تعالت تصريحات الرئيس التركي, رجب طيب اردوغان, حول مشاركة تركيا, في عملية تحرير الموصل, ثم تبعتها تهديدات للعراق, بان هذه المشاركة أمر مفروغ منه, وهي التي جوبهت برفض, سياسي وجماهيري قاطع, نتيجة للدعم التركي الواضح, لعصابات داعش, والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
وبعد الزعيق والنعيق, الذي صدر من الرئيس التركي, ورئيس وزراء حكومته, وإعطائهم المبررات الواهية, والمثيرة للسخرية, حول جدوى مشاركتهم, جاءت الوساطة الأمريكية, من قبل وزير الدفاع الأمريكي, وزيارته لرئيس الوزراء العراقي, ومحاولة تغيير قناعة الحكومة العراقية, فكان رد الحكومة العراقية, (شكرا..لسنا بحاجة للدعم التركي ).
منذ الحرب العالمية الأولى, وتركيا لم تذق طعم النصر, في أي قضية وضعت نفسها فيها, فبعد خسارتها لإمبراطوريتها العثمانية عام 1917, قام كمال أتاتورك, بتأسيس الجمهورية التركية العلمانية الحديثة عام 1923, والتي ألغت كل التاريخ الإسلامي لتركيا, وجعلتها بعيدة عن المفاهيم والأفكار الإسلامية, لدرجة إن الأتراك, لم يجدوا من يصلي على جنائزهم, حسب الطريقة الإسلامية, علما إن المسلمين, يشكلون 99% من الشعب التركي.
وتأكيدا لهذا النهج العلماني, فقد كانت تركيا, أول دولة إسلامية, تقيم علاقات مع إسرائيل عام 1949, ولم يعد الأتراك يسمعون بالإسلام, إلا في بداية الستينات, حين تطورت علاقة اربكان مع الإخوان المسلمين, وصارت كتب سيد قطب وحسن البنا, تصل الى تركيا, الأمر الذي جعل تركيا, تتبع منهج الإخوان المسلمين, الى هذا اليوم.
وعلى الرغم من غالبيتها المسلمة, كان الأتراك يتجهون بعيدا, عن المسلمين نحو الغرب, على أمل الانضمام للاتحاد الأوربي, وعملوا ما عملوا, من انسلاخ عن هويتهم الإسلامية, من اجل ذلك, وتقدموا بطلب الانضمام عام 1987, واعترف بها كمرشح للانضمام عام 1999, ولكن الى اليوم لم تحصل على العضوية, لان الأوربيين الى الآن, يعتبرون تركيا بعلمانيتها وتغربها, ما هي إلا امتداد, لدولة الخلافة العثمانية الإسلامية.
كل الحروب التي شهدتها المنطقة, مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين, كانت تركيا بعيدة عنها, وتحتفظ بعلاقات جيدة مع الكيان المحتل لحين عام 2010, وحادثة القافلة “مافي مرمرة “, التي كانت تحمل مساعدات الى غزة, وعلى متنها 581 ناشطا, معظمهم من الأتراك, وكيف تعاملت معهم القوات الإسرائيلية, في حادثة وصفت, بأنها مجزرة وإرهاب دولة, مما دعى تركيا, الى سحب سفيرها, وبعد التهديد والوعيد, من قبل اردوغان, انتهى الأمر باتصال تلفوني من نتنياهو, وعادت الأمور الى طبيعتها, وانتهى كل شيء.
ورغبة منها؛ في بسط نفوذها, ومحاولتها أن تكون لاعبا بين الكبار, استثمرت تركيا أحداث الربيع العربي, وما حصل من فوضى, في منطقة الشرق الأوسط, وكانت بصماتها واضحة في الأحداث, التي حدثت في جميع دول الربيع العربي, وخصوصا جمهورية مصر العربية, فبحكم علاقتها مع الإخوان المسلمين, كانت الداعم الأساسي لهم, في الإمساك بالسلطة, وما حدث من ردود أفعال من تركيا, بعد إن اسقط المصريون حكم الإخوان, خير شاهد على ذلك, حيث فقدوا؛ الحليف الاستراتيجي لهم في المنطقة.
إن هذا الجموح التركي, والرغبة في إعادة تاريخ الدولة العثمانية, جعل الغرب يستغل الرئيس التركي, ويورطه بما هو اكبر من حجمه, بجعله يتصادم مع روسيا, ويسقط طائرة السوخوي الروسية عام 2015, التي كانت مشاركة, في قتال العصابات الإرهابية في سوريا, الأمر الذي تعامل معه الرئيس الروسي بحكمة بالغة, ولم يكلف نفسه بالرد على اتصالات اردوغان, مما جعله يذهب وينحني, أمام الرئيس الروسي, معتذرا بكل أدب ووقار.
كل هذا التاريخ من الهزائم, للغراب الأسود التركي, الذي لم يتقن مشيته الى اليوم, يجعلنا متأكدين, ان المشروع التركي في العراق سيفشل, حاله حال مشاريعها الفاشلة, اذا ما تأكد الأتراك, ان ارض العراق ليست رخوة كما يظنون,بل تستمد صلابتها, من صلابة رجالها, وان النصر الوحيد, الذي حققه الرئيس التركي, هو إذلال جيشه, ومؤسسته العسكرية,في الانقلاب الفاشل, والذي لولا الشعب التركي, وإيمانه بالنظام الديمقراطي, لكان حال اردوغان, حال القذافي وحسني مبارك.