18 ديسمبر، 2024 3:41 م

متلازمان أساسيان.. هزيمة الإرهاب وصحوة الاقتصاد الوطنى؟!

متلازمان أساسيان.. هزيمة الإرهاب وصحوة الاقتصاد الوطنى؟!

ما الذى يحتاجه المصريون كى يكونوا أكثر قدرة على العبور بوطنهم فى هذه المرحلة العصيبة إلى افاق جديدة تشعرهم بانهم قاربوا على بلوغ نهاية النفق، يرون رؤية العين طاقة النور التى تستشرف مستقبلا واعدا لاقتصادهم الوطني، يلمسون آثارها اول بأول فى توازن السوق المصرية وتكافؤ العرض مع الطلب، والحصول على سعر عادل للجنيه المصرى إزاء الدولار يوقف موجة الغلاء الطاحن، ويستشعرون انحسار الفساد والاحتكار، وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وتزايد فرص العمال على نحو مستمر، وعودة الرواج إلى اسواق المدن ومتاجرها، وارتفاع معدلات التنمية بصورة متصاعدة بما يجاوز ثلاثة أضعاف معدلات النمو السكاني، كما تقول خطط التنمية كى يكون الجميع على يقين بان الغد سوف يكون أقل وطأة وأفضل حالا من أمس!؟.

وما الذى ينتظره المصريون كى يكونوا على يقين بان حربهم على الارهاب فى سيناء سوف تنتهى بنصر حاسم يوقف هذا الاستنزاف المتزايد لارواح المصريين وطاقاتهم، وأن معاركهم المتواصلة مع جماعاته على مدار الساعة تزيد من قدرتهم على اجتثاث جذور الارهاب، وان ارواح هذه الاعداد المتزايدة من الشهداء لن تذهب هدرا وسوف يكون ثمنها تحطم الارهاب على صخرة المقاومة المصرية، لان الارهاب يفقد كل يوم مساحات من ارض المعركة لايستطيع استعادتها ويواصل انحساره ويقل خطره بما يؤكد لكل مصرى اننا لاندور فى حلقة استنزاف مفرغة،وان الوطن سوف يستعيد فى يوم قريب أمنه وامانه واستقراره، لاننا أحكمنا الحصارعلى هذه الجماعات وأغلقنا كل الانفاق ودمرناها على رءوس اصحابها، ولم يعد فى وسع هذه الجماعات أن تتحصل على اى عون اومدد من الخارج.

واخيرا..كيف ننجح فى الحفاظ على صمود المصريين فى مواجهة هذه المصاعب والاخطار، نحمى جبهتنا الداخلية من دعاة الاحباط الذين توظفهم قوى الشر من أجل اشاعة اليأس وتفكيك عرى الداخل إذا طال امد المعركة؟!، وكيف نحصن صمود المناطق الرخوة من جبهتنا الداخلية ونزيد من قدرة الفئات الاقل قدرة على ان تتحمل متاعب المعركة بما يثبت أقدامها ويحول دون تبديل مواقفها ومشاعرها تحت وطأة مصاعبها الاقتصادية؟!، اخذا فى الاعتبار ان قوى الشر ممثلة فى تنظيم جماعة الاخوان المسلمين وحلفائها فى الداخل واربابها فى الخارج تتصور وهما او حقيقة ان تزايد المصاعب الاقتصادية وثقل وطأتها على الفئات الاقل قدرة، يمكن ان يسهم فى تغيير موازين القوة على ساحة المعركة إذا زاد ضجر هذه الفئات إلى حد يصعب احتماله، ولاحت فرصة سانحة بسبب أخطاء البيروقراطية المصرية التى غالبا ما تسىء التقدير كما حدث فى ازمة الخبز الاخيرة.

وبالطبع، فان ما يجعل هذه الاسئلة مهمة وضرورية اننا لانستطيع ان نحدد بعد، متى على وجه التحديد يمكن ان يبرأ الاقتصاد المصرى تماما ويخرج من عنق الزجاجة إلى مرحلة الانعاش ليعاود تقدمه رغم شواهد كثيرة تؤكد اننا غادرنا بالفعل نهاية النفق؟!،وبالمثل قد لانستطيع ان نقول على وجه اليقين متى يتم اجتثاث جماعات الارهاب رغم شواهد كثيرة تؤكد اننا على الطريق الصحيح نستشرف، وان الارهاب يتلقى كل يوم ضربات موجعة وانه فى الطريق إلى الانحسار إضافة إلى متغيرات اساسية أخرى تتعلق بالمناخ الدولى يعرف الجميع اثارها المباشرة على اوضاع مصر الداخلية، لعل اهمها وجود ادارة امريكية جديدة ربما ياخذ الكثيرون عليها تقلب بعض سياساتها ومصاعب استقرار بعض شخوصها، لكنها باليقين تشكل متغيرا اساسيا فى العلاقات الامريكية المصرية، انهى فترة انعدام الثقة بين البلدين التى بلغت حد تناقض المصالح على عهد ادارة الرئيس السابق اوباما، وتمثلت نتائجها الجديدة فى استئناف واشنطن لبرنامج المساعدات العسكرية لمصر، يشمل كل الاسلحة التى تعاقدت مصر على وصولها دون نقص فى حدود 1.3مليار دولار فى العام كما يتمثل فى فتح ابواب جديدة للتعاون الاقتصادى بين البلدين أغلقتها ادارة اوباما.

وما حدث مع الولايات المتحدة بصورة علنية واضحة مع معظم دول اوروبا التى تعرف عن يقين ان الامن الاوروبى يرتبط بامن البحر الابيض المتوسط وامن شمال افريقيا، وان مصر هى رمانة الميزان فى امن هاتين المنطقتين اللتين تمثلان بعدا استراتيجيا للامن الاوروبى لا يمكن اغفاله، دليلى على صحة ذلك الزيارة المهمة التى قامت بها المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل لكل من مصر وتونس قبل ان تشد الرحال فى زيارة ذات طبيعة استراتيجية للولايات المتحدة تلتقى خلالها الرئيس ترامب.

ومن ثم يصبح المطلوب من المصريين ان يكونوا اكثر تفاؤلا بالغد وأكثر قدرة على تخطى المصاعب، ليس لان الشمس سوف تشرق غدا من جديد، ولكن لان الارادة المصرية باتت أكثر قدرة على التحكم فى مسار عملية الاصلاح الاقتصادى وأكثر ثقة فى الوصول إلى سعر عادل للجنيه أزاء الدولار رغم الارتفاع الطارئ الذى اعاد سعر الدولار الى ادراجه الاولي، لكنه سوف يهبط من جديد، واكثر قدرة على اعادة عائدات المصريين الدولارية للعاملين فى الخارج الى البنوك المصرية بدلا من تجار العملة، واكثر جذبا للاستثمارات الخارجية واطمئنانا لتزايد حجم احتياطيات النقد الاجنبى التى تتصاعد أرصدته فى البنك المركزى لتصل الان إلى حدود 27مليار دولار واشد قربا من احتمالات عودة السياحة.. وبسبب هذه التغييرات الحيوية، سارعت المكاتب والهيئات الاقتصادية المحايدة إلى اعلان تفاؤلها بمستقبل الاقتصاد المصرى فى المدى الزمنى المنظورفى تقاريرعالمية نشرتها الفاينشال تايمز والايكونومست وغيرهما من الصحف الاقتصادية العالمية التى تحرص على مصداقية كل خبر تنشره.

ومع الاسف لم تتم ترجمة هذه المتغيرات الجديدة وتأثيراتها على اسعار السلع فى السوق المصرية الى حقائق ملموسة يحسها المستهلكون لان الامر يحتاج لبعض الوقت، ولان الجشع التقليدى للتجار المصريين لا يردعه سوى ادوات الدولة القوية كما تقول لنا كتب التاريخ، لكن ثمة ما يؤكد ان السوق المصرية سوف تصحح نفسها بنفسها ان اجلا او عاجلا برغم كل الاعيب التجار والمستوردين وقد يستغرق الامر بعض الوقت لكن ذلك لا يبرر ان تبقى الادارة المصرية فى حالة انتظارا بينما ينهش الغلاء الطبقات الاقل قدرة، واظن ان واحدا من التحديات الاساسية التى تقع على عاتق الادارة المصرية الان، كيف تحصن الطبقات الاقل قدرة ضد محاولات اختراقها تحت وطأة الغلاء المتصاعد حتى ان تطلب الامر انشاء جمعيات استهلاكية يقتصر حق الاستفادة من اسعارها وحصصها على اصحاب الدخل المحدود ببطاقات خاصة يشرف على اصدارها اكثر اجهزة الرقابة دقة وتراقب عملها جمعيات من المجتمع المدنى فى كل حي.

ولان جماعة الاخوان المسلمين واربابها فى الخارج يشنون حملة ضارية على مصر والمصريين تشمل كل الجبهات بما فى ذلك الارهاب، تتحالف مع داعش والقاعدة وكل يد شريرة تريد اذى المصريين وتستخدم فى ذلك اساليب حرب العصابات فى سيناء، تستهدف رجال الجيش والشرطة والأقباط، كما تستخدم الحرب النفسية على عموم الشعب المصري، تنشر الشائعات والفتن وروح الاحباط إضافة إلى حربها الاقتصادية بهدف زيادة مصاعب حياة المصريين وتخريب أقتصادهم الوطني، تلعب فى سوق الدولار باعتبار ذلك واحدا من تخصصاتها الاساسية، وما من حل فى مواجهة هذا التآمر الواسع سوى ان تشرك الدولة المصرية شعبها فى هذه الحرب الضروس كى يشاطر الشعب دولته مسئولية الفعل والقرار، لان اشراك الشعب فى المعركة واعلامه بكل التطورات التى تحدث على الجبهتين الاقتصادية والعسكرية فى شفافية تامة يضاعف من قوة الدولة ويزيد من قدرتها على مواجهة هذه التحديات، ويحافظ ايضا على الروح المعنوية لمجمل الشعب المصرى ويزيد من حصانته النفسية ضد الفتن والشائعات ومحاولات الاختراق، واظن ايضا ان هذه المشاركة الشعبية سوف تمكن الشعب المصرى من الحفاظ على حماسه للحكم واحتضان امله فى نصر حاسم وقريب، فى ظروف عصيبة تتطلب وجود دولة قوية قادرة تتمتع بمستوى عال من الرضا العام لان توافر المعرفة الصحيحة بمدى النجاح الذى تحقق على جبهتى الحرب العسكرية والاقتصادية، يزيد من تلاحم الشعب والحكم بما لايدع اى فرصة لشق اى من فئات المجتمع خارج سياق المعركة التى تخوضها مصر ضد الارهاب.

وما من شك فى ان حماس الشعب المصرى الذى احتمل كل هذه المصاعب سوف يساعد على اختصار زمن هذه المعركة الضروس التى يراهن فيها الاعداء على هدف واحد هو تفكيك الجبهة الداخلية يأسا من بلوغ النصر، واظن ايضا ان من واجبات الدولة القوية ان تجهز نفسها لاسوأ الاحتمالات الممكنة رغم البشارات المتزايدة بقرب النصر ليس فقط بان تؤمن حاجات الفئات الاقل قدرة إلى حد معقول، ولكن بان تواصل حربها الشجاعة ضد الاحتكار والفساد الذى كبر وتغلغل خارج سلطة الحكم الراهن، لا تتحمل دولة الرئيس السيسى مسئولية وجوده، لكنها يمكن ان تتحمل مسئولية بقائه واستمراره، ومن المؤكد ان تكامل جهد الدولة وجهود الشعب المصرى فى هذه الظروف العصيبة تصحيحا لاوضاع الاقتصاد المصرى وحربا على الارهاب، تشكل اكمل الظروف واكثرها ملاءمة للبدء فى مشروع قومى ضخم يمس حياة الناس على نحو مباشر ويجعل الدولة اكثر اهتماما بالبشر من الحجر، يضاهى فى انسانيته مشروع (مصر خالية من فيرس سي)، يمكن ان يتجسد فى احياء مشروع محو الامية على اسس جديدة تتميز بالسرعة والجدية ينهض على الجهود الطوعية لشباب مصر فى اطار برنامج لايستغرق تنفيذه أكثر من خمس سنوات اوفى مشروع إعادة بناء التعليم المصرى يركز فى مراحله الاولى على اجيال مصر الجديدة ابتداء من رياض الاطفال إلى المرحلتين الابتدائية والاعدادية، لان مشروعا تربويا تعليميا يبدأ فى هذه السن المبكرة يضمن لمصر اساسا صحيحا لتطوير عملية التعليم ينهض بقدرات الطالب المصرى وينمى ملكاته ويمكنه من حسن استخدام عقله وحسن فهمه مقاصد دينه فى اعلاء قيم الحق و الخير والجمال وصولا الى الاعتراف بالقيم المشتركة فى كل الاديان السماوية وقبول الاخر والاعتراف بحقه فى المواطنة، ونبذ العنف والارهاب، والقبول بالحوار طريقا صحيحا لبناء مجتمع ديمقراطى متماسك.

وخلاصة القول، فان القضاء على الارهاب وخروج الاقتصادى المصرى من عنق الزجاجة يشكلان الهدفين الاساسيين اللذين يتطلبان تكريس كل الجهود لسرعة انجازهما بعد ان بات واضحا اننا على وشك الخروج من هذا النفق المظلم، ومن المؤكد ان مصر ربما تكون فى هذه المرحلة الحاسمة أكثر احتياجا للدولة القوية من الدولة العطوفة التى تضرب بقوة القانون الفساد والاحتكار ونهب اموال الشعب واستغلال ظروفه الصعبة للتربح وكل صور الفوضى والاهمال، وتصون جبهته الداخلية من محاولات التفكيك والاختراق، تلتزم وترعى بكرم بالغ اسر شهدائها الابرار، ولاتغفل عينها عن رعاية الطبقات الاقل قدرة، وتحافظ على تكامل جهدها مع جهود شعبها كى تبقى الجبهة الداخلية قوية صلدة مثل حجرالصوان تستعصى على الكسر اوالاختراق.
نقلا عن الأهرام