23 ديسمبر، 2024 10:14 ص

حالة من التفاؤل لا تنكر يشهدها الشارع العراقي بعد تكليف السيد حيدر العبادي لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث أخذ الناس يتطلعون الى مرحلة خالية من الازمات ، برغم وجود مخاوف من حصول انقلاب على العملية السياسية باطارها الجديد ، ولا سيما ان هناك من يرى ان رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي سوف لن يسلم مقاليد الحكم بسهولة ، بل سيستخدم كل اوراقه من اجل البقاء في السلطة، خصوصا انه يمتلك شبكة واسعة داخل المؤسسة الأمنية ، غير مرتبطة مهنياً بالدولة، بقدر ما هي مرتبطة به، لكن هناك من يبدد هذه المخاوف في ظل الدعم الدولي للعبادي.
ربما حاول السيد المالكي ان يقدم تطمينات للدول المؤثرة بالشأن العراقي حيث دعا بعض القيادات العسكرية التي التقاها الثلاثاء (12 /8 /2014 ) الى النأي عن التدخل بالشأن السياسي، لكنه ابدى رفضه تكليف غيره ، عاداً ما حصل خرقاً دستورياً، لابد من تصحيحه.
لا شك، ان الأيام حبلى بالأحداث، وشرارتها ، ثارت في منطقة الكرادة داخل ، لما استهدفت سيارة مفخخة اول امس منزل العبادي، ما يعيد الى الذاكرة القريبة تلك التهديدات التي اطلقها السيد المالكي باشعال “نار جهنم” على ارض العراق اذا لم يتم انتخابه.
لكن، دعونا نقلب صفحة ، ونتخيل الامور تسير كما نتمنى ، ولا سيما ان بوادر التغيير الذي كنا ننشده قد اصبح واقعاً، بيد اننا بحاجة في الوقت نفسه الى عدم الافراط بالتفاؤل ، لأن المرحلة المقبلة لا تقف عند حدود الشخص، وانما تتعداها الى اعادة نظر في مجمل السياسات السابقة.
ومن هنا، ينبغي ان نسمع خطابا جديدا يتجاوز تلك المفردات التي لازمت المرحلة السابقة، والتي ادخلت البلاد في لجة الصراعات، واوصلتها الى حالة الانقسام والتمزق.
حبذا، ان تعلن هدنة لالتقاط الانفاس ، ولملمة الشتات، الذي اصاب المجتمع بجميع مكوناته، والعمل من اجل تحقيق مصالحة وطنية حقيقية تعيد اللحمة الوطنية وترسو بالوطن نحو شاطئ الامان والاستقرار.
قد تكون هذه عناوين عريضة وواسعة ، لكنها تمثل مفتاح الحلول لكل الازمات التي تعيشها البلاد، والتي كانت للسياسات الحكومية دور فاعل في تغذيتها وتأجيجها، ولعل الاعتقالات العشوائية والاستهداف على الهوية الطائفية، والمادة 4 ارهاب ، والعمليات العسكرية المتواصلة لمناطق معينة، تحت عنوان (مكافحة الارهاب) كلها مقدمات ينبغي ان تعالجها الحكومة الجديدة، من اجل ان تضع خطا فاصلا بين (الارهاب) الذي يمارس القتل والتهجير بعناوين مختلفة وليس بعنوان واحد، كما يحلو للحكومة السابقة أن توصفه وتوظفه، وبين اصحاب المظالم او الحقوق المشروعة.
القضية تستلزم خطابا وطنيا مطمئنا، واجراءات عاجلة لمعالجة كل مخلفات المرحلة السابقة، اذا ما اردنا التغيير حقيقة، أما إذا إستمرت السياسة ذاتها مع إختلاف الوجوه، فان الدوامة ستبقى تدور ، مخلفة حولها المزيد من الازمات والعقد والمشاكل.
لا ننسى اخيرا، اننا خطونا خطوة مهمة الى امام ، عندما ثبتنا مبدأ “التداول السلمي للسلطة”، لكن المطلوب ان نعقبها بخطوات أخرى ، ولا نلتفت الى الوراء الا لأخذ العبر والاتعاظ مما مضى.