19 ديسمبر، 2024 12:23 ص

متى يتعلّم حزب البعث ؟

متى يتعلّم حزب البعث ؟

أبشر فكل عظيمة وعظامها وقفٌ عليهم برؤها وسقامها
قولوا لاسرائيل إن هي أتأمت أن الجنوب بوسعه إتآمها
هي يا ابن نصر الله يقظة أمة ترجو التمام وفيك تمامها
……………………………
كان ذلك ختام قصيدة مهداة للسيد حسن نصرالله أبدعها قبل أيام شاعر الوطنية العراقية عبد الرزاق عبد الواحد الذي طالما احتفى به – عن حق – إعلام حزب البعث سواء قبل احتلال العراق أو بعده , فقد دأبت المواقع الالكترونية لحزب البعث على نشر عيون قصائده خاصة تلك التي مدح فيها الرئيس صدام حسين – رحمه الله – ولكن هذه المواقع تجاهلت تماماً رائعته الأخيرة لأسباب آن أوان تسليط الضوء عليها و طرحها للنقاش خاصة وأن القضية أعمق وأكبر من مجرد تجاهل قصيدة قيلت في مدح قائد حزب مقاوم حقق واحداً من أهم انتصارات العرب ضد اسرائيل وكسر إرادتها وأجبرها على طلب وقف إطلاق النار والانسحاب من أرض لبنان بدون مطالب ولا شروط .                                                 
في ظني أن المسألة تتعلق بقصور الرؤية السياسية لحزب البعث وهي للأسف مرض مزمن لم يبرأ منه الحزب برغم هول ما تعرّض له العراق وأهله والحزب ذاته , فعلى سبيل المثال كان إعلام النظام العراقي في التسعينات وحتى هزيمته عام 2003 يذيع أخبار معارك حزب الله ضد الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان وينسبها إلى ما كان يدعوه بالمقاومة الوطنية اللبنانية , وكأن تجاهل اسم حزب الله سينتقص من قدره أو كأن الناس كانت تجهل الحقيقة , وقد يكون هذا التصرف الساذج أخف وطأة من سلسلة المواقف التي اتخذها إعلام حزب البعث من حزب الله عقب العام 2003 , فقد سيطرت على مواقع البعث الالكترونية أقلام انساقت وراء غوغاء الطائفية التي لوثت وجه العراق عقب الاحتلال وما تبعه من هيمنة النفوذ الإيراني ودخوله طرفاً في مؤامرة تمزيق اللحمة الوطنية العراقية , فاندفعت تلك الأقلام في حملة عاتية ضد ايران خلطت العداء السياسي بالتعصب الطائفي , وكذلك أباح كاتب مثل السيد هارون محمد لنفسه في غمرة تلك الحملة العمياء ليقول في موقع “البصرة” أن أهل السنّة هم من بنى حضارة العراق وهم من علّموا شعبه المدنية ! والأسوأ من ذلك أن المشرف على ذلك الموقع وهو مشهور بكتاباته المملة , خرج على الناس بنظرية مؤداها أن حزب الله أداة اسرائيلية وأن قائده عميل للمخابرات الاسرائيلية ! ولم يتوقف أحد من قادة حزب البعث ليزجر ذلك  “المنظّر” وينبهه إلى فوات أزمنة التهريج وبضرورة التعلم واستخلاص الدروس من تجارب المقاومة المنتصرة , وليبصرّه بأن زمن الحملات الصليبية قد انتهى منذ قرون , وأن الصراعات بين الدول تحكمها عوامل السياسة والاقتصاد وليس المعتقدات الدينية والانفعالات الطائفية .      
ليس من عراقي وطني يرتضي تخريب ايران وعبثها في أرض العراق منذ عقود طويلة , ولكن يجب أن نتذكر أن هزيمة النظام العراقي قد أوجدت فراغاً سياسياً تقدمت ايران لملئه بحكم طبائع السياسة وحقائق الجغرافيا السياسية خاصة وأنها لم تواجه بمقاومة عراقية مؤثرة , فضلا عن ذلك كله فإن ايران هي الداعم الوحيد لحزب الله في حربه ضد اسرائيل , ومعروف أن هذا الحزب يعيش أوضاعاً لا يملك معها ترف اختيار أصدقائه في معركة مصير يخوضها نيابة عن الأمة بأسرها , ولعلنا لم ننس أن النظام العراقي الذي خاض حرباً وقائية ضد ايران لثماني سنوات , لم يجد أمامه في ساعة العسرة سواها في ذلك الشتاء الحزين من عام 1991 , ليتخذ منها ممراً بعث عبره برسله الدبلوماسيين إلى العاصمة الروسية موسكو ,  ثم أدهش شعبه والعالم بإيداع خيرة أسراب سلاحه الجوي لديها ؛ والشاهد أن ايران هي دولة خصم للعراق وللعرب بسبب طموحاتها التوسعية وبحكم التباين الثقافي والموروث التاريخي , ولكن هذا الخصم يمكن بشهادة التاريخ البعيد والقريب تحييده ودفع شرّه بعيداً عندما يمتلك العراق قوات مسلحة رادعة وقيادة سياسية ذات إرادة وقدرة , ولكن لا يجوز في جميع الأحوال تقديم الخطر الإيراني على الخطر الاسرائيلي أو الأميركي كما يفعل ذلك ” المنظّر ” ويلحّ في مقالاته على موقع ” البصرة ” , فالحتمية التاريخية التي تقول بزوال اسرائيل واقتلاعها من المنطقة العربية في ظرف تاريخي مؤاتٍ لا تنسحب قطعاً على ايران , فقد تمكن النظام الوطني خلال الحرب معها من كسر إرادتها في تصدير ثورتها إليه , ولكنه حاول فيما بعد تطبيع العلاقات معها بعد أن أمن شرها ؛ ومن الغريب أن يواصل حزب البعث الصمت عن العبث الفكري والنزق الطائفي لبعض إعلامييه في وقت يدرك فيه قادته – كما يقولون في لقاءاتهم الخاصة – أن نهضة الحزب واستعادته لدوره مرهونان بثقله الشعبي في محافظات جنوب العراق قبل أية منطقة أخرى .