فقد الإنسان إنسانيته بإستعماله قاموس الكلمات الجارحة، الظالمة، القاسية، المؤلمة، البذيئة، وربما القاتلة، فأحياناً يكون أسلوب الحديث أهم من الحديث نفسه، فالكلمات ليس لها القدرة على جرحك، لكنها صادمة حين يقولها شخص يعني لك الكثير وكأنه منحك عنواناً سلبياً مع أنك تمتلك قدرات هائلة ومناقب جميلة لكنه لا يراها، لأنه لم ينصت لحظة لصوت الله، (ثم أن أسوأ الناس خلقاً، مَنْ إذا غضب منك أنكر فضلك، وأفشى سرك، ونسي عشرتك، وقال عنك ما ليس فيك).
قيل:(أن الإحترام تربية وليس ضعفاً، والإعتذار خُلق وليس مذلة)،فإذا قابلنا الإساءة بالإساءة، فكيف ومتى ستنتهي الإساءة بين البشر؟ كما أن أسوأ ما في التعامل سوء الظن والكذب، وفي الأسلوب الوقاحة والتعنت، وفي الكلام كلمة كالمسمار تترك ثقباً في القلب، وفي العتاب التجريح في الكلمات، وفي كل الأحوال ستجد صنفان يشمتان بك، صنف لا يفكر إلا بنفسه ساخراً منك، وصنف يخذلك في نهاية الطريق، لكن الحياة الدنيا لن تغلبك، وبين ضلوعك قلب معلق بالبارئ عز وجل.
(يقال أن عظمة الإنسان الناضج الحكيم تقاس بمدى إستعداده، أن يرحم أولئك الذين أخطئوا في حقه ويعفو عنهم، ولا يفكر بالإساءة لهم)، وهو ربح حقيقي، على عكس الضياع الحقيقي الذي يعني، أن تكون خارج حدود الإستقامة، وعلى قدر السلعة يكون مكيال وزنها، (فالحديد بالطن، والفاكهة بالكيلو، والذهب بالغرام، والألماس بالقيراط)، أما الأعمال فبالذرة، (فمَنْ يعمل مثقال ذرة خير يره ومَنْ يعمل مثقال شر يره)، ألا إن سلعة الله الجنة، فهل ستنتهي الإساءة بحق بعضنا البعض؟
بعض الناس لا تنتهي إساءاتهم، وتزداد لديهم أوقات مراقبة تصرفات الناس، وهم لا يدركون أن تعاستهم تزيد أثناء ذلك مع شديد الأسف، ورغم أن نظرة المجتمع باتت مشينة جداً، فعندما تخطئ يعاتبوك بهذا الخطأ الواحد، ويتركون (99% من أعمالك الطيبة)، متناسين أن الصفح والعفو هما من شيم الأحرار، وقمة ذكاءهم يكمن في الجدال والتعنيف، ويمسكون بقبضتهم على المخطئ وكأنه عصفور مبلل، فكيف يرقى الإنسان نحو الأفضل وهو مسيء على الدوام؟(فمَنْ عفا وأصلح فأجره على الله)