كان العرب قبل الإسلام يصنعون الأصنام من طين أو فخار ويتركونه حتى يجف وبعد ذلك يضعونه في مكان ما ويتم التبرك به وطلب قضاء الحاجات منه وبالنهاية يصبح إلها يعبد
ولو سألتهم عن سبب عبادتهم للصنم الذي صنعوه بأيديهم لقالوا لك نحن لانعبده انما نتقرب به الى الله وهو الوسيط بيننا
وهي معادلة عجيبة فكيف بالصانع يطلب من المصنوع أن يكون وسيطا بين الخالق والمخلوق
على كل حال
على مر التاريخ تعددت الصنمية ولم تعد تقتصر على صنم مصنوع من الفخار بل تغيرت الأنماط والأشكال والطرق رغم ان الفكرة بقيت واحدة لم تتغير
ففرعون كان صنما ولكن بهيئة إنسان وكان يتخذ من نفسه إلها وعلى الرعية عبادته وكان هو الرازق الكريم الشديد القوي الرحيم بنظرهم ومن يرى عكس ذلك فقد كفر وحل دمه وماله ( ان وجد عنده )
وبالعصر الحديث تغيرت الصنمية فلم تعد ذلك الصنم المصنوع من الفخار ولاذلك الذي بهيئة إنسان انما أفكار يؤمن بها البعض ويعتبرها مقدسة
ومن هذه الأفكار الشيوعية والقومية والنازية وغيرها
وكلما تطور الإنسان تطورت معه الصنمية وأصبحت أكثر شمولية وأكثر تعقيدا ولكن الفكرة بقيت كما هي لم تتغير
الإنقياد للصنم وطاعته أمر لانقاش عليه بالنسبة لمن يؤمن به وأن ترى الأبيض أسودا اذا قال ذلك وإن كانت عيناك تراه أبيضا
وأن ترى السارق بريئا اذا قال ذلك وإن ضبط بالجرم المشهود
وأن ترمي بنفسك من أعلى الجبل في الوادي اذا طلب منك ذلك لأنه في مصلحتك كما يقول لك الصنم
وكان الإنسان وعلى مر الأجيال ينصاع لهذا الصنم فترة من الزمن ولكنه يبدأ بالتمرد بعد ذلك لكن عندها يكون قد أصبح للصنم أتباعا متحمسين ومدافعين عنه أكثر من دفاعه عن نفسه ويصبح هؤلاء أكثر غطرسة وغلو وبطشا من الصنم نفسه
ويسجل لنا التاريخ ان الإنسان المتمرد بطبعه وهو الذي يتمرد أحيانا على الحق فهو يتمرد أيضا على الباطل لذلك تجد أن الصنمية وعلى مر التاريخ لم تبق صامدة أمام موجات التغيير الكلي أو الجزئي
فالإسلام عندما جاء فإن أول شيء قام به هو محاربة الأصنام وأن المسلمين عندما فتحوا مكة فإن أول عمل قاموا به هو تحطيم الأصنام ،، عندما تحطم الصنم فاقت الناس من غيبوبتها وشعروا بأن العهد الماضي كان ظالما سيئا مستعبدا وأنهم يطمحون الآن الى عهد مغاير تماما
ماحصل مع المسلمين حصل مع موسى عليه السلام عندما حطم صنمية فرعون وساوى بينه وبين بني اسرائيل وهذا مالم يقبله فرعون فدار الصراع بين موسى وفرعون وأعتقد انكم تعرفون نهايته ولكن المهم في هذا الأمر أن صنمية فرعون قد سقطت ولم يعد له قيمة لدى بني اسرائيل
وماحصل كذلك في العصر الحديث مع الشيوعبة فعندما سقط صنم لينين سقطت معه الدولة السوفيتية الكبيرة والقوية وتبعثرت الى أكثر من ١٥ دولة وكذلك سقط جدار برلين وسقطت الهيمنة الشيوعية في اوربا الشرقية
ولو عدنا الى سنوات قليلة مضت لوجدنا أنه ورغم تمركز القوات الأمريكية في مناطق متعددة في العراق عام ٢٠٠٣ الا انه لم يشعر أحد بأن نظام صدام قد سقط الا بعد سقوط تمثاله وصنمه في ساحة الفردوس
وهذه الأيام نعيش ثورة الشباب العراقي الذي انتفض ضد الظلم والفساد والإستبداد
الشباب الذي ملأ ساحة التحرير في بغداد والساحات الأخرى في محافظات العراق كان يعيش صراعا في داخله فقد صنع النظام له صنما وحشروه في رأسه طيله ١٦ عام وكان هذا الصنم قوي ومتمركز وتحول الى إله بل لا أبالغ اذا قلت انه بلغ مستويات لدى البعض تعدت الألوهية فرب العالمين يتجرأ البعض على شتمه في الشارع وأمام الناس ولا أحد يوبخهم او يمنعهم بينما لايستطيع أحد أن ينتقد مجرد انتقاد الصنم الموجود بالعراق او توجيه اللوم عليه
هذا الصنم استطاع أن يغرس جذوره عميقا وأصبحت قاعدته قوية ورغم ثورة الشباب العراقي التي لم تستثني أحدا الا انها ترددت قليلا أمام هذا الصنم الذي استطاع ان يخدع الثوار ويلعب بطريقة اخرى مستفيدا من تجارب التاريخ لكي يبقى صنما ولو بدرجة أقل
المهم أن يبقى صنما ،، هذا مايريده
ويبدو ان الشاب العراقي ولكثرة ماعانى ونال من متاعب الحياة فإنه قد رضي ( لحد الآن ) بهذا الأمر
فصنم بإمتيازات أقل أفضل من صنم إله
ربما يكون الحل مؤقتا للطرفين
فالمعركة الفكرية بدأت بين الطرفين ولن تتوقف عند التعادل وإن رافقتها هدنة هنا وهناك
فلا الصنم سيقبل بهذه التنازلات للأبد
ولا الشباب سيقبلون بنصف إله لايسمن ولايغني عن جوع
ولأننا على ثقة بأن الإنسان دائما ماينتصر بالنهاية على الأصنام فإننا واثقين من أن هذا الصنم سيتحطم يوما
ولكن يبقى السؤال المهم ( متى )