18 ديسمبر، 2024 9:54 م

متى يتم توثيق تراث الصابئة المندائيين في العراق؟

متى يتم توثيق تراث الصابئة المندائيين في العراق؟

إيران تتبنى إتفاقية اليونسكو والعـراق لا!

لا نزاع في الأصل الرافديني لديانة الصابئة المندائيين وهو ما جعلها تترجم وتحتفظ بالكثير من علامات هذا الأصل في معتقداتها التوحيدية القديمة، وفي طريقة كتابة أدبها، وفي طقوسها القائمة على الماء وفرة في دجلة والفرات، حد أن الفرات عندهم فراش زيوا ” بساط النور” منبعه من عالم الأنوار، وفي لغتها بأبجديتها التي ما تزال تحفظ أصول المئات من المفردات الشائعة في اللسان العراقي وأشهرها ” أكو، ماكو، ﭽـا، يمعوّد..”، كما حافظوا على فن الصياغة منذ مصوغات سومر وحتى اليوم. يشار دائما أنهم: إرث عراقي أصيل، فأين العراق من توثيق هذا الأرث بعد أن أجبرتهم ظروف وطنهم إلى مغادرته، ولم يتبق منهم فيه اليوم سوى نسبة لا تزيد عن 20%.

إنشغل الصابة المندائيون في المهجر بتدبر إقامته الجديدة، ومن في العراق يتنازعه الخوف والقلق الدائم حول مصير الوجود.

في عام 1990، وعلى أثر عودة وفد المجلس الروحاني الأعلى من زيارته للفاتيكان ولقائه قداسة البابا الأسبق يوحنا بولص الثاني، قمت بمخاطبة منظمة اليونسكو طلبا لقيام المنظمة بتبني مشروع توثيقي للحفاظ على الإرث الثقافي للصابئة المندائيين، وبعد فترة إستلمنا ردها بإحالة الطلب إلى المفوضية الوطنية لليونسكو في العراق. قمت بمراجعة دائرة المفوضية ويومها كانت في وزارة التربية، وبقينا نتأمل خيرا، لكن الموضوع أدخلته الجهات الأمنية للنظام السابق ضمن “مخاطبة جهات دولية دون إذن وتسلسل رسمي!” مع أن النظام الداخلي للمجلس الروحاني الأعلى للصابئة المندائيين يقر لهم مثل تلك المخاطبات. والغريب أن تلك الجهات فاتحتنا للسكوت عن الأمر لقاء مساومات خاصة، فأجبرنا على مغادرة العراق.

وفي عام 2005 أعدت الكرة بمخاطبة اليونسكو للمساعدة في تبني برنامج لتوثيق اللغة المندائية كونها لغة مهددة بالإنقراض، وخاطبت من أجل ذلك ممثلية اليونسكو في الشرق الأوسط وكان لها دورا في مخاطبة الأمين العام لليونسكو، فكان من ذلك أن سُجلت اللغة المندائية ضمن أطلس اليونسكو للغات المهددة بخطر الإنقراض للعام 2006. وبقينا أيضا نتأمل أي دعم يسند ذلك الإقرار. ولما لم يتم شيء بالخصوص قمت في عام 2007 بزيارة مكتب جمهورية العراق لليونسكو في باريس، ولم أتمكن من مقابلة مسؤول لعرض الأمر عليه لعدم تواجدهم يوم الزيارة. وحين عدت خاطبت المنظمة مرة أخرى مستفيدا من إعلان الأمم المتحدة إعتبار عام 2008 السنة الدولية للغات الأم. وجاءتني الإجابة بأن: منظمة اليونسكو تقوم على دعم هذه البرامج من ميزانيات الدول الأعضاء، والعراق كبلد عضو لم يوقع على الإتفاقية بخصوص هذا الموضوع. إستغربت كثيرا، فالعراق بلد أول اللغات والأبجديات، وله من المفردات التي مازالت في التراث الإنساني عامة، لكن إهتمامه اليوم بمثل هذه الأمور لا يعد يذكر. وقد طلب مني مفاتحة جهات رسمية في العراق، وفعلا قمت بكتابة رسالة إلى وزارة الثقافة وأخرى إلى البرلمان العراقي، ولا أعرف إن كانتا قد وصلتا أم وصلتا وأهملتا.

محاولاتنا الفردية أدت إلى أن نطور فونت كومبيوتري للحرف المندائي، ووضع كتاب تعليمي للمستوى الأساس، ووضع قاموسين أحدهما مندائي عربي وبالعكس، والآخر مندائي إنكليزي وبالعكس، ووضعنا معجم المفردات المندائية في العامية العراقية، وسعينا لإيجاد صفوف تعليمية، ونصورا أفلاما للطقوس، وكل ذلك بجهود فردية غير مبرمجة تكتنفها الصعوبات ومحدودة جدا من حيث الإمكانات.

واليوم، تضيف اليونسكو مشروعا كبيرا آخر يتمثل في “حماية الإرث الثقافي غير الملموس Intangible cultural heritage ” للشعوب في بلدانها.

https://en.wikipedia.org/wiki/Intangible_cultural_heritage

وهذا المشروع القيم يعمل على توثيق كل ما لم يتم الإنتباه له من قبل الدول والمنظمات الإنسانية والأكاديمية مما لدى الشعوب خاصة ما كان مهددا منه بالإنقراض أو التأثر بالتغيير والإهمال. وسجلت ودعمت اليونسكو لحد الان ما يقرب من 126 تراثا عالميا من خلال قيام كل بلد بتبني برنامج لذلك يقوم على تويثق وحفظ ذلك التراث الثقافي في ضوء أسس ومعايير محددة يساهم فيها أتباع ذلك الإرث.

مرة أخرى أثار فينا هذا المشروع المسعى لأن يقوم العراق وبدعم من منظمة اليونسكو بتبني برنامج لتوثيق تراث الصابئة المندائيين الثقافي كجزء من تراث العراق الذي لم يتم توثيقه بشكل نظامي. وما حفزنا أكثر أن جمهورية إيران الإسلامية قد أقرت ذلك من جانبها حيث يفيد الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام أن رئيس مؤسسة التراث الثقافي والصناعات اليدوية أوعز إلى محافظ خوزستان بتوثيق التراث الثقافي المكتوب للصابئة المندائيين والذي يأتي تلبية وتماشيا مع المعاهدة الدولية الخاصة بحماية التراث غير الملموس للعام 2005.

http://www.irna.ir/ar/News/82929712

فإن كانت إيران مع كل إنشغالاتها وما يؤخذ عليها من عدم إهتمام بالأقليات الدينية قد تبنت ذلك تقديرا منها لما لدى الصابئة المندائيين من تراث في إيران، فما بالك بالعراق بلد الأصل الرافديني للصابئة المندائيين، وبلد الوجود الأكبر لهذه الديانة الذي يشار له حينما تذكر هذه الديانة وأتباعها في المحافل الأكاديمية والإنسانية والتراثية ضمن منابع أديان الشرق؟

إنه إستحقاق عراقي أصيل نضعه أمام أعين الجهات المسؤولة في البرلماني العراقي ووزارة الثقافة ونأمل فيه حقا هذا التوثيق خاصة وأن الكثير مما يمتلكه الصابئة المندائيون في إرثهم الثقافي بات مهددا بالضياع والإنقراض وأبرز ذلك لغتهم العراقية الأصيلة، كما أن طقوسهم الدينية وشعائرهم العريقة مما يستحق أن يحفظ ويعرض مثالا على قدم وعي الإنسان وإقدامه للتعبير عن قيمة الحياة بتقديس الماء الحي طهارة وصبغة باسم الحي الأزلي.

انقر هنا من أجل الرد أو الرد على الكل أو إعادة التوجيه