2 نوفمبر، 2024 8:25 م
Search
Close this search box.

متى ننتهي من “بعبع” البعث الذي تنفخ فيه الحكومة ؟

متى ننتهي من “بعبع” البعث الذي تنفخ فيه الحكومة ؟

التحالف الحاكم ، وبالاخص بعض اطرافه ، مازال يعاني من كوابيس يقظة  بعضها من نسج الخيال ، الا ان تداعياتها على المشهد العراقي كارثية .  فالتمسك بكرسي الحكم اطول فترة يدعو الى اختلاق وصنع الاعداء …وهذا يؤدي الى سلوك مدمر على الصعيد السياسي والامني والاجتماعي .
يأتي كابوس البعث في المقدمة ، وتتراجع امامه كوابيس القاعدة والارهاب ، فينطبق على الطبقة الحاكمة والساندة لها المثل الشعبي ” اللي عضته حية يخاف من جرة الحبل ” . فبعد عشر سنين من سياسة الاجتثاث والمسائلة والعدالة الرسمية ، وعشر سنوات من سياسة الاغتيالات والتهجير والاقصاء غير الرسمية على يد الاحزاب وميليشياتها ،  وبعد أن انتهى البعث كتنظيم ولم يبق منه الا اشتات متفرقة وأفراد معزولون لا يمارسون اي نشاط يعيشون هاجس القتل والاعتقال المستمر ، ومابقي من تظيم عزت الدوري لا يمثل الا نفسه وهو قريب من المجموعات الدينية المتشددة والتكفيرية اكثر مما هو للبعث فكرا،  فلم اخذ الجميع بجريرة هؤلاء ولماذا مازال البعث بعبعا يخيف بعض الاطراف المتنفذة في الحكم  وينفخ فيه الى حد تشريع قانون لتجريمه ؟
من المعروف ان البعث كحزب انتهت سطوته على الدولة منذ امد بعيد قبل سقوط النظام …فالنظام السياسي ممثلا برئيسه استولى على الدولة والمنظمات الشعبية والحزب وصادر قراره وقياداته ، وجعلها جميعا ملحقا من ملحقات الدولة لتنفيذ لزوم مايلزم ومالا يلزم . وتحولت القيادات العليا في الحزب الى مجرد موظفين كبار لهم امتيازاتهم ورواتبهم كما اقرانهم في مفاصل الدولة …. وهؤلاء لا يزيد عددهم عن بضعة مئات او حتى الاف فيما مئات الالاف من ” الحزبيين ” هم مجرد ” أعداد ” او ” جماهير” لا تقدم ولا تؤخر انتمت للحزب اما اضطرارا او لمصلحة تقتضيها ضرورات التعيين في الوظائف اوماشابه… وحتى من انتمى اقتناعا بفكر البعث (وهم في كل الاحوال قلة القلة ) فلا عتب عليهم لان الانسان حر بما يعتنقه اذا لم يترتب على هذا الاعتقاد اضرار بالاخرين فالمشكلة ليست في فكر البعث الذي كان نتيجة ارهاصات تاريخية كما حال الفكر الشيوعي والاخواني والدعوي …الخ .
    مع انهيار النظام … انهار الهيكل التنظيمي للبعث ….ورجع كل الى مكانه …بل اصبح الكثيرين منهم من ” مناضلي” احزاب السلطة الجديدة . فتم الصفح عن قسم غير قليل منهم ومن قيادات بعثية عليا سابقا بعد ان نزعوا جلودهم البعثية التي احتوتهم عشرات السنين ولبسوا جلود الحرباء المتلونة بالوان الاحزاب الجديدة عارضين خدماتهم وخبراتهم عليها فتم احتوائهم في منظومة الحكم الجديد في اخطر المناصب العسكرية والامنية والعامة واستثنوا من كل مسميات الاجتثاث والمسائلة والمطاردة والملاحقة وغيرها …
أعمدة البعث من القيادات العليا تم اعتقال اغلبهم واعدام البعض منهم ، والقلة من البعثيين القدامى اختارت طريق مقاومة المحتل وسرعان ماذاب هؤلاء في التظيمات الاسلامية المتشددة والارهابية لاحقا وانتفت صفتهم البعثية لان هذه التنظيمات معادية اصلا للبعث العلماني . ماتبقى من بعثيي الامس الكبار فجلهم شملهم الاجتثاث وآثروا طوعا الانسحاب من الحياة العامة او الهجرة الى خارج البلد … وتولت الميليشيات الحزبية الطائفية تصفية الاف البعثيين بلا مسائلة ولا عدالة خاصة في محافظات الوسط والجنوب وبغداد .
     الجميع يعلم ان قانون الاجتثاث سنّه بريمر الاميركي ومع ذلك تمسكنا به وطبقناه مع قانون المسائلة بطريقة انتقائية غير عادلة ، واصبحا سيفا مسلطا بغير وجه حق لارهاب كل منتقد او معارض سلمي لاداء السلطة واحزابها…. وتم افراغ القوانين من محتواهما الحقيقي وتظافرا مع المادة 4 من قانون مكافحة الارهاب بتقسيم الشعب العراقي حسب الدين والمذهب والطائفة وشرعّا لارهاب دولة وارهاب مضاد مازلنا نعاني منه من خلال التفجيرات والاغتيالات المتنقلة وسطوة الميليشيات والارهابيين وفقدان الامن الذي ازدهرت تحت جناحيه كل انواع الجريمة المنظمة والفساد المالي والاداري .
 النافخون في تجريم البعث لا يعون انعكاس ذلك سلبا على الحياة العامة والسلم الاهلي ، ولهفة الاتنقام والثأر الحيوانية مازالت تثور في النفوس بدلا من النعقل والتفكير الراجح… وكما جرى استغلال القوانين السابقة سيتم استغلال تجريم البعث لغير اهدافه ولن يطول بأي حال عتاة البعثيين ، اما لصعوبة الوصول اليهم او انهم محميون…. وقد اصبح الجميع على قناعة ان من ترضى عنه السلطة لا قانون اجتثاث ولا تجريم ولا تحريم يمكن ان يطاله …فالقوانين تقع على رأس اولاد الخايبة وذوي الحظ العاثر …وسيكون سيفا مسلطا على صغار المساكين او المغضوب عليهم لاي سبب اخر غير الانتماء للبعث .
   هل هي صدفة ان من بين المتحمسين للقانون الجديد هم من البعثيين السابقين كبارا او صغارا وحتى وكلاء ومخبرين سابقين ، لكن ضرورات الموقع الحالي تدفعهم لاظهار تشددهم تقية اومزايدة .
 ليس هذا دفاعا عن البعث فلم تكن لي فيه اصلا لا ناقة ولا جمل ولست من المتنعمين من فضل النظام السابق ولا الحالي … لكن أقول آن الاوان لاغلاق صفحة عكرت صفو الوحدة الوطنية وبغلقها يمكن اجراء مصالحة وطنية حقيقية نحن بأمس الحاجة اليها… فقواعد الديمقراطية الصحيحة تتنافى مع اي فعل يشير الى اجتثاث او الغاء للفكر مهما كان ذلك الفكر مادام ينشط بحدوده الموصوفة … فهل استطاع النظام السابق اجتثاث فكر الدعوة وغيره من خلال التصفية الجسدية والاعتقال والنفي ؟ لم نعيد اخطاء حكمنا على مرتكبها بالديكتاتورية في عهد نسميه عصر الحريات والديمقراطية التي تعني الانفتاح على الجميع .
   ان من تضرر من العراقيين من ممارسات النظام السابق كثيرون جدا ، وكثير منهم من الحزبيين البعثيين ، وتضررهم هذا بسبب سياسة النظام وليس الحزب بالذات …. فالنظام جعل الدولة كلها بما فيها الحزب اذرعا امنية وتنفيذية له تعمل باوامره وليس باوامرها الخاصة ….وبما ان حق المتضرر لا يسقط بالتقادم … فلنحفظ حق كل من تضرر ولكن ليس باسلوب العقوبات الجماعية والاسقاط العام  بل بالقانون ..
   ليكن القضاء هو الفيصل في حسم الدعاوي ومحاكمة البعثيين لتجريمهم او تبرئتهم وفق قناعته لكن بشكل افرادي بتناول كل حالة على حدة …. فالحق العام استكمل فصوله ويبقى الحق الشخصي يفصل فيه القانون ..فهذا هو مسير الامور في دولة تحترم شعبها وتاخذ بالقانون حكما عادلا في كل النواحي …. فحتى في المانيا بعد الحرب لم يجري تجريم الا قادة الحزب الكبار وحكم على عشرة ونيّف منهم بالاعدام والعشرات بالسجن رغم الخراب الذي جلبه الحزب لالمانيا ، ولم يتم قتل النازيين السابقين في الشوارع او تهجيرهم .. بل ابعد كبارهم من تولي المناصب الكبيرة .. وحسم القضاء كل الادعاءات الفردية بالضرر الشخصي للمواطنين .
   آن الاوان لنحارب الاجرام الحقيقي في البلد … الارهاب والفساد والتحريض الطائفي والعنصري والعاملين على اثارة النعرات التقسيمية بين الشعب الواحد…. والمصالحة الحقيقية ستكشف من يعمل ضد مصلحة البلد اوهي كفيلة بتحييد الارهاب وكشف الارهابي والمفسد الحقيقي …. ولنغلق ملفا طالما كان سببا وممرا للرياح الضارة التي عصفت بالعراق …. فارحموا العراق وشعب العراق…يامن ليس في جعابكم غير الانتقام بعد أم ملكتم مع ان الحكمة تقول أن المغفرة عند التمكن ميزة الشرفاء … ولا نريد أن نقول ان جرائم بعضكم في عشر سنين فاقت حجما وهولا باضعاف مضاعفة من تحاولون تجريمهم…فتفكروا فالتفكر ميزة الرجال .

أحدث المقالات

أحدث المقالات