متى بدأت نهضة الإمام الحسين عليه السلام؟

متى بدأت نهضة الإمام الحسين عليه السلام؟

إن الحسين عليه السلام نبراساً للعدل وممثلاً للحقيقة المحمدية فكانت ثورته عليه السلام مرجعاً وإماماً يقتدي بها الثائرون على الظلم المطالبين بالحق والعدل، لقد جسّد نهج جده الأعظم محمد ﷺ وسار في طريق علم الهدى ونبراس التقى علي بن أبي طالب عليه السلام، نعم، لقد ثار الحسين على حزب إبليس وسقى ثورته بالدماء الزكية التي سفحت على تراب كربلاء فبقت تلك الثورة خالدة شامخة تناطح السحاب في شموخها وتتحطم الأباطيل إذا اصطدمت بها، بلى لقد انتصر الدم على السيف، تخلد الحسين ومات يزيد، لكن دعونا نتساءل متى بدأت ثورة الإمام الحسين؟، ما حدث في السنة الواحد والستين للهجرة إنما هو انفجار تلك الثورة، فمتى اشتعل فتيلها ومن اشعله؟.

يعلم كثير من الناس ورواة الأخبار أن ثورة الحسين بدأت منذ أن دعي إلى قصر الإمارة بالمدينة بعد موت معاوية ليقدم البيعة ليزيد في سنة ستين للهجرة، لكن عين المؤرخ والباحث ترى أن حقيقة بدايتها ليس كذلك بل قبل ذلك بسنين، دعونا نبيّن ذلك في سرد تاريخي مختصر: في سنة واحدٍ وأربعين تنازل الإمام الحسن عليه السلام عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان على شروط اتفقوا عليها، كان أحد الشروط هو ألا يولي معاوية أحد من بعده ويجعل الأمر شورى، لكن بعد وفاة استشهاد الإمام الحسن بن علي عليهما السلام بكذا سنة وبالتحديد سنة ست وخمسين للهجرة قام معاوية بتولية يزيد ابنه ذلك الشاب الماجن شراب الخمور وربيب بيوت النصارى ولاية العهد ضارباً بشروط الصلح التي جعلته خليفة على رقاب المسلمين عرض الجدار، في تلك السنة بايع أهل الشام والعراق وغيرهم يزيد بولاية العهد وبقيت الحجاز فأول ما فعل معاوية أن بعث إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب بمائة ألف درهم وذكر له الرسول بيعة يزيد فقال ابن عمر: «هذا أراد أن ديني عندي إذن لرخيص»، فامتنع، فأرسل معاوية إلى مروان بن الطريد وكان حينئذ واليه على المدينة أن يأخذ البيعة من أهل الحجاز لابنه يزيد، فقام مروان خطيباً في مسجد رسول الله ﷺ فكان مما قاله أن هذه البيعة على سنة أبي بكر وعمر ، فقام له عبد الرحمن بن أبي بكر وقال له: «كذبت يا مروان وكذب معاوية، ما الخيار أردتما لأمة محمد ﷺ ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل»، فقال مروان: «هذا الذي أنزل الله فيه (وَٱلَّذِى قَالَ لِوَٰلِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ)»، فسمعت عائشة فقالت من وراء الحجاب: «يا مروان، أنت القائل لعبد الرحمن أنه أنزل فيه القرآن؟! كذبت والله ما هو به ولو شئت لسميته، لكن الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضضٌ من لعنة الله»، وقام الإمام الحسين وانكر هذه البيعة وفعل مثله ابن الزبير وابن عمر فكتب مروان إلى معاوية بذلك، فجاء معاوية إلى الحجاز في ألف فارس يظهر أنه يريد العمرة وهو يريد أن يرهب أهل الحجاز بذلك وإلا ما حاجته إلى هذا العدد وهو يريد العمرة، أليس يقال أن عهده كانت المرأة العجوز تقطع الصحراء وهي آمنه؟؟!!، فمكث في المدينة فترة وخطب فيها ومدح يزيد وتهدد من خالف البيعة بالقتل ثم ذهب إلى مكة وهناك دعى الإمام الحسين وابن أبي بكر وابن عمر وابن الزبير في دار مغلقة وتناقش معهم في الأمر ولما لم يستحسن جوابهم وشهد رفضهم للبيعة قال لهم متوعداً ومهدداً:  «فَإِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ، إِنَّهُ قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، إِنِّي كُنْتُ أَخْطُبُ فِيكُمْ فَيَقُومُ إِلَيَّ الْقَائِمُ مِنْكُمْ فَيُكَذِّبُنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَأَحْمِلُ ذَلِكَ وَأَصْفَحُ، وَإِنِّي قَائِمٌ بِمَقَالَةٍ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ رَدَّ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ كَلِمَةً فِي مَقَامِي هَذَا لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ كَلِمَةٌ غَيْرُهَا حَتَّى يَسْبِقَهَا السَّيْفُ إِلَى رَأْسِهِ، فَلَا يُبْقِيَنَّ رَجُلٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ»، ثم قال لصاحب حرسه وهو بحضرتهم:  «أَقِمْ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ رَجُلَيْنِ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَيْفٌ، فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَرُدُّ عَلَيَّ كَلِمَةً بِتَصْدِيقٍ أَوْ تَكْذِيبٍ فَلْيَضْرِبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا»، ثم خرج وقال للناس أن هذه الجماعة قد بايعت ليزيد في الدار فبايع الناس فكانت هذه السنة هي النار التي اشعلت فتيل ثورة الحسين عليه السلام، نعم إن ثورة الإمام الحسين لم تقم في سنة سيتن للهجرة بل في ست وخمسين من الهجرة، مهد لها كتابة الشروط واشعلها نقض الشروط، فلم تكن كما يدعي البعض بأنها ثورة باطلة لأنها خروج على ولي الأمر، بل إنها ثورة حقة طالبت بالالتزام بالعهود المواثيق وتطبيقها، إنها ثورة حق على باطل لا يقوم بها إلا من كان دمه ولحمه من دم ولحم رسول الله ﷺ.

أحدث المقالات

أحدث المقالات