوانين والموازين ؟
ان الناس ينشدون العدل، ويتطلعون الى ان يكون القانون فوق الجميع ومن دون استثناء …..