23 ديسمبر، 2024 1:17 ص

متى يتعلم رؤوسائنا العرب

متى يتعلم رؤوسائنا العرب

من هذا المشهد؟

يعيش العالم كل أربع سنوات حالة من الترقب والقلق! وتتجه عيونهم وعقولهم وأفكارهم صوب الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجري الأنتخابات الأمريكية لأختيار الرئيس الأمريكي الجديد، ولم يقعد العالم كله ولم تنته حالة الترقب ألا بعد أعلان نتائج الأنتخابات.
ومن الطبيعي أن رؤوساء العالم يكونون الأكثر قلقا وترقبا لمعرفة من سيفوز بالرئاسة؟! وسبب كل هذا القلق والترقب هو أن أمريكا ومنذ تسعينات القرن الماضي وبعد أنهيار الأتحاد السوفيتي السابق أصبحت سيدة العالم بلا منازع، والعالم كله اصبح بقبضتها!
وصارت هي من تقرر سعادة ورفاه هذا الشعب في هذه الدولة وأبقاء هذا الرئيس، أو تحطيم ودمار هذا الشعب وأزالة رئيسه؟! ( وما جرى في الوطن العربي وما يجري من دمار وخراب وفوضى تحت مايسمى بثورات الربيع العربي هو خيردليل على ذلك).
ومن الصعب أن تتحدى أمريكا وقراراتها وما تعده في مطابخ مخابراتها وأستخباراتها من خطط ومؤامرات ضد هذه الدولة أو تلك، والرئيس العاقل هو من يجنب نفسه ودولته وشعبه من مغبة العناد والتصدي والوقوف ضد أمريكا!!؟ ( وما جرى على العراق بسبب عنجهية وغباء رئيسه السابق هو خير دليل على فشل ذلك العناد والتصدي غير المعقول وغير المتكافيء ضد أمريكا).
وهذا هو حقيقة الواقع الذي يعيشه العالم اليوم في ظل سياسة القطب الواحد الذي تتزعمه امريكا، وحتى الأزعاج البسيط والمغصة العابرة! الذي تسببه بين الحين والآخر روسيا القيصيرية الجديدة بزعامة الرئيس الروسي القوي (بوتين) لأمريكا، فهو لن يكون عقبة أمام تسيدها لهذا العالم وفرض ما تريد!.
وكل العالم شعر وتيقن تماما عن مدى سيطرة وتأثير أمريكا على هذا العالم من خلال القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي الجديد (ترامب) بخصوص الضوابط الجديدة للدخول لأمريكا، والذي أربك العالم كله وشغله وخلق حالة من الفوضى والترقب والقيل والقال وخروج التظاهرات،
ومن الطبيعي أن مثل هذا القرار يصبح المادة الأولى لكل وسائل الأعلام العامية وكل مواقع التواصل لأن القرار كان أشبه بالزلزال الذي ضرب العالم أجمع ولازالت تبعات أرتداده قوية من احتمال صدور قرارات جديدة!، هذه هي أمريكا وهذا ماصنعته بالعالم بقرار واحد، فما بالك بالقرارات التي ستتخذها بشأن أيران وملفها النووي والسعودية ونفطها والعراق ونفطه وحربه ضد داعش؟؟!.
نعود لصلب الموضوع بخصوص صورة ومشهد الأنتخابات التي جرت أخيرا في امريكا والتي فاز بها (ترامب)، فالمتابع لتلك الأنتخابات يلاحظ قوة المنافسة في المعركة الأنتخابية التي أنحصرت بين (ترامب) و(هيلاري كلنتون) ولغة الخطابات بينهما،
حيث كان كل شيء مباح لكل مرشح في تلك المعركة! في سبيل أسقاط خصمه والأنتصار عليه من سب وشتم وتعليقات ساخرة ودس وتلفيق وضرب تحت الحزام كما يقال،
ولكن في النهاية وهذا هو الأهم والذي نريد قوله هنا هو، أن كل هذا أنتهى بعد ظهور النتائج وأنتهت معها كل زوبعة الأنتخابات!، وأقتنع الخاسر بالنتيجة وكانت (هيلاري كلنتون) أول المهنئين ل (ترامب) بفوزه، وبكل روح رياضية كما يقال! أتعلمون لماذا؟ لأنهم وضعوا مصلحة أمريكا وشعبها بالأعتبار الأول وفوق المصالح الشخصية والحزبية والنظرة الأنانية الضيقة.
والعالم كله شاهد حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد (ترامب) وهو يؤدي اليمين الدستورية، وكيف كانت منافسته (هيلاري كلنتون) في مقدمة الجالسين بالصف الأول وأول المهنئين له مع بقية رؤوساء أمريكا الذين حضروا حفل التنصيب من جمهوريين وديمقراطيين،
هذا أضافة الى مشهد أستقبال الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) بصحبة عائلته للرئيس الأمريكي الجديد(ترامب) وفي جو عائلي بهيج وبفرح كبير يسلم الرئيس السابق (اوباما) مقاليد الرئاسة الى (ترامب) ويهنئه بالفوز ويتمنى له كل النجاح والتوفيق، ثم يترك الرئيس (اوباما) مكانه في البيت الأبيض ويأخذ عائلته بهدوء وبلا ضجة وحتى بلا حمايات!!.
ان أمريكا في كل انتخابات رئاسية بقدر ما تعطي درسا للعالم بأنها الدولة الأولى والأهم والأقوى في العالم، فأنها تعطي للعالم أيضا درسا بفن الديمقراطية والسياسة وتبين لهم رقي وتحضر ووطنية رؤوسائهم و سياسييهم، وطبعا رسالتهم تكون موجهة لكل الأنظمة الدكتاتورية بالعالم وللعالم العربي!
وشعوبه وقادته ورؤوسائه الفاشلين الذين يستلمون السلطة بالدم والدمار والأنقلابات ولا يسلمونها ألا وهم مقتولين أو معدومين بأيدي قادة جدد ليسوا أحسن منهم بل لربما هم اسوء منهم! ولكن هذه سنة الحياة في عالم ساسة العرب وقادتهم!.
وتاريخنا العربي ومنذ وفاة الرسول العظيم محمد (ص) تحديدا وبعد أنتهاء الخلافة الراشدية وما تبعها من حكومات ودول بني على أساس الصراع السلطوي والمجيء للحكم بالمؤامرات والأغتيالات والمكر والخديعة؟؟!.
بعد كل هذا وبعد مشاهدة العالم لصورة الأستلام والتسليم للسلطة بين الرئيس الأمريكي السابق (أوباما) والرئيس الأمريكي الجديد (ترامب) والتي كانت في غاية السلاسة والشفافية وكلاهما وضع مصلحة الوطن والشعب قبل كل شيء، نقول:
متى يتعلم الرؤوساء العرب وسياسييهم من هذا المشهد الديمقراطي الجميل؟ وتحديدا القادة والحكام الجدد للعراق بأعتبار أن العراق يخوض تجربة ديمقراطية جديدة منذ سقوط النظام السابق عام 2003؟!.
لا أعتقد اننا نحن العرب سوف نتعلم من هذا المشهد ولم ولن نتعلم أبدا!! فحقا ما قاله فينا المفكر العربي (بن خلدون): أن (آفة العرب الرئاسة؟!)، فالفرد العربي أن كان صغيرا أو كبيرا سياسيا أم غيرسياسي أيا كان مستواه وتعليمه وثقافته ونشأته هو مصاب بالمرض المزمن مرض حب السلطة والجاه والمنصب والتسلط على رقاب الناس والفتك والبطش بهم؟!،
في تناقض عجيب مع أسلافهم من الرسل والأنبياء والأئمة الأطهار والصحابة عليهم جميع افضل السلام الذين كانوا عنوان للتواضع والمحبة والعطاء والنقاء فكانوا حقا رسل الأنسانية والسلام لهذا العالم.
أرى أن الفارق كبير وكبير جدا بين عالمنا العربي بشعبه وقادته ورؤوسائه وملوكه وكل زعاماته وبين عالم الغرب؟، وسيظل هكذا الى ابد الدهر!، فارق ليس بالرقي الحضاري والعمراني والفكري والثقافي والأجتماعي فحسب
وأنما في بناء الأنسان من كافة الجوانب لأنه هو رأس المال وقد حرصوا أشد الحرص على ذلك البنيان جيلا بعد جيل، وكان ذلك من خلال سياسة رؤوسائهم وقادتهم البعيدة عن التسلط والأنانية وحب الذات والمنصب والجاه له ولعائلته ولمذهبه ولعشيرته كما يحدث عندنا!.
فلا زلنا نحن العرب بعيدين كل البعد عن فهم موضوع التداول السلمي للسلطة والمنصب من اجل المصلحة العامة والوطنية ليس على مستوى الرؤوساء فقط بل
حتى على مستوى مناصب وظيفية في وزارات الدولة ودوائرها حيث يتقاتلون عليها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة!،ومن الطبيعي أن ذلك لا يخلوا من روح الأنتقام!
وما يؤشر على ذلك الصراع السلطوي الوظيفي البعيد عن التداول السلمي هو ما حدث أخيرا في أقالة محافظ بغداد (علي التميمي) والذي يطلق على نفسه (خادم بغداد!!!) والذي هو في حقيقة الأمر(طيح حظ بغداد!!) وزادها خرابا ودمارا،حيث أن اقالته جاءت بعد أستجوابات وفضائح فساد وعراك وسب وشتم ومخازي لا اول لها ولا آخر!
والغريب أن أستجوابه من قبل البرلمان وأقالته جاءت من قبل التحالف الوطني الشيعي!! وتحديدا من (جماعة المالكي / دولة القانون!)، الذين أعتبروا أقالته أنتصارا لهم وضربة للتيار الصدري! الذي ينتمي اليه محافظ بغداد (علي التميمي)،
والمؤلم في الأمر أن أستجوابه ومن ثم أقالته لم يكن لفشله الذريع في أدارة بغداد المظلومة والجريحة وليس حبا لا ببغداد ولا بأهلها وأنما جاء أنتقاما على ما فعله أتباع التيار الصدري في محافظة البصرة (بالمالكي) وأنصاره عند زيارة الأخير للبصرة قبل شهرين لجس نبض الشارع البصري تحديدا والعراقي عامة وللترويج المبكر للحملة الأنتخابية لمجالس المحافظات، بعد أن طالته سلسلة من الفضائح المالية والسياسية والحزبية المخزية طيلة فترتي رئاسته للحكومة!،
ولكنه جوبه برفض شديد من قبل أهالي مدينة البصرة حيث رمي موكبه بالحجارة وأهينوا أتباعه وتم رميهم بالحجارة ومحاصرتهم ناهيك عن السب والشتم، وكل ذلك تم تحت انظار وسائل الأعلام المحلية والعربية والعالمية!؟.
وهنا لا بد من التذكير بأن (المالكي) معروف لدى العراقيين بعبارته الشهيرة(ما ننطيها بعد!!) والتي قالها في عشية الأنتخابات التي جرت عام 2010 وهو يخاطب أتباع الدكتور (أياد علاوي) وأنصاره الفرحين بفوزه بنتائج الأنتخابات، قبل أن تنقلب النتائج لصالح (المالكي)!! وليفوزهو بمنصب رئيس الوزراء.
نعود بالقول فعلى الرغم من مرارة وخراب ودمار ما تركته ما تسمى بثورات الربيع العربي فأنها أظهرت مدى خزي قادة العرب ورؤوسائهم ومدى تمسكهم بالسلطة ورغم دكتاتوريتهم المقيته والمفضوحة ألا أنهم جميعا كانوا يفوزون بالأنتخابات بنسبة 99%!!،
فهذا الرئيس المصري (حسني مبارك) لم يترك السلطة ألأ بثورة شعبية عارمة! والأنكى انه وخلال فترة حكمه التي قارب 32 عاما!! لم يعين نائبا له، ألا قبل أسبوع من تنحيه عن السلطة؟،
وهذا الرئيس اليمني( علي عبد الله صالح) فعلى الرغم من تعرضه لمحاولة أغتيال نجا منها بأعجوبة والتي لا زال يعاني من أثارها على بعض أجزاء من جسمه! وعلى الرغم من ثورة الشعب عليه بعد اكثر من 30 سنة من الحكم، ألا أنه لازال يقاتل من أجل العودة للحكم رغم الكارثة الكبرى التي حلت باليمن من جوع ومرض وخراب وموت المئات يوميا بسبب الحرب الدائرة باليمن منذ قرابة الأربعة اعوام ولا زالت!.
أما القذافي الذي حكم ليبيا 33 سنة والذي لم يترك السلطة ألا بثورة عارمة وكانت نهايته مأساوية ومخزية حيث تم أغتصابه قبل قتله! ولا زالت ليبيا تعيش فوضى كبيرة لا يعرف لها أول ولا آخر!؟،
وصورة الرئيس الجزائري الحالي (بوتفليقة) تثير السخرية قبل أن تثير الشفقة! حيث يحكم الجزائر بقبضة من حديد منذ قرابة 15 عام وهو مشلول وعلى كرسي متحرك ولا يريد ترك الرئاسة لغيره؟!
أما سوريا التي يعيش العالم كله مأساة شعبها وما حل بمدنها من خراب ودمار وموت بسبب تمسك رئيسها الحالي بشار الأسد بالسلطة والذي لا زال يقاتل في سبيل البقاء رغم أن سوريا لم يبق فيها شيء سوى دمشق العاصمة والتي تتعرض بين الحين والآخر الى تفجيرات وقصف بالهاونات من قبل الجيش الحر الذي ثار على بشار الأسد،
أما قصة الرئيس السابق صدام حسين ودكتاتوريته ومدى حبه للسلطة وسياسته الهوجاء التي اورثت العراق كل هذا الخراب والدمار والأحتلال البغيض من قبل الأمريكان فهي معروفة للجميع، وكيف أنتهى به المطاف مشنوقا بيد معارضيه!.
أقول أن ما نسمعه من قادتنا وسياسيينا نحن العرب وتحديدا العراقيين باعتبارنا نعيش تجربة ديمقراطية منذ سقوط النظام السابق! عن الديمقراطية ماهي ألا كذبة كبيرة!،
فطفيلي وجرثومة وبكتريا حب السلطة والجاه والمنصب والتمسك بها والتسلط على رقاب الناس تحت شعار (أعطني أمارة حتى على كومة من حجارة!)، لا زالت تجد
في أرضنا العربية وأهلها وناسها مناخا خصبا لها لكي تعيش وتنمو وتزدهر منذ قرون وستبقى كذلك بعد قرون!. ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي القدير.