تحتل المرجعية الرشيدة في النجف الأشرف مكانة كبيرةليس في قلوب العراقيين فحسب بل وفي قلوب المسلمين عامة ، وتحديدا الشيعة منهم باعتبارها مرجعية للفقه الشيعي بشكل خاص وللفقه الاسلامي بشكل عام ، ويعّدها البعض ويقارنها بالجامع الأزهر في مصر، وقد تخرج الكثير الكثير من رجال العلم والمعرفة والفقه من المرجعية ، ولا زالت تستقبل الطلاب من كل أرجاء العالم للدراسة فيها ، ولا يعد رجل الدين مرجعا ويحق له الفتوى الا اذا كان قد درس وتخرج من المرجعية ، التي لها أصولها وضوابطها التدريسية والعلمية في الفقه وأصول الدين وباقي العلوم والمعارف الأخرى . وحظيت المرجعية باحترام وتقدير كل الحكومات التي حكمت العراق من ملكية الى جمهورية منذ تأسيس الدولة العراقية في 1920 ، ورغم عدم تدخل المرجعية في الكثير من الأحداث التي شهدها العراق من ثورات وانقلابات في عهديه الملكي والجمهوري ، حيث لم يكن يسمح لها التدخل بالشأن السياسي في العراق!! ،وأنحصر دورها في الأمور الدينية والفقهية ، ألا أنها حافظت على مكانتها ومنزلتها وهيبتها لدى كل حكام العراق . ولكن برزت المرجعية الرشيدة بشكل واضح وملفت ،وكان لها دور كبير ومساهم في بناء وتأسيس العملية السياسية من بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني الغاصبللعراق عام 2003 وخاصة في توجيهها وحثها للأمريكان والزعامات السياسية العراقية بالإسراع في موضوع كتابة (الدستور وأجراء اول انتخابات برلمانية في البلاد!) ،وهكذا ظلت المرجعية الرشيدة قريبة من كل الأحداث السياسية الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي جرت بالبلاد ، وخاصة في موضوع تعيين رئيس الحكومة الذييجب ان يحظى بمباركة المرجعية وموافقتها! . ألا أن المرجعية فاجأت الجميع بانسحابها من صورة المشهد العراقي بكل تفاصيله على خلفية أحداث انتفاضة تشرين / عام 2019 وعبّرت عن عدم رضاها على كيفية تعاملالحكومة التي كان يرأسها ( عادل عبد المهدي) مع المتظاهرين وعابت عليه وعلى أجهزته الأمنية القسوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين السلميين الذين كانوا يرفعون شعار( نريد وطن)! ، كما وحرصت المرجعية في كل خطبة جمعة على توجيه الحكومة وقواها الأمنية على عدم القسوة مع المتظاهرين وضرورة الاستماع الى مطالبهم وتحقيقها ، وبعد أن خاب أمل المرجعية بالأحزاب السياسية الحاكمة وشعرت أنهم لا يأخذون بتوصياتها ولا بتوجيهاتها رغم أن لها الفضل الكبير على تلك الأحزاب منذ أول انتخابات جرت!! ، وبعد أن وجدت الوطن يزداد تخلفا وتراجعا وأن الكثير من الشعب يعانون من شظف العيش ، وان رغيف الخبز لم يعد في فم الجميع وأن أزمات العراق تزداد يوما بعد يوم ومن حكومة الى أخرى ، كما لمست كثرة التدخلات الخارجية بالشأن العراقي من قبل دول الجوار، فأعلنت المرجعية قطع العلاقة تماما بينها وبين قادة وزعامات تلك الأحزاب والكتل السياسية وغلقت أبوابها بوجوههم! ، وكذلك ألغت صلاة الجمعة المهمة والهامة! وانسحبت نهائيا من المشهد العراقي بكل تفاصيله! وقالت قولتها المدوية ( لقد بح صوتنا من كثرة النصح والارشاد) . وفي الحقيقة أن غلق المرجعية لأبوابها لم يؤثر على الأحزاب السياسية ولا على قادتها! ، بل استثمروا ذلك لصالحهم ووجدوها فرصة سانحة لهم للعمل كما يريدون ويشتهون فلا رقيب عليهم ولا حسيب!! ، فالمرجعية التي كانت تمثل امامهم سدا منيعا وصوتا مانعا لأي انحراف وأية فساد غابت عن المشهد تماما ، تاركة لهم العراق بين مخافة الله والضمير!. وفي الحقيقة منذ أن أغلقت المرجعية أبوابها والغيت صلاة الجمعة وخفت صوت المرجعية ومن يمثلها في صلاة الجمعة ، ازدادت أحوال العراق سوءً وكثر الفساد اكثر واكثر، وتراجع العراق في كل شيء وازدادت ازماته وكثر أعداء الداخل ، وتاهت بوصلة العراق ، فلا احد يدري الى أين يسير مصير العراق والى أين سترسو به الأقدار فلا من موجه ولا من رقيب ولا ناصح ! . أرى أن المرجعية تمثل الأب الحنون والأم الرؤوم لهذا الوطن ولهذا الشعب وهي كانت صمام الأمان له ، لذا ارى ويرى معي الكثيرين ان صبر المرجعية على الطبقة السياسية يجب ان يطول اكثر واكثر ولا تنفك من النصح والارشاد ، لأن غلق أبوابها وسكوتها عما يجري ألحق ضررا كبيرا بالعراقوبالشعب وليس بالطبقة السياسية! ، كما وأنفسح المجال أكثر لكل أعداء العراق في الداخل والخارج ان يستبيحوا العراق نهبا وسرقة! ، ولا أعتقد أن المرجعية لا تدري ما الذي يجري بالعراق وأين وصلت أحواله وأين وصلت وتراكمت ازماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،فغالبية العراقيين يرون بان العراق يعاني من ضياع كبير في ظل غياب المرجعية وصوتها ، وهنا لابد من التذكير والقول ، بان المرجعية لو كانت قد انسحبت من العمل السياسي ولم تتدخل به منذ 2003 لكّنا لا نعتب عليها ولا نترجاها ان تتدخل! ، ولكنها هي من قادت العملية السياسية منذ 2003 وشاركت وكانت على بينة وقريبة من كل الأحداث التي جرت بالعراق ، ولغاية أحداث انتفاضة تشرين/ 2019 ، واقالة رئيس الوزراء الأسبق (عادل عبد المهدي ) . خلاصة القول أن العراق وعلى ضوء الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة ، لاسيما وهو بعين العاصفة ، حيث تتجاذبه أطراف خارجية كثيرة ، ووضعهالسياسي والاقتصادي الداخلي غير مستقر ودخان الصراعات السياسية وبين الأحزاب بسبب الانتخابات المقرر اجرائها في شهر تشرين الثاني القادم لا ينذر بخير! ، فالعراق يعيش على صفيح ساخن من الأحداث الأزمات .لذا فالشارع العراقي وكل الأمة العراقية بحاجة الى الوجود الروحي والنفسي للمرجعية ولسماع صوتها من خلال إعادةصلاة الجمعة ، لترعب الفاسدين وكل من عاثوا خرابا وفسادا بالعراق . فهل ستستجيب المرجعية الى نداء الأمة العراقية وتعيد فتح أبوابها ثانية فالوطن والشعب بحاجةللمرجعية الرشيد الآن ، اكثر من حاجته لها بداية الاحتلال في 2003؟. والله من وراء القصد.