إنطلقت شرارة الاحتجاجات بخسارة عدد من أهالي مدينة مشهد في ايران لودائع بنكية وأسهم شراء عقارات سكنية ، بعد أن أعلن أحد البنوك في المدينة إفلاسه فجأة. وما شهدته مدينة مشهد من مظاهرات عفوية منذ يوم 28 كانون الاول 2017 سرعان ما طالت عشرات المدن الأخرى بصورة تلقائية ، حيث استخدم الاعلان لدعوات التظاهر على تطبيق تليغرام Telegram الأكثر انتشارًا في إيران ، سرعان ما رفعت شعارات سياسية صريحة حملت تهجمًا على رئيس الجمهورية والمرشد الإيراني ورموز الحكم الأخرى، وعلى نظام حكم الملالي برمته .
بنيامين نتينياهو رئيس وزراء اسرائيل خلال اليومين الأوليين يبدو مؤيدأ للاحتجاجات ومبشراً بفتح صفحة جديدة من العلاقات الجيدة بين ايران واسرائيل والعودة الى ما كانت عليه العلاقات أيام الشاه محمد رضا بهلوي ، الا انه سارع يوم 30 كانون الأول 2017 بقيام مكتبه بالطلب من الوزراء الاسرائيليين “التقليل الى أدنى حد” من تعليقاتهم على الوضع في ايران بعد ان توجه اثنان من وزراء الحكومة الاسرائيلية الى تطبيق تويتر للتعبير عن دعمهما للمتظاهرين المناهضين للحكومة في ايران. كونها ستؤدي في حال استمرارها الى تدهور حقيقي لسلطة حكومة نظام الملالي الإيرانية ، وأن حدوث هكذا تصعيد سيؤدي الى منحنى خطير في سياق التوترات الإقليمية.
وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون حسم التكهنات بعد تغريدات الرئيس الاميركي دونالد ترامب الحماسية على تطبيق تويتر لوقوفه الى جانب الجماهير الايرانية ضد الحكومة الايرانية الحالية ، ففي مقابلة مع قناة CNN صرح بأن الإيرانيين يعانون من النظام الحالي، وفي مرحلة ما سيقرر الناس أنهم لا يريدون العيش بهذه الطريقة أكثر من ذلك”. وأضاف : “لكن نحن لا ندعم تغيير السلطة بعنف بل ندعم دائما الانتقال السلمي للسلطة”
#تيلرسون لـCNN: ندعم طموحات الشعب الإيراني في إجراء انتقال سلمي للسلطة#أمريكا #إيران #احتجاجاتhttps://t.co/soJMdwIxCu
— CNN بالعربية (@cnnarabic) January 6, 2018
قبلها اصدرت وزارة الخارجية الاميركية بيانا رسميا
RT @statedeptspox: نحن نقف مع شعب #إيران. لدينا مخاوف من النظام، مشابهة لمخاوف المواطنين الذين يحتجون على الاقتصاد والفساد وتمويل إيران للإرهابيين الأجانب. ونحن نؤيد حق الشعب الإيراني في حرية التعبير ونشجع النظام على استخدام ضبط النفس.
— الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) January 4, 2018
فيما أصدر الاتحاد الأوروبي بيان رسمي من خلال المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني تحثّ على “ضبط النفس”، وأن الاتحاد الأوروبي يقوم برصد الوضع بعد المحادثات التي أجراها مع السلطات الإيرانية ويأمل بضمان الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير.
سيمون تيسدال نائب رئيس التحرير لصحيفة الغارديان نشر مقالا يقول فيه : يراقب العديد من خصوم إيران ومنافسيها الاحتجاجات، التي ضربت شوارع طهران وغيرها من المدن بحذر. ويبدو أن التطلع إلى أن تؤدي الاضطرابات الحالية في إيران إلى انهيار النظام، الأمر الذي أعربت عنه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل صريح سابق لأوانه. بالإضافة إلى ذلك قد يترتب عن أي تدهور حقيقي أو متوقع لسلطة الحكومة الإيرانية، حدوث تصعيد خطير في سياق التوترات الإقليمية.
وكالة أنباء فارس التابعة لقوات الحرس الثوري الايراني نشرت تصريحا لمدير دائرة التحليل السياسي والإرشاد في قوات الحرس عزيز عضنفري قائلا “إن الأحداث الأخيرة التي جرت في البلاد لم يسبق لها مثيل في تاريخ الثوة بالبلاد بسبب أبعادها وخصائصها. وأضاف قائلا: كان الاحتجاج دائما فى البلاد حيث بدأ المواطنين يطالبون بحقهم عن طريق الإعتصام ولكن الاضطرابات وأعمال الشغب فى الحادث الاخير كان غير مسبوق في طوال تاريخ إيران” .
شهدت إيران الكثير من حركات التمرد الجماعي خلال العقود الماضية مثل احداث عام 1999 والثورة الملونة 2009 لكن بدون أن تتسع إلى كافة أنحاء البلاد حيث كان الثقل الثوري في طهران وشيراز والمدن الفارسية الاخرى وهمشت الأطراف لاسباب قومية ومذهبية ، لكن هذه المرة كانت عفوية وغير مسيطر عليها من قبل المركز في حراكها الثوري وغير معروف من هي قياداتها ، مما شكل إنذارا قوياً بالخطر بالنسبة للصهيونية العالمية من كون قوى الجماهير المحتجة هذه لم يتم تبنيها أو تجنيدها في الغرب على أقل تقدير . مما قد يؤدي الى تهديم كل ماتم تحقيقه في في مخطط الشرق الأوسط الكبير الجديد ، لأن هذه الثورة استندت على مطالب واضحة برفض تبديد ثروة البلاد بالتدخل خارج ايران على مشاريع جنونية لن تكون في النهاية لمصلحة المواطن الايراني العادي ، وإن أي نظام جديد سيظهر من رحم هذا الحراك الجماهيري سيكون على الضد من كل الأجندات الحالية لنظام الملالي الحاكم في تصدير الثورة .
هنا يتجلى الأمر بصورة واضحة بأن الصهيونية العالمية ومن خلفها الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي لم يقوموا بأي إجراءات فعالة على أرض الواقع في مساعدة المتظاهرين وتسهيل الامور اللوجيستية لهم ، أو حتى الاستمرار في التصعيد الاعلامي ضد نظام الملالي خصوصا في ملف حقوق الانسان والظلم والتعسف الواقع على الشعوب الايرانية والاكتفاء بتصريحات مؤيدة للشعوب الايرانية من باب ذر الرماد في العيون.
هنا سيبرز التساؤل الدائم للواقع الغريب مثل اللغز والذي لايزال الكثير من الناس يتساؤلون عن حقيقة العلاقات بين نظام الملالي في طهران والغرب عموماً والتي يشابها الغموض وعدم اليقين و يلعب الاعلام دورا كبيرا في ذر الرماد بالعيون وتشتيت الانظار عن الحقيقة الناصعة .
كيف لنا ان نصدق مليشيات تابعة لملالي قم وطهران تحصل على دعم جوي من التحالف الدولي في الحرب على داعش على الرغم من ان بعض قيادات هذه المليشيات مدرجة ضمن قوائم الارهاب الدولية من قبل عدة دول مثل شخصية ابومهدي المهندس وبالنتيجة فانها تساعد في عملية تدمير تجمعات سكانية بناءاً على إعطاء معلومات وإحداثيات كيدية لضرب الناس البسطاء مثلما حصل في الموصل .
لو اردنا أن نصل الى خلاصة الحقيقة علينا ان نضع في البال ان نظام الملالي في طهران هو ليس نتاج لثورة إسلامية حقيقية ، ولم يصل الى الحكم فعليا عام 1979 الا بعد ان تم القرار في مطابخ الغرب على التخلص من الشاه الايراني محمد رضا بهلوي وان يتم التغيير بصورة جذرية عن مفهوم النظام الملكي الامبراطوري القديم وتلميع شخصية الخميني كنظام ديني ثيوقراطي بديل وذلك لثلاثة اعتبارات هي كالتالي : –
1. ان الشاه الايراني رضا بهلوي بدأ يتمرد عن توصيات الغرب وزاد من سقف طموحاته في استغلال الطفرة المالية التي حصل عليها نتيجة ايقاف الدول العربية النفطية لتصدير النفط خلال حرب تشرين 1973 وما جرى بعدها من طفرة كبيرة في اسعار النفط اثرت كليا في زيادة الدخل الايراني والذي اراد بها ان يقوم بعمل حملة تطوير صناعية والبنى التحتية لايران مع مد علاقات اقتصادية مع دول المعسكر الاشتراكي آنذاك وخصوصا الاتحاد السوفيتي وجيكوسلوفاكيا . اخذ يحاول التفاهم مع العرب لاجل توفير شروط نهوض ايراني إمبراطوري قومي صريح وكانت اتفاقية الجزائر مع العراق في عام 1975 هي القشة التي قصمت ظهر البعير الملكي الايراني
2. الاتساق مع نظرية زبيغنو برجينسكي لمحاربة المد الشيوعي وإبعاده عن منطقة الشرق الاوسط من خلال نشر حزام حكومات إسلامية على طول الحدود الجنوبية ( البطن الرخوة) للاتحاد السوفيتي بدأ من افغانستان وباكستان الى ايران .
3. ضرورة خلق نظام حكم اكثر عدواة وخطرا على الدول العربية ومحاولة تقوية شوكة النظام الديني المتشدد ضمن صيغة التشيع الصفوي لكي يتم إلهاء الدول العربية عن بوصلة الصراع من الكيان الصهيوني وحل القضية الفلسطينية حيث يعلن النظام الجديد جهارا عيانا هدفه تفتيت المنطقة والسيطرة عليها بشعاره سيء الصيت بتصدير الثورة الى دول الجوار العربي.
الخلاصة ان وجود نظام الملالي في طهران يصب في مصلحة تحقيق حلم اسرائيل الكبرى على المدى الإستراتيجي البعيد !!! … لماذا ؟ لان هذا نظام الدكتاتورية الدينية الفاشية بالتحديد هو من يستطيع القيام بمهمة تفتيت الدول العربية بأيديه على أكمل وجه دون ان تتلطخ أيدي اسرائيل ، بعد أن تم وعده بأخذ حصة كبيرة من غنيمة الشرق الأوسط الكبير.. بالرغم من انه رفع شعارات معادية لأمريكا والصهيونية وإسرائيل ( لا ضرر من اقوال بلا افعال ) ، إلا ان دوره سينتهي بمجرد إكمال الدور المرسوم له وبعدها سيحين وقت تفتيت إيران نفسها من الداخل حسب مخطط الشرق الأوسط الجديد المرسوم لكي تكون المنطقة كلها عبارة عن كيانات قومية ودينية ومذهبية هشة لاتقوى على الصمود بوجه إجتياح الجيش الاسرائيلي لها للوصول الى نهر الفرات ولتحقيق حلم اسرائيل الكبرى.
نظام الملالي في قم وطهران هو المقاول الإقليمي الأكثر أهمية للصهيونية العالمية في تنفيذ وظيفة التفتيت ونخر الأقطار العربية كونه يعمل لتحقيق أهدافه القومية الخاصة والمغلفة بشعارات المذهب ومحور المقاومة، ولهذا السبب فلن تفرط الصهيونية العالمية بنظام الملالي الآن وهو في منتصف الطريق لتدمير الأقطار العربية .
لقد تم تهيئة الأرضية المناسبة لتقوية شوكة نظام الملالي في طهران في المنطقة العربية وخلق منه قطباً لمحور يعادي وينخر في جسم البلاد العربية والإسلامية ويحرف بوصلة الصراع العربي الصهيوني للقضية الفلسطينية الى صراع سني شيعي وتحويل المنطقة الى معسكرين هما محور المقاومة الزائفة لاسرائيل ومعسكر الدول السنية المعتدلة المتحالفة مع اسرائيل .
وتم تدمير أهم نظامين سياسيين يعاديان نظام الملالي في طهران ويحد من حركتها من خلال إحتلال افغانستان والعراق وإطلاق يد عملاء وخدم ملالي طهران في كلا من العراق وافغنستان للسيطرة على مقاليد الامور ومن ثم التحرك غربا الى استراتيجية الوصول الى البحر الابيض المتوسط من خلال المرور عبر العراق وسوريا ولبنان .
هناك سؤال يتبادر دوما الى الذهن …لماذا لم تعمل الولايات المتحدة على تمويل عملية إنقلاب عسكري ضد الرئيس صدام حسين ونظامه الذي ضعف كثيرا خلال فترة الحصار ، بدلا من القيام بعملية غزو العراق عسكريا بطريقة أدت الى تحملها للكثير من الخسائر المكلفة البشرية والإقتصادية وبالنهاية تراكمت عليها ديون هائلة وأضرت بدافع الضرائب الأميركي البسيط….لانه بكل بساطة ان النظام البديل الذي سينتج بعد الانقلاب على صدام سيكون نظام حكم مبني على أسس علمانية وليس على أسس محاصصة طائفية وعرقية بحتة وسيكون هناك إستقرار مجتمعي في العراق دون الدخول في صراع طائفي إثني…وهذا الامر لن يتسق مع مخطط الأجندة الصهيونية الاستراتيجية البعيدة المدى ….لأن المطلوب هو أن يكون العراق جزءا من كتلة المحور الايراني ضد بقية الدول العربية .
حتى الاحزاب والحركات السياسية المعارضة لنظام الملالي والتي انبثقت من أطياف واسعة للشعوب الايرانية تعبرعن إمتعاضها الكبير ولسان حالها يقول إذا استمرت سياسة الاسترضاء من قبل الغرب لنظام الحكم الحالي في إيران، فانها ستؤدي الى نتائج خطيرة جدا، مما يضع الشرق الأوسط والعالم أجمع في حرب دموية لا مفر منها.
ابن شاه إيران وولي العهد الأمير رضا بهلوي (رئيس المجلس الوطني الإيراني للانتخابات الحرة ) يقول في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 2 كانون الثاني من قبل قناة الــBBC البريطانية : إن العالم الغربي الذي يتشدق بالحريات وحقوق الانسان عليه القيام بما هو أكثر من الكلام ، لان الملايين من الناس يطالبون بالحرية التي يفخر بها العالم الغربي في فرنسا والمانيا وأميركا ولكن فيما يخص إيران فإن الغرب سيقول انه لايريد التدخل في شؤونها المحلية ، وان الغرب سيغضون النظر عن قتل المتظاهرين بحجة انه لايريدون التدخل .
السيدة مريم رجوي رئيسة منظمّة مجاهدي خلق في حوار مع جريدة الوطن المغربية بتاريخ 15 كانون الثاني 2018 قالت : طلبنا الوحيد من الغرب هو أن يحافظ على موقف الحياد بين الشعب الإيراني والنظام القائم ، وبعبارة أخرى عدم مساعدته وعدم خلق العقبات في طريق الإطاحة به، وعدم الوقوف إلى جانب النظام ضدّ إرادة الشعب واحترام الحق المشروع للشعب الإيراني في المقاومة من أجل الحرية.
فالجميع يتذكّر أنّه خلال الانتفاضة الشعبية في عام 2009 ضدّ نظام الملالي، اصطفّت الإدارة الأمريكية إلى جانب النظام. أنتم تدركون أنّ الحكومات الغربية على مدى العقود الماضية اتّخذت دائما موقفا مؤيدا للنظام وضدّ الشعب ومقاومته. فلقد أدرجت الولايات المتحدة منظمّة مجاهدي خلق في القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية لمدّة 15 عاماً (من عام 1997 إلى عام 2012).
إنّ هذا النظام الثيوقراطي ألحق أعمق التصدّعات في قضية فلسطين، وإنّه يدّعي أنّه المدافع الوحيد عن الفلسطينيين وحقوقهم. وفي الواقع أن تدخل هذا النظام في بلدان أخرى في المنطقة أضر بالقضية الفلسطينية الى حد كبير ، وأن شعوب سوريا والعراق واليمن ولبنان والبلدان الأخرى دفعت ثمن تصدير هذا النظام ثورته والإرهاب، بل إنّهم لا زالوا يدفعون الثمن.
وأخيرا إن خطر نظام حكومة الملالي في ايران هو خطر جسيم على الشعوب الايرانية وشعوب المنطقة العربية والاسلامية وان شروره لايمكن ايقافها الا في حالة العمل المشترك بين الدول العربية والاسلامية مع الحركات والاحزاب الايرانية المعارضة ولابد من اتخاذ الخطوات المناسبة لدعم احتجاجاتها الحالية وتفعيل دورها داخلياً وخارجياً على كافة الصعد وافساح المجال لهم في الاعلام وتبني قضاياهم المشروعة في الحرية والحياة الكريمة ، ومن أجل إيجاد تحالف إيراني وطني معارض موحد، ليكون الواجهة الحقيقية والبديل الجاهز للنظام الإيراني الحالي.