( ولكم في القصاصِ حياةٌ يأُوْلي الألباب لعلكم تتقون ) هذه الآية الكريمة من سورة البقرة / 179 / حركت في نفسي شجونا وشؤونا ، فخطرت في ذاكرتي تلك الأسطورة القديمة التي يتناقلها الناس عبر الأجيال والأزمنة .. تقول الأسطورةُ :: كان ياماكان في سالف العصور والأزمان ان مملكة سادها السلبُ والنهبُ والفوضى والفسادُ والقتل وغياب القانون وسيطرة العصابات على مفاصل الدولة ، وكان الناس خائفين مرعوبين على حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم من سطوة المارقين والعابثين والخارجين على القانون الذين عاثوا في الأرض فساداً … هذا الوضع المزري الذي ساد المملكة قد أقلق الملك كثيرا ، وبعد التشاور مع معاونيه أمر الملك ان يُعقد اجتماعٌ عاجل ومهم لكبار المسؤولين في المملكة لوضع خطط جديدة من أجل انهاء حالة الفوضى ولكي يعود الأمن والأمان الذي اصبح حلما … عُقد الأجتماعُ وطلب الملك من الجميع ان يطرحوا خططهم ومقترحاتهم ، فأدلى كل واحد بدلوه .. لم يقتنع الملك بكل ماقيل وأراد خططا جديدة واجراءات جديدة ونوعية من شأنها تحسين الأوضاع وقلب الطاولة على المارقين ، في هذه الأثناء رفع أحد الحضور يده طالبا الحديث فسمح له الملك فقال :: ياجلالة الملك انني اقترح على جلالتكم تطبيق القصاص الفوري والعادل وأمام الناس وفي وضح النهار وتحت الشمس ضد الخارجين على القانون والسراق والعابثين بأمن المملكة ويكون ذلك بتشكيل ( محكمة ) نوعية جديدة يكون مقرها في قلب المملكة ويكون عملها مستمرا على مدار الساعة ، ويُختار لها قضاة من المشهود لهم بالنزاهة والعدالة … ويُنصب ( عامود ) طويل أمام المحكمة يُعلقُ في أعلاه ناقوس كبير يرتبط بحبل طويل فالذي لديه مظلمة أو شكوى يأتي ويحرك الحبل فيُقرع الناقوسُ وعند سماع الناقوس ينزل القضاة فورا ويسمعون الشكوى معززة بالأدلة والشهود وان يحكموا بالعدل بشرط ان يكون التنفيذ فوريا وأمام الناس وبلا تأجيل والمحكوم شنقا يُشنق أمام الناس وتبقى جثته معلقة لعدة أيام والمحكوم بالجلد يُجلد أمام الناس واشترط صاحب المقترح ان تكون المحكمة مستقلة وغير خاضعة للضغوط والتأثيرات وللمحكمة الحق المطلق ان تستدعي الوزير والغفير بلا تردد … استمع الملك الى هذا المقترح ووافق الجميع على تطبيقه وأمر ان ينادي المنادي في المملكة في ان من لديه شكوى او مظلمة فليأتي ويقرع الناقوس …. ومرت الأيام وبدأ الناس المظلومون يتدافعون على الناقوس … وقٌرع الناقوس كثيرا ليلا ونهارا وبدأ تنفيذ الأحكام فورا بعد مصادقة الملك عليها وتم شنق المجرمين وتعليق جثثهم أمام الناس .. وتم جلد الآخرين وتبرئة من لم تثبث ادانتهم .. واصبحت ساحة المحكمة مكانا لتجمهر الناس وشاعت الأخبار في كل شبر من المملكة وأخذ الناس يتداولون الأخبار كالنار في الهشيم …. وبمرور الأيام بدأت اصوات الناقوس تتناقص وبدأت الشكاوى والمظالم تتناقص وشعر الناس بشيء من الأمن والأمان ، وهكذا بمرور الوقت ووجود سلطة القانون والأحكام الفورية لم يعد الناس يسمعون قرع الناقوس وساد الأمن والأمان وبدأ الناس يشعرون بالطمأنينة على حياتهم وأموالهم وينامون بملء جفونهم …. وفي ليلة شتائية باردة حيث الناس ينعمون بالدفء والأمان سمعوا صوت الناقوس مدويا فانتفضوا جميعا واسرعوا الى مكان الناقوس .. وكذلك الملك فأرسل احد حراسه لمعرفة الموضوع ، فلما وصلوا لم يجدوا أحدا بل وجدوا (حصانا ) هرما مسكينا يمسك حبل الناقوس بفمه ويحركه لكي يقرع الناقوس ….. ضحك الجميع وعادوا الى بيوتهم لينعموا بنعمة الدفء والأمان … وعاد حارس الملك مسرعا وشرح للملك ماحصل وقال له :: ( اطمئن سيدي الملك لاشيء يدعو للقلق وكل مافي الأمر حصان مسكين هو الذي قرع الناقوس ) … هذا الكلام وقع كالصاعقة على مسامع الملك فتأمل كثيرا وتألم حد البكاء وكأنه شعر بنبضات قلب الحصان وأحاسيسه وآلامه ولابد ان لهذا الحصان مشكلة أو مظلومية أو شكوى ، أمر الملك ان يعرف قصة هذا الحصان وماهي مظلوميته وطلب ان يُرفع اليه تقرير مفصل حول قصة الحصان .. في اليوم التالي وصل التقرير بأن هذا الحصان يعود للتاجر الفلاني المعروف المتنفذ وقد استخدمه لسنوات طويلة ليلا ونهارا ولما هرم الحصان ولم يعد ينفع كالسابق سرحه التاجر دون مقابل وبقي الحصان حائرا باكيا فجاء ليعرض مظلوميته على المحكمة مطالبا بحقوقه المسلوبة …. أمر الملك ان تنظر المحكمة بمظلومية الحصان ، وجلس القضاة واستدعوا التاجر صاحب الحصان وحكموا لصالح الحصان وألزموا التاجر برعايته وتوفير كل مستلزماته من أكل وشرب ومأوى … وهكذا تقول الأسطورة سادت العدالة على الأنسان وعلى ( الحصان )… وتعيشون وتسلمون …. أقول ماأحوجنا الآن الى مثل هكذا محاكم عادلة وحازمة ونواقيس تُقرع من أجل سيادة القانون وان نرى العابثين والسراق والمارقين في قفص الأتهام ليكونوا عبرة للآخرين …………. السلام عليكم