18 ديسمبر، 2024 7:55 م

متلازمة الهجرة والجريمة والارهاب في العقل الشعبوي الغربي!

متلازمة الهجرة والجريمة والارهاب في العقل الشعبوي الغربي!

ان عداء المهاجرين يرتبط ارتباط وثيق و يترتب علي مرض رهاب الاجانب و الغرباء ( فوبيا )، وهذا امر عادي وطبيعي فالفوبيا ظاهرة نفسية او حالة مرضية قد تنتاب الكثيرين مثل فوبيا الزحام او فوبيا المرتفعات، غير العادي والغريب هو ان يوظف السياسيين الشعبويين و النخب اليمينية هذه الحالة المرضية لتمرير اجندة سياسية لا علاقة لها بالظاهرة وبناء تاريخ ومجد شخصي علي انقاض تماسك الانسانية وانسانية المجتمع البشري و الشعب المعني !

نشاهد كيف يركز الاعلام علي تصنيف الجاني عند وقوع جريمة عادية او هجوم ارهابي؛ فان كان مهاجر من أصول شرق اوسطية ومسلم تحديدا فانهم يكونوا قد وجدوا ضالتهم المنشودة فكون الجاني مهاجر فهو معادي بطبيعته ودافع الجريمة هنا بنظرهم هو العداء الذي يكنه لهم الغرباء والدخلاء ولا قيمة لأي دافع اخر!

اما ان كان من مواطنيهم هنا تلاحظ خيبة املهم واحباطهم الظاهر وحينها يبحثون عن الدوافع المعتادة وراء الجرائم! وهذا نوع من الانحياز والتنميط اضحي ظاهر لا يخفونه! حيث يتم توظيف الجرائم التي يرتكبها اجنبي لتغذية الخطاب الشعبوي اليميني المعادي للهجرة والمهاجرين و الهادف الي منع تدفق و وقف استقبال مهاجرين. في حين ان الاجنبي في العادة لا يرتكب الجريمة بدافع الكراهية لمواطني البلد الذي استقبله بل لسبب اقل من ذلك وغالبا بدافع اجرامي تقليدي واحيانا يكون واقع تحت تأثير اكراه و ضغط اجتماعي ونفسي رهيب هو ما يلجئه لارتكاب جرمه!

ان السعي للربط التعسفي بين الهجرة والجريمة و بين الهجرة والارهاب يمثل محاولة وضيعة لتبرير معاداة المهاجرين في بلدان قامت اصلا علي الهجرة! او بلدان اخري بنيت علي الاستعمار في حقب سابقة بلدان امتصت خيرات وموارد بلاد اخري ( موارد بشرية وطبيعية ) و احدثت خلل في انساق تطورها ونموها و خلخلت نسيجها الوطني والاجتماعي و حورت تطورها المدني و السياسي والحضاري “باختصار عبثت بمصائرها” ولا تريد اليوم دفع ثمن ولو زهيد لما ارتكبته من جريمة ‘الجريمة الاستعمارية’ وهو تلقي مهاجرين هاربين من عواقب التدخلات الاستعمارية تلك!

ان الدول التي توصف بالمتقدمة الأن او الدول الصناعية خصوصا الدول الستة الصناعية ( امريكيا، وبريطانيا، وفرنسا، والمانيا، وايطاليا، واليابان) عليها واجب اخلاقي وسياسي وحضاري تجاه مستعمراتها السابقة التي استنزفتها في السابق وعلي كل القوي العظمي الاخري روسيا وكندا واستراليا والصين واسبانيا و الدول الاسكندنافية واجب حضاري يحتم عليها التصدي للخطاب الشعبوي العنصري المعادي للمهاجرين والتصدي للربط التعسفي بين المهاجرين والجريمة، والا فان عار جديد سيلحق بها بعد عار العبودية و الاستعمار الذي اقامت علي دعائمه بناء حضارتهم الراهنة.

من المهم والمفيد دراسة الاشكالات المتعلقة بظاهرة الهجرة واللجوء من منظور يعيد الازمة الي سياقها الفعلي الاصيل علميا ‘قانونيا واجتماعيا’ وبعيدا عن الابعاد السياسية المتعلقة باسباب وجذور المشاكل المنشئة للظاهرة ‘الحروب الاهلية او الخارجية او الفشل السياسي -الاقتصادي او الكوارث..’ او الاسباب السياسية التي تتيح او تحول دون استقبال اللاجئين في الاقطار التي يقصدونها. بما يستوعب أيضا البعد الانساني خصوصا مع تزايد اعداد المهاجرين الغرقي في البحر الابيض بما حوله ليصبح اكبر مقبرة مفتوحة، وكذلك بعد مأساة السفينتين “اكواريس و لايف لاين” اللتين ظلتا طريدتين ومتسكعتين في عرض البحر لعدة اسابيع بعد ان رفضت موانئ ايطاليا و مالطا السماح لهما بالرسو قبل ان تتعطف اسبانيا ومالطا مؤخرا وتقبلا ان ترسو السفينتين لتنتهي ازمة مهاجرين كادت تتحول لمأساة بينما تظل ازمة الهجرة قائمة، فالأراء السائدة حاليا كلها تبحث في معالجة الظاهرة كازمة وتهديد للدول و المجتمعات المضيفة في حين ان الازمة الحقيقية هي ازمة اللاجئ والمهاجر لا مواطن البلد المضيف ‘البديل’ و المجتمعات المنتجة والمرسلة للمهاجرين لا المجتمعات المستقبلة لهم.

لقد وقع هذا الخلل في المعالجة نتيجة لاستجابة الباحثين لاغراء التناول من منظور صاحب المركز الاقوي ‘اقتصاديا و علميا كذلك’ وان كان ذلك علي حساب انتاج حلول علمية تضع حدا وتسوية مرضية للجانبين المستقبل و المرسل وللمهاجر و مواطن الاقليم المضيف، ولو تأملنا ظاهرة الهجرة من وجهة نظر تاريخانية، سنجد ان تاريخ البشر هو بالاساس تاريخ من النزوح و الهجرات و الحراك السكاني.. فعندما كانت طبيعة نشاط البشر الاقتصادية في القرون الاولي تتطلب الانتقال ‘للصيد و الالتقاط ثم الرعي’ كانت السمة الاساسية للانسانية هي الهجرات و الترحال
وحتي عندما بدأت طبيعة انشطته تفضل الاستقرار اضطرته الكوارث التي لم يمتلك حينها ادوات فهمها و درءها والتقليل من اثرها اضطرته للهجرة هربا منها ومن الموت الزؤوم الذي تجلبه. ثم و في قروننا هذه أضحت الحروب و النزاعات المسلحة هي السبب الاول للهجرات و اللجوء فحين توصلت البشرية ليقين بان الاستقرار هو خيار لا بديل عنه، و رسمت لذلك الحدود السياسية وابتكرت جوازات السفرو استحدثت قوات للجوازات و الهجرة و حراسة الحدود و اخترعت نظام الاقامة ومنح تراخيص و تأشيرات الدخول … الخ أضحت النزاعات علي السلطة والموارد هي المهدد لذاك الاستقرار و اضحي السكان ينزحون عن المناطق غير المستقرة الي تلك الافضل من حيث السلم والامن و بالتالي الاستقرار.

كما من المهم والمفيد كذلك دراسة مفهوم ادماج وانصهار اللاجئين في الدول والمجتمعات المضيفة لهم، ذلك المفهوم الذي اخذ في التحول من مجرد مطلب سياسي الي برامج سياسية و اجتماعية حكومية ثم حاليا الي تشريعات و قوانين لا تمنح اللاجئ حقوقا اكثر من التي تنص عليها مواثيق ومعاهدات حقوق الانسان بقدر ما تلقي علي عاتقه تكاليف واعباء ينبغي عليه الايفاء بها حتي يحصل علي حق الاقامة و العمل و الحماية و عدم الطرد او الرد الي الدولة التي تتعرض حياته و حريته فيها للخطر.
ان الهجرة واللجوء ليس فعل ارادي يقوم به الانسان طوعا و انما هو ضرب من الاكراه يتعرض له ويدفعه نحو الهرب دفعا، لذا هو سلوك تم وضع الاسس القانونية تحكمه وتقنن قواعد الهجرة واللجوء وتحمي المهاجر وترتب التزامات علي الاسرة الدولية كلها حيال هذه الظاهرة ومن يضطرون لتكبد معاناة اللجوء بما فيها البلدان المستضيفة لهم.
اتفاقية 1951م هي اهم الركائز التي تحكم ظواهر الهجرة واللجوء و اتفاقية او معاهدة 1951 وضعت بالاساس لمعالجة اوضاع اللاجئين في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية و تنص علي ذلك صراحة وعلي هذا الاساس تأسست المفوضية السامية للاجئين.UNHCR والتي يمثل دستورها كذلك احد الركائز المهمة و اضيف اليها لاحقا برتكول 1967 لتنطبق بعدها المعاهدة علي كل حالات اللجوء في جميع الاقاليم و القارات! و ربما يشير ذلك الي سبب ضعف وقصور المفوضية السامية في معالجة اشكالات اللاجئين بصورة ناجعة.
كما يمثل الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 المادة 14 احد الاسس المهمة .. و هناك ايضا الميثاق الحقوق المدنية و السياسية وان كان بشكل عام.هذا اضافة لاتفاقيات و معاهدات وبرتكولات ابرمت في النصف الاول من القرن العشرين وتمثل تراث قانوني مهم لقوانين الهجرة واللجؤ.
ان دمج المهاجرين و اللاجئين ينبغي ان يتم وفق شروط عادلة للمهاجرواللاجئ قبل المجتمع المضيف لذا ينبغي الحذر والحرص عند صياغة القواعد و الاسس القانونية التي تستند عليها مطالب وبرامج وقوانين دمج و صهر اللاجئين. ويجب مراعاة أثرها القانوني علي مبدأ حماية المهاجرين و العمل قدر الامكان علي تجنب الدواعي السياسية و ‘القومية’ التي تستند لا تسعي الا لإرضاء الاصوات اليمينية التي تأخذ في التنامي حاليا.