23 ديسمبر، 2024 2:55 ص

متلازمة الشماعة

متلازمة الشماعة

في الربع الأخير من القرن المنصرم، كان رئيس العراق صدام حسين ماسكا زمام صغائر حيثيات البلاد وكبائرها ومابينهما دون استثناء، ومعلوم ماكان نهجه في تسيير أمور البلاد، ومعلوم أيضا كيف كانت سياسته في إدارتها. ولعل من المفيد اليوم بعد كل هذه السنين استذكار واحدة من المقولات التي كان يتبجح بها في جلساته ولقاءاته، مقولة مفادها ان “من يريد ان يستلم العراق فسنسلمه ترابا”.
وهو قطعا بهذا الكلام يثبت انه لم يتسنم رئاسة العراق إلا لأجندة مكلف بها. ويقول البعض انه تلميذ تمرد على أسياده، فإن كان هذا حقيقة -وهو كذلك- فصدام لم يعمل صالحا لا لأعدائه، ولا لأبناء جلدته، وهو بهذا كان حريصا على أن يكون ضرره ذا تأثير طويل المدى، فأسس إلى بلد متهاوي الأركان منخور الداخل، فعمد إلى تغيير الكثير من مفاصل البلد، وكذلك عمد الى إدخال الخراب في أصغر خلية في المجتمع وهي “الفرد العراقي”. وما نراه من سيئين اليوم على واجهة الحكم والسلطة ومراكز صناعة القرار، ماهو إلا وليد ذلك النهج وتلك السياسة التي اتبعها صدام إبان حكمه الذي استمر قرابة عقود ثلاث.
ماذكرني بصدام وسياسته، هو الآثار التي خلفها وراءه والشخصيات التي تظهر على سطح الأحداث حاملة النهج ذاته والسياسة عينها، حتى بعد زوال سيدهم “القائد الأوحد” حكما وجسدا وروحا وحزبا وعائلة، وعلى وجه الخصوص الشخصيات التي تتصدر المراكز الأولى في إدارة زمام أمور البلاد وملايين العباد.
وما يعزز كلامي هذا هو ظهور نشاط من قصدتهم في دورات المجالس الثلاث السابقة، خلال الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد عام 2003، ولست بمتشائم إن أبديت رأيي في الدورة الرابعة الحالية، ووصفتها بأنها نسخة طبق الأصل من الثلاث العجاف السابقات، ولا أظن أحدا ممن يتابعون سير اجتماعات الساسة لم يلمس هذه الحقيقة على مستويات عدة.
فلو عدنا بالزمن قليلا الى الوراء لوجدنا من الأمثلة على هؤلاء الكثير، منهم رئيس مجلس النواب السابق، الذي لم يكن عمله في منصبه يدل على أنه يمثل الشعب من قريب ولا من بعيد، وما تأخير إقرار ميزانيات الدولة للأعوام السابقة، إلا واحد من سلبياته، إذ هو يدرك جيدا ان عصب إدارة الدولة يكمن في اقتصادها، فوجه اهتمامه الى العمل بالضد في كل مامن شأنه تحسين اقتصادها. ولو أحصينا مايعمله آخرون من الذين مازالوا في سدة الحكم، لوجدنا ان لهم التأثير ذاته إن لم يكن أكثر سوءا. إذ العامل المشترك الذي يربطهم جميعا، هو التخطيط لكل مايزيد انحدار البلد إلى الهاوية، والعمل الدائب والدائم على انزلاقه أكثر في مهاوي التخلف، وما هذا إلا إرث من سياسة صدام، والأخير هذا بات اليوم شماعة من يعتلون مقاعد الحكم في العراق، فالإشارة إليه من بعيد ومن قريب باتت ديدن من يفشل في أداء مامنوط به من واجبات في مؤسسته، وهم بين متعمد إلى التذكير لإخفاء جديد إخفاقاته، وبين ساذج لايفقه من الإدارة إلا مقدار مايريه أرنبة أنفه لا أكثر، فيتخذ من سلبيات الماضي ذريعة ومسوغا، يتخفى به أمام أنظار الاتهام.
فهل نقول صدق صدام في مقولته وصدق في أفعاله بإدخال الخراب الى الفرد والمسؤول والسياسي، ليعم الخراب بعدها كل بقاع العراق ونفوس قاطنيه وأولهم ساسته ومتقلدو مناصبه الرفيعة؟
لاشك أن الإجابة معروضة أمام الجميع، ومطروحة أمام أعين القاصي والغريب، فضلا عن الداني والقريب.