لم تخرج دول الشرق الأوسط وتحديداً منطق الخليج من توتراتها وأزماتها المزمنة منذ إن دخلها الاستعمار البريطاني في فترة الحرب العالمية الأولى ١٩١٤م وقام بأقتسامها كمناطق نفوذ ووضع الحدود المصطنعة لتكون فيما بعد دولاً مستقلة تميل إلى التناحر والتباعد بدلاً عن الوحدة والتآخي تحقيقاً لغايات أستعمارية، ومما زاد الطين بلة هو تدفق النفط (الذهب الأسود) في المنطقة في ثلاثينيات القرن الماضي الذي شجع بالتأكيد على زيادة الرغبة لتحقيق تلك الغايات.
ولم يقتصر الأمر على ما ذكرناه سلفاً بل قام الإستعمار البريطاني بزرع الكيان الصهيوني في قلب المنطقة العربية خلافاً للعهود والمواثيق التي قطعها للعرب،
ثم دخول النفوذ الأمريكي خلفاً للإستعمار البريطاني بقواعده العسكرية وتدخلاته المباشرة السرية والعلنية،حتى وصل الأمر إلى التدخلات الحرببة لإسقاط أنظمة الحكم وفرض ارادته تحت عناويين وحجج مكافحة الإرهاب، ونشر الديمقراطية، ونزع اسلحة الدمار الشامل، وحماية المصالح، وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان،
ولم تكن هذه التدخلات كلها مدعومة بالغطاء الشرعي الأممي بل كانت اغلبها خارج هذه الشرعية وذات أجتهاد وتطبيق أحادي الجهة موكول إلى القوة السياسية العسكرية والإقتصادية والهيمنة الدولية التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية.
ولو تأملنا حقيقة هذه التدخلات ذات الشعارات البراقة والصفات الجذابة لوجدناها إنها تختزل في حقيقتين أساسيتين هما المصالح السياسية والإقتصادية ومن جهة، وحماية الكيان الصهيوني من جهة أخرى،فكل هذه الأزمات، والتوترات، والحصارات، والحروب. هي لإجل هذين الهدفين المهمين.
ومن المعلوم إن أهمهما هو تحقيق رغبات الصهاينة التي لايمكن إن تقف عند حد.
فبالرغم من قبول هذا الكيان المسخ من قبل بعض الدول العربية وغيرها من دول المنطقة إلا أنها لم تنته مأساتها ومأساة شعوبها،والسبب هو أستمرار عمل المعامل الصيهوامريكية بحياكة الدسائس تلو الدسائس في سبيل إن لايكون هناك أستقرار وهدوء وبالتالي الإلتفات إلى التنمية الإقتصادية الشاملة التي تتضمن تقوية الأجهزة والمؤسسات العسكرية والمدنية لدول المنطقة ومايعكسه ذلك من تحقيق للسيادة على اراضيها وإمكانية الدفاع عن نفسها دون الحاجة إلى تحالفات مشبوهة وقواعد عسكرية تفرضها الهيمنة الأجنبية، فضلاً عن تحقيق الرفاهية والإزدهار لشعوبها وهذا مما لا يرتضيه الكيان الصهيوني حتى لو عقدت معه ألف معاهدة سلام فطبيعة الكيان الصهيوني طبيعة قلقة (ضربت عليهم الذلة والمسكنة) وبهذا لايمكن له إن يطمئن أبدا وهو يرى أن وجوده مرهون بأستمرار هذه الأزمات والتوترات إلى ما لا نهاية.
وفي هذه الأيام تشهد المنطقة المحاولات المتلاحقة من قبل امريكا لتركيع الشعب الإيراني من خلال فرض المجاعة عليه خلافاً لكل القيم السماوية والأرضية والأعراف الإنسانية لأجل أملاء الشروط على النظام الإيراني.
والمعروف أن سياسية فرض الحصارات الإقتصادية يقع عبأها الاكبر على ابناء الشعب وخصوصاً ذوي الدخل المحدود،
كل هذا والمسألة بدون أي مسوغ قانوني أممي أو على اقل إتفاق دولي بل هو توجه صهيوأمريكي بحت وبمباركة بعض الدول الخليجية،
إن من بين الدوافع التي تشجع حصول من امثال هذه الأعمال المقيتة ضد شعوب المنطقة هو التباين السياسي، والفكري، والمذهبي، بين انظمة الحكم في دول المنطقة فضلاً عن المصالح المتضاربة فيما بينها حتى أصبحت المنطقة بدولها وشعوبها تتمثل في محورين متضادين وهما المحور الإيراني الذي يرفض الوجود الصهيوني والهيمنة الأمريكية والمحور السعودي المخالف لما تقدم،
إلى جانب الرغبة الأكيدة لمد الهيمنة المذهبية والفكرية لكل منهما في مختلف البقاع الرخوة سواء داخل المنطقة او خارجها،
ولأجل تحقيق هذا الغرض أستخدمت وسائل متعددة أبرزها الوسيلة الإقتصادية.
ولا تقتصر حالة عدم الأستقرار على ذلك فحسب، بل هناك المشاكل التي تحصل فيما بين الدول العربية قديماً وحديثاً ومنها على سبيل المثال بالنسبة للزمن الحالي حرب التحالف السعودي الإماراتي ضد اليمن وكذلك مشكلة قطر المتحالفة مع اعداء السعودية وبقية دول الخليج، ومازالتا إلى الآن لم تحسم.
والغريب في الأمر أنه بعد مايقارب الاربعين عاماً لم يحصل تحسن في العلاقات بين المحورين المذكورين بشكل مرضي لاجل إن تستقر المنطقة استقراراً حقيقياً على الرغم من اندلاع حرب الثمان سنوات بين إيران والعراق الذي وقفت إلى جانبه دول الخليج وعلى رأسها السعودية والكويت والإمارات بصورة متفاوتة.
وقد أدت هذه الحرب إلى دمار البلدين المتحاربين وكذلك إلى الأضرار بالمنطقة ككل،
كما إن حصول احتلال الكويت من قبل النظام السابق في العراق والذي قلب علاقات دول المنطقة فيما بينها رأساً على عقب بسبب التأييد والرفض لمسألة الإحتلال لتحدث بعد ذلك حرب الخليج الثانية التي افضت إلى دمار شامل لكل من العراق والكويت، وايضاً تضررت دول المنطقة عامةً من جراء هذه الحرب ولم يستفد منها سوى الكيان الصهيوني وكذلك الدول التي رهنت مصالحها بعدم استقرار المنطقة لكي تستمر شركاتها التسليحية بعملها الدؤوب على حساب دماء والآلام شعوب المنطقة.
من هنا كان يفترض إن يكون لهذه الحروب وما خلفته من دمار ومعاناة الدور الكبير في تحفيز دول المنطقة إلى نشدان الهدوء والاستقرار ولكن مما يبدو إن ما جرى ويجري هو عكس المطلوب.
وبعد تشخيص أسباب عدم استقرار المنطقة منذ بديات القرن المنصرم وحتى الوقت الحاضر نؤكد على إن انظمة الحكم لدول المنطقة تتحمل المسؤولية كاملةً في المساعدة على زعزعة الأستقرار وذلك للتباين الحاد في المواقف والسياسات سواءً تعلق الأمر بأجتهاداتها الشخصية أم بتأثيرات خارجية وما ترتب عليه من تأزم وتوتر مزمن صب في مصلحة اعداء شعوبها التقلديين ويبقى السؤال ملحاً متى يستقر الخليج؟