وأنتَ تعيش في أيّة بقعة مِنْ أرض العراق،ماعَاد مُمكناً أنْ تشعُر بالاطمئنان، فالموتُ قدْ يأتيك مِن إي مكان،في إيّة لحظة،وليس شرطاً أنْ تكونَ عضواً في تنظيم دولة الخلافة الاسلامية،فهناك أكثر مِن قوّة وتنظيم وحزب وجماعة تمارس فيك فعل داعش ومنهجَها وهي تعيش حولك ومَعك،وقد تكون مسؤولةً عن حمايتك وحماية أمنك..وإلاَّ مامعنى أن تجري عمليات الخطف في وضح النار؟مامعنى عشرات الميليشيات المسلحة تصول وتجول في الشوارع وتجتاز الحواجز والسيطرات دون أنْ يتمكن أحدٌ أنْ يُحاسبها ؟
عَنْ مَاذا كانت تبحثُ القوة الأمنية المؤلفة من خمسين عنصراً مُسلحا حينما اقتحمت وللمرة الثانية خلال أكثر من عامين مبنى اتحاد الادباء العراقيين يوم الاربعاء 17 حزيران الحالي ؟
عن إرهابيين يُفخخون أنفسهم بقصيدة النَّثر ؟
عن قصص وروايات مُلغمة بتقنيات حداثوية ؟
هل تمكنت أجهزة الأمن العراقية من تنظيف البلاد من كل الارهابيين،ولم يبق سوى مبنى الاتحاد باعتباره آخر قلعة يتحصنون فيها ؟
وإذا مااكتمل تفتيش المبنى،وتم تحطيم أثاثه وآخر الاصدارات الادبيةالمرصوفة على رفوفه،هل سيتحقق السِّلم في البلاد ؟
أمْ أنَّ السلطة قد اكتشفت بأنَّ الفكر التكفيري ينهل من أشعار السَّياب والجواهري ونازك الملائك ويوسف الصائغ أكثر مما ينهل من كُتب الفقهاء ؟
لمْ يَعُدْ بالامكان أنْ تشعر بالاطمئنانْ حتى لوكنتَ شاعراً أو روائياً لايملكُ سوى مُخيلة شفافة يصنعُ منها عوالم مفترضة حتى يستمتع بها القراء فتزداد قناعتهم بوطنهم وشعبهم..
لم يعد مُجدياً أنْ تكونَ مُجرداً مِن السلاح لكي لاتُتَهم بالارهاب..
لم يعد مُجديا أنْ تًكتُبَ أشعاراً تتغنى بالوطن والبحر والنساء وغابات النخيل، ستبقى عُرضة للدَّهم والتفتيش والبَهدَلة،دونَ موعدٍ محددْ،ودونَ أمرٍ قضائي، شئت ذلك أمْ أبَيتْ.
ستُكسَرُ عليك الابواب مِنْ غير إستئذان وأنتَ تجلس في عُزلةٍ لاأحد يشاركك فيها سوى الكلمات.
في هذه الدنيا المُتعِبةَ، وحدها الكلمات تستجيبُ لك، كيفما تشاءْ،وأنتَ لاتنشدُ منها غير أنْ تصُنعَ الفرَح والأملَ في نفوسِ القرَّاء.
أنتَ مُتَّهمٌ بالشِّعر والقصّة والرِّواية،وهذا يكفي لكي يُقتحم مبنى اتحاد الادباء.
سيدخلون عَليك مُدججين بالسلاح ليجدونكَ مُدججا بالحُبْ
مُتلبِّسا بالوطن
مُفخَّخَا بحب الناس
مُحتقناً بالأحلام ووجوه أحبَّةٍ فقدتَّهُمْ بعد قدَّموا كل شيء دفاعا عن البلاد وأنت في حالٍ لاتملك فيه أيّ شيء سوى أنْ تُعيدَ إليهم الكرامة والحياة على الورق،
عليك أنْ تدفَعَ ثمنَ جرائمَ ابداعية ترتكبها بصمت في عُزلتك البيتية.
عليك أنْ تكُفَّ عن الحُلم
عَن الكتابة
عَن استدعاء الذاكرة.
عليك أنْ لاتطرح أسئلة
أن لاتبحث عن أجوبة
أنْ لاتُسأل الماضي
أنْ تقبِّل يديه
أنْ لاتفكر بالتمرد عليه .
وأنتَ تكتبُ الشِّعر عليكَ أنْ لاتحلم بواقع آخر،فالشِّعر طريقٌ يُفضي إلى الكُفر،والقصَّة القصيرة تقودك إلى الظلال،والرّواية بيتُ الدَّاء،والموسيقى عملٌ من أعمال الشر..فإيّاكَ إياك أنْ تقرّبَهم . الرسالة واضحةٌ في دلالتها،ولاتحتاج اعتذاراً مِن حفنة أفراد يرتدون زياً رسمياً حتى نُخطىء في الوصول إلى معانيها.لا شيءَ بالصدفة يحدث بعد اليوم، فالسارقُ يعرفُ ماذا يسرق،والقاتل يُدرك ماذا يفعل.. ومامِن شيء قد يحدثُ خطأً.
ربمالايعرفُ مَن يُخطىء في المرّة الاولى لماذا أخطأ،لكنه عندما يُخطىْ في المرّة الثانية يعرفُ لماذا أخطأ.
لاأدري فيما إذا كانَ السيد رئيس إتحاد الأدباء سيكتفي بالإعتذار الشفوي الذي قدَّمه له عدد من الضباط،أمْ سيكون له موقف آخر يعيد الاعتبار لشرف الثقافة قبل أنْ يعيدَ الاعتبار لمكانة أشخاص ينتمون الى الاتحاد ؟
وسنبقى إلى ذلك الحين ننتظر اللحظة التي سيدخل فيها أحد ادبائنا ومفكرينا الى مبنى البرلمان ليقف كل اعضائه ساعتها احتراما للفكر وللأبداع..آنذاك سنشعرُ بأننا أصبحنا في بلد يَحترِمُ الإنسان،وأنَّ الساسة فيه ليسوا سوى خدمٍ يعملون مِنْ أجله،وليسوا أسياداً يتفنونَ في الإساءة إليه،ولاأحد يستطيع أنْ يحاسبهم حتى لو كان الجواهري العظيم.