23 ديسمبر، 2024 3:15 ص

متى نظفر بإنتخابات رصينة ؟!

متى نظفر بإنتخابات رصينة ؟!

يتبين لنا نحن الذين سمعنا وكفانا ماسمعنا من المشاكل المتتالية التي افرزتها مكائن مفوضية الانتخابات في العراق , فضلآ عن أنها إستأثرت على المرشحين بشيء تملكه فأخفت بعضه وأعلنت بعضه الآخر , وتبين ان لكل واحدة منها اطوارآ مختلفة ويتعين على الشعب ان يتبع هذه الأطوار ,
أن ماظهر منها هذه المرّة يكشف للملأ ان الموظفين من أهل موسم الإنتخابات والمراقبين القائمين على تنفيذ آلية المكائن العلمية من بدايتها الى خاتمتها قد صغروا أمامها على الأقل , وصغرت معهم ثقة الشعب والمكونات السياسية بمنتوج موسمهم الديمقراطي بسبب الصلاحيات التي منحتها المفوضية العليا لنفسها لكي تتجاوز بها فوضى النتائج الأولية التي وصلت حدآ غير مسبوقآ بالعجالة في إستخلاصها من تلك المكائن .
فقد أنقص الموظفون اصواتآ لمرشحين وزادوا أصواتآ لمرشحين وأصمتوا أصواتآ ومسحوا أصواتآ لآخرين وقبروا اصواتآ ومددوا زمن الإقتراع ليتجاوز زمنه القانوني , فبان سرور الخاسرين واستشاط اصحاب الأصوات المقبورة غضبآ بالإحتجاج وقطع الطرقات هنا وهناك وأنتشر الشر في الوجوه حتى تبدلت ليتوعدوا بعاقلهم وأحمقهم انهم سيخسفوا الأرض بما حملت , لأن المفوضية قد أضرتهم جهرآ وختلآ بمكائن الإقتراع !
أو هكذا أتهمت المفوضية العليا بأنها زاغت من الجميل المؤمل في عملها الى قبحه , كما يراها المتنافسون بالإقتراع , وذلك بسبب قصار الأيدي من موظفيها عندما قامت المفوضية بدور المحكمة المتمثلة بمجلس المفوضين بدلآ عن المحكمة الإتحادية لإصدار تصحيحات ترقيعية لتذود بها عن قبح مكائنها ولتحقن بها ماء وجهها في سابقة لم يألفها الناخبون من قبل وكأنها الأصلح رأيآ وعقلآ من غيرهم ,
بينما الحكومة وقفت وكأنها على الحياد من الأمر فهي من ناحية لاتمتلك حق التدخل في شؤون هذه المحكمة التي زعمت انها أجابت عن عشرات الطعون من خلال اجتهادها بآليات غريبة عجيبة ادت الى رفض عملها بالكامل , ولا تمتلك حلآ – إن لم تجده – سوى التحذير وإستظهار الحزم فحسب ولكن من دون سوط وكأنها في إخاء تالد مع مكائنها لتدفع بالناس الى رفع طعونهم الى القضاء من ناحية اخرى .
وهناك آخرون يرون برأيهم أن من المؤلم ان يقبل المرء بأخطاء المُعوجّون من ذوي الأيادي القصيرة , كونهم في كل عمل يقومون به , تنشط في عقولهم لوثة اللامبالاة التي تلوي تفكيرهم فيؤول أحدهم الى مخرّب وإن كانوا من النخبة أو أدناها , وهؤلاء هم الذين يفرزون نتائج اي عمل في الحياة الى ناجح او فاشل , وهذا إقرار يضاف الى صف المناهضين المنقسمين ,
إذ أن المناهضين الرافضين للنتائج الأولية قد إنقسموا الى قسمين ; القسم الأول أقرّوا بالتفسير التالي لما حصل في انتخابات 2021 ; أولآ , ان لدى المفوضية معيارآ فنيآ خارج إطار قانون الإنتخابات وقد فرض نفسه بشكل مطلق على مكائن الإنتخابات التي يفترض خضوعها لهيمنة التقنية والعلم , ولكنها نطقت بالنتائج الأولية التي رغبت بها الأيادي القصيرة إستجابة لنزعة اللامبالاة الطبيعية التي يمتلكونها وليس لأي طرف آخر .
ثانيآ , ان حضور المراقبين الدوليين وممثلة الأمم المتحدة كان شكليآ فحسب , إذ لم يتحرك أحد بإتجاه المخالفات أو دحض البعض من هذه النتائج لمخالفتها الأسس الفنية لمكائنها وبدلالة التصحيحات الترقيعية التي أهاجت الشارع العراقي وتحوله الى مناهض لتلك النتائج , بل عمدت الأمم المتحدة على الإشادة بها فحسب لتعزيز حرمة السلم المجتمعي والحفاظ على هيبة الدولة وهذا فرط كرم منها وأدب جم .
ثالثآ , أما القسم الثاني من المناهضين للنتائج الأولية والمطالبين بإعادة العد والفرز , فقد أقروا أن هناك قناعات ورؤى سياسية ووجهات نظر متقاسمة بين اطراف خارجية وداخلية فاعلة ساهمت في إعادة إنتاج النتائج الأولية وما رافقها من آليات تصحيحية بغية إيقاف بعث وتكرار لغة سياسية لفاعلين لايتقبلون التواصل مع تلك القناعات والرؤى السياسية ولا يؤيدون استراتيجيتها التي انجزت سابقآ .
في الختام , لقد صنعت مكائن مفوضية الإنتخابات ضررآ بدل النفع وشكوكآ مستديمة في قيمة وتماسك تطور العملية الإنتخابية في العراق , وإندثار مايمكن ان تقدمه للمسار الديمقراطي كوسائل تنظيمية ذات طبيعة معيارية في ذهن الناخب العراقي ,
ولكي يزيل القائمون على هذه المكائن كل هذه الشكوك المستديمة ويمحون أخطاءهم , ينبغي لهم ان يركزوا بعملهم على عدم توظيف المُعوجّين في المفاصل الفنية المهمة , وإستبعاد تبني وجهات النظر الخارجية التي تخالف نسق الأهداف الوطنية , وأن لايكونوا أهزل المفوضين وأعبثهم في العالم فيشتمهم الخاسرون والمناهضون بأقبح الشتم على نتائجهم المستخلصة , ولكي لايسائلهم المجتمع المرة تلو الأخرى : متى نظفر بإنتخابات رصينة ؟!
اما ان تكون الإنتخابات بأخطائها بلا تغييرات جليّة وبدوافع تخفف من ثقل المحاصصة المرهق وهيمنة الأحزاب والقضاء على الفساد وتهيئة البلاد للعودة الى صدارته في الساحة الأقليمية والدولية , فإن ذلك يعني أنها وجدت كمؤامرة موسمية للإضرار بالبلاد وأن حقيقتها وهم يطارده الشعب بلا طائل .