23 ديسمبر، 2024 1:51 ص

متى يتقن السياسي الكوردي فن الخطابة واختيار الكلمات المناسبة في خطاباته وتصريحاته وأحاديثه؟

متى يتقن السياسي الكوردي فن الخطابة واختيار الكلمات المناسبة في خطاباته وتصريحاته وأحاديثه؟

قبل عدة أيام دعيت إلى اجتماع من قبل جهة سياسية كوردية لمداولة ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط مِن متغيرات، وكذلك التحضير والتحشيد لمسيرة جماهيرية حاشدة للجالية الكوردية في عموم مملكة السويد تنديداً بالغزو التركي الطوراني لغربي كوردستان. لقد حضر الاجتماع ممثلون عن عدد من التنظيمات الكوردستانية وثلة من الجالية الكوردية، ودار خلال الاجتماع نقاشاً ساخناً بين الحاضرين، حتى وصل مستوى سخونة النقاش إلى حد التلاسن بين اثنين من الموجودين، لكن بعد برهة وجيزة وبفضل تحكيم العقل والشعور القومي النبيل عاد الهدوء إلى القاعة وانتهى الأمر بسلام وتقبيل اللحى.
لكن النقطة التي أريد أن أقف عليها في هذا المقال، هي جملة أخطاء جسيمة تجري على ألسنة السياسيين الكورد بكل مستوياتهم ودرجاتهم الحكومية والحزبية، دون أن يفكروا بها أو يقفوا عليها مِن أجل عدم تكرارها ثانية، لأنها أخطاء قاتلة تؤثر سلباً على المنظومة الفكرية لدى المواطن الكوردي، الذي يردد ما تقوله قياداته وسياسييه دون تحليل وتمحيص.
عزيزي المتابع الكريم، كما تعرف، أن كل شيء موجود على كوكبنا الدوار له لغة خاصة يعبر بها عن نفسه وعن مكوناته، فعلم الطب له لغته ومصطلحاته الطبية التي يعبر بها كما أسلفنا عن مفرداته العلمية، وهكذا الهندسة، والاقتصاد، والسياسة، وهذه الأخيرة هي التي موضوعنا لهذا اليوم. فمثلما لا يجيد أن يتكلم بطريقة سليمة ومفهومة لغة الطب غير الطبيب، ولغة الهندسة غير المهندس، ولغة الاقتصاد غير الاقتصادي، هكذا هي لغة السياسة، حيث يجب على الإنسان السياسي أن تمتاز مفردات لغته عن لغة رجل الشارع؟ عن لغة المواطن العادي، الذي يختار اللغة التي تناسبه وتتوافق مع وضعه الاجتماعي وتكون تأثيره محدوداً ليس له تأثيراً سلبياً على سائر المجتمع مثل التأثير الذي تتركه كلمات الإنسان السياسي. إن الكلام كما قيل سلاح ذو حدين، إذا استطاع السياسي أن يستخدم مفرداته بطريقة صحيحة يعود مردوده الإيجابي عليه، وعلى الشأن الذي يتكلم عنه، وأن استخدمه خطأ تنقلب مفرداته ضده، وضد ذلك الموضوع الذي يطرحه، لأنها تحمل بين طياتها المعاني الكثيرة سلباً أو إيجابا. إذاً، يجب على السياسي الكوردي أن يكون حذراً ويمعن النظر جيداً في اختيار كلماته، لأن المسئولية الوطنية والقومية التي تقع على عاتقه ليس فيها غير التفكير الذي يجيش في داخله ومن ثم يترجم على لسانه بصيغة كلمات، التي تترك أثراً كبيرا في المجتمع قد توصله إلى بَر الأمان، أو إلى الفوضى والفتنة واللامعقول.
لكي يكون موضوعنا ذا جدوى، دعني عزيزي القارئ أن استحضر عدة أقوال يستخدمها السياسي الكوردي خطأً في هذا المضمار، على سبيل المثال وليس الحصر، يسمي العدو المحتل بالأخ!! “برا عەرەبەکان= إخواننا العرب!!” والأتعس منه يسمي الكائن التركي القادم من طوران، الذي يقول صراحة وبصوت عالي لو كوردستان على القمر لم ولن أقبل بها بـ”برا تورکەکان= إخواننا الأتراك!!”الخ. كيف بسياسي يمنح صفة التضامن والمودة لعدو غاشم ومحتل لا يألوا جهداً لإبادة الشعب الكوردي من الوجود؟؟!!. لنفترض ليس بمقدورك أن تواجهه بالمثل، لكن تستطيع أن لا تمدحه أيضاً، لأن مدحك هذا سيجد طريقاً له إلى عقل المواطن الكوردي، وسيتصور حقاً أن التركي الطوراني هو أخ وعضيد للكوردي، بينما العكس هو الصحيح. إن كنت أنت السياسي الكوردي مطية للأتراك أو العرب أو الفرس هذا شأنك،أعرض نفسك في سوق النخاسة بأي سعر بخس، سنقول عنك عميل لهؤلاء المحتلون.. . لكن لا تحاول أن تستحمر الشارع الكوردي بغبائك المركب؟. ألم تسمع أن العرب إلى الآن يطلقون على دولة إسرائيل اسم “الكيان الصهيوني” رغم أن دولة إسرائيل تأسست عام 1948 بقرار أممي، أي بقرار من منظمة الأمم المتحدة. وقبل الأمم المتحدة قال القرآن في المائدة 21 لليهود: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين. أرى إنها شرعية إلهية منحت لبني إسرائيل. لكن مع كل هذا، أن العرب لا يقبلون بإسرائيل ضمن جغرافية المنطقة وشعوبها؟!. بينما السياسي الكوردي الأجوف يطلق العنان للسانه لا يعرف ماذا يهرف. إن المسئولية الوطنية والقومية التي تقع على عاتق كل سياسي أن يقزم ويشوه عدو شعبه، لا أن يصفه بأوصاف أخوية يحنن قلب مواطنه عليه كأنه بحق وحقيقة أخ له ولدته أمه!!. على سبيل المثال، أن العرب منذ أيام الجاهلية قبل الإسلام أطلقوا على غير العربي تسمية العجم، لكنهم خصوا بها فيما بعد الفُرس وهي تسمية تهكمية، يقال العجم من كان في لسانه لكنة وعدم الإفصاح في الكلام. وبعد الإسلام أطلقوا عليهم اسم الفُرس المجوس أي الكفار. طبعاً هنا أيضاً حصل الكورد على حصة الأسد جاءوا بروايات وأحاديث وسموا بأبناء الجن والشياطين؟؟!!. طبعاً هناك تسمية أخرى تطلقه العرب على كل من لا يتوافق مع سياساتهم.. وهي الشعوبية، تزعم العرب أنها نزعة تنكر تفضيل العرب على غيرهم، وتحط من دورهم في بناء الحضارة. وفي المقابل إلى الآن الفُرس يسمون العرب بالأعراب، أي البدو الرحل. وكذلك الأتراك يسمون العرب بيس عرب أي العربي القذر. والعرب يسمون الأتراك بالطورانيين أي القادمون من طوران المنطقة التي تقع بين روسيا والصين وإيران وهذا يعني أن الأتراك غرباء عن منطقة شرق الأوسط. وحتى على مستوى الديني والمذهبي حيث الشيعي يسمي السني ناصبي، أي الذي ينصب العداء لأهل بيت النبي. ويخصون أهل السعودية بتسمية الوهابية وهم لا يرتضون بها ويعتبرونها كَسُبة لهم. والسني لإهانة الشيعة يسمي الشيعي رافضي. والإسلاميون يسمون المسيحيين بالنصارى وهم لا يقبلون بهذه التسمية لأنهم ليسوا نصارى؟. وهكذا تسمي العرب حروب الغرب معهم على بيت المقدس بالحروب الصليبية وذلك لزرع الحقد والكراهية ضدهم عند الإنسان المسلم لأن الصليب رمز لدين آخر غير إسلامي؟. والمسيحيون في الغرب يطلقون على المسلمين اسم ” محمدان” أي أتباع محمد؟. وهكذا المسلمون يسمون أتباع الديانة اليهودية بالـ”موسويين” وهم – اليهود- الذين لم يرتضوا به لأنهم لم يطلقوا على أنفسهم هذا الاسم؟. وفي خضم الصراع الطائفي بين السنة والشيعية نجد الأول تهكماً يسمي الثاني أتباع عبد الزهرة، وهكذا الثاني يطلق على الأول أتباع أنس الخ. بلا شك، أن كل فئة تستخدم المفردات.. التي تزخر بها قواميسه. إن من أولويات واجب السياسي أن يقوم بتشويه صورة عدوه. لكن يجب أن لا يخرج من إطار الأخلاق والقيم والمبادئ. طبعاً الذي عرضناه غيض من فيض وإلا هناك بحر من هذه الكلمات والمصطلحات البذيئة التي أطلقها أو لا زالت تطلقها كل فئة وشعب على الآخر من أجل أن تشوهها وتزرع كراهيتها في داخل فكر مواطنيه. لكن للأسف الشديد بخلاف كل هؤلاء نرى أن السياسي الكوردي كأنه لا يعيش في هذا العالم المتقلب حين يسمي الكائن التركي الطوراني الذي قام كيانه التركي على أساس العداء للشعب الكوردي؛ بالأخ التركي؟؟!!.
عزيزي القارئ، أن بيت القصيد في موضوعنا هو مصطلح.. قاله شخص سياسي في الاجتماع الذي ذكرته في صدر المقال، لكن لا يخامرني أدنى شك أنه شخص نزيه كل النزاهة، إلا أنه كبقية السياسيين الكورد لا يهتم كثيراً بمضامين الكلام ومردوداته وما وراء معانيه. إن المصطلح الذي قاله واستفزني، أنه وصف الكيان التركي اللقيط بالدولة، حين قال في سياق كلامه باللغة الكوردية: دەوڵەت ترك = الدولة التركية. أول شيء يجب أن يعرفه أخينا، أن الدولة لها شرعية الوجود. وتنبثق من خلال عقد اجتماعي بين المواطنين لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وحفظ مصالحهم، وتتمتع الدولة بالشخصية المعنوية وبنظام حكم وبالاستقلال السياسي .هل هذه الصفات موجودة في الكيان التركي؟ بالطبع لا، لقد شاهدنا هذه الأيام كيف ابتزته تارة أمريكا وتارة روسيا كي يسكتوا على ما يقوم به من جرائم بشعة ضد الشعب الكوردي الجريح. بناءاً على هذه وغيرها من أمور لا توجد شرعية للكيان التركي.. الذي أوجدته معاهدة لوزان التآمرية عام 1923 بالضد من إرادة الشعب الكوردي؟. السؤال هنا، أين شرعية هذا الكيان.. الذي لا يقبل به 20 مليون نسمة داخل حدوده السياسية التي خطت بحراب البنادق؟. عزيزي السياسي الكوردي، اعلم، بمجرد أنك تطلق على الكيان التركي المصطنع اسم دولة وهذا يعني أنك اعترفت به وأكسبتها الشخصية القانونية الدولية والسيادة على كافة الأراضي التي تقع تحت سيطرتها وعلى عموم المواطنين الذين يخضعون لجبروتها بالحديد والنار، وجعلتها من خلال إطلاقك اسم الدولة عليه أن تمتلك القوة العليا في داخل المجتمع، وتكون الآمر الناهي على كل الشعوب والجماعات داخل هذه الرقعة التي سميتها دولة. ربما كالعادة، لم يعرف الأخ المتكلم الذي نحن بصدده أن الكيان المسمى بدولة يمتلك الحق لإرغام المخالفين ومعاقبتهم للالتزام بقوانينها على تلك الأرض المحددة. فلذا، نحن لم ولن نطلق على أي كيان من الكيانات التي تحتل جزءاً من كوردستان اسم “دولة” بل هو كيان، وكيان غاصب ليس إلا، وباللغة الكوردية يسمى “قەوارە = قَواره” فعليه، يجب أن يمتلك السياسي الكوردي ثقافة واسعة ويتمتع بسرعة البديهية، وذلك من خلال هضمه للأفكار والنظريات، والمتابعة الدائمة والقراءة المتواصلة لما تطبعه دور النشر والطباعة، حتى يلم بكل ما يجرى في المعمورة ولها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمجمل القضية الكوردية في عموم كوردستان، وعندها سيجيد مخاطبة أبناء شعبه الكوردي بلغة سليمة وصحيحة ليس فيها أخطاء جسيمة قاتلة تؤدي إلى وأد الوعي القومي عنده.
04 11 2019

” أعطوني لسان خطيب واحد وخذوا مني ألف مقاتل”