22 ديسمبر، 2024 8:11 م

متغيرات المنطقة بين بغداد الحالمة وحذاقة دمشق ومهارة طهران

متغيرات المنطقة بين بغداد الحالمة وحذاقة دمشق ومهارة طهران

 الخلافات السعودية الاماراتية الاخذة بالاتساع ، تقف في مقدمة العوامل التي ادت الى حصول متغيرات في السياسة الخارجية للعديد من الدول من بينها سورية وايران اللتان استثمرتا بدهاء وحنكة هذه الخلافات في حين فضلت بغداد ان تغط في احلام النوم العميق متلحفة بسياسة ( عدم الانحياز ) والحياد في نزاعات المنطقة .
وبداية، من المناسب  تقديم عرض موجز للخلافات والمشاكل المتفاقمة بين الرياض وابو ظبي وذلك لتحديد حجم الفجوة التي تسلل عبرها الاخرون لتحقيق فارق في الازمة الكبيرة التي عمت المنطقة لاكثر من عقد من الزمن.
 فالخلافات السعودية الاماراتية التي اوشكت ان تنتقل الى مرحلة الصراع ،تدور حول زعامة منطقة الخليج ، إذ أن الإمارات ترى نفسها كمنافس للمملكة العربية السعودية وليس كشريك صغير ، ولذلك سعت ابو ظبي الى القيام بخطوات نوعية خارج العباءة السعودية ، من قبيل : خطوة التطبيع مع اسرائيل وطرحت فكرة ( الإبراهيمية ) كإطار تبني عليه خطواتها التالية لتوسيع دائرة دخول دول عربية في هذا الاطار ومن خلال البوابة الاماراتية .
ومثلما اتخذت الامارات قرار التطبيع بمعزل عن المشورة السعودية ، ايضا حرصت ابو ظبي على ابقاء ( شعرة معاوية ) متصلة مع دمشق الامويين  ومع ايران الاسلامية وذلك في ذروة العداء السعودي لكل من طهران ودمشق  . وفي تلك الحقبة ، كانت الامارات غائبة ومغيبة عن الساحة العراقية لصالح دور سعودي متصارع مع ايران حول بغداد .
في الساحة اليمنية ، وبدون مقدمات اتخذت الامارات قرار الانسحاب من الحرب اليمنية عام 2019 ، تاركة  السعودية وحيدة في حرب استنزاف دخلت عامها العاشر .
ما آلم السعودية ليس فقط الانسحاب من اليمن ، بل اقدمت الامارات على تشكيل مليشيات قوية وفعالة في الساحة الجنوبية اليمنية ، حيث قامت ببناء قاعدة عسكرية ومدرج على جزيرة سقطرى  في مضيق باب المندب وبدعم اميركي واسرائيلي ، بالاضافة الى سيطرة مليشيات اماراتية على موانئ مهمة على سواحل بحر العرب وتحديدا في محافظتي عدن والمهرة  ، متحدية بذلك حلما سعوديا عمره 80 عاما بان تكون للملكة اطلالة على بحر العرب .
 بالمقابل ، انزعج حكام الامارات من  المصالحة السريعة بين الرياض والدوحة بعد حصار مشترك ضد قطر استمر لاكثر من اربع سنوات ،وهو ما خلق انطباعا في ابو ظبي بان الرياض تعمل ضد المصالح الاماراتية .
هذا الاعتقاد تعزز بعد قرار السعودية بحرمان الشركات التي تقيم مكاتبها في الامارات من الاستثمارات المربحة في المملكة ،ما لم تنقل مكاتبها الى الرياض .
شعور متزايد بالعداء ، تكرس بصورة جلية بعد نجاح الثنائي الروسي السعودي في تحديد حصص الانتاج لدول أوپيك حارمة بذلك الامارات من فرص زيادة انتاجها تبعا لمتطلبات الحاجة لمزيد من العوائد لتمويل مشروعات اماراتية استراتيجية .
الآن علينا ان نفهم ، كيف استثمر السوريون والايرانيون هذه الخلافات التي انقلبت لصالح كل من دمشق وطهران في وقت اعتقد الكثيرون ان هاتين العاصمتين تمران في احلك الضروف من الضعف والصعوبات ؟
ثمة قاعدة اساسية في علم السياسة تفيد بان اية قوتين متكافئتين في عوامل القوة الاستراتيجية ، تفقدان بعض هذه العوامل وتظهر نقاط ضعفهما ، وذلك اذا انتقلتا الى مرحلة التنافس الصراعي .
الرئيس الاميركي بيل كلينتون حرص وبناء على نصيحة هنري كيسنجر على منع انهيار روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وذلك لكي لا تظهر نقاط ضعف الولايات المتحدة كقوة لم تكن قادرة على التفرد في قيادة العالم .
والحال كذلك بين الهند وباكستان وبين ايران والسعودية ، وبين الهند والصين ..فاي من طرفي الصراع ليس بمقدوره الغاء قوة الاخر .
بالنسبة للسعودية والامارات ، تمران الآن بمرحلة التنافس الصراعي ولم يصلا بعد مرحلة الالتفات الى ان الصراع بينهما سيكشف عورات ضعفهما والذي يعني اختلال معادلة القوة حول زعامة منطقة الخليج .
من خلال هذه الثغرة ، وجدت اطراف في المنطقة ان الفرصة متاحة لاستثمار هذا الاختلال في المعادلة وذلك لشغل الفراغ الناجم عن المرحلة القلقة .
وفي هذا السياق حصل الاتفاق السعودي الايراني  الذي ترى فيه كل من الرياض وطهران مصلحة مشتركة بعد ان انكشفت لكليهما نقاط القوة والضعف  لديهما وهذا ما صرح به كبير المستشارين في السياسة الدولية الايراني كمال خرازي خلا زيارته لدمشق وتصريحه بانه (( لا يمكن للسعودية وايران الغاء احدهما للاخر .. )) .
 دمشق من جهتها، كانت تحيك علاقات راسخة مع دولة الامارات وتكللت بالزيارة الاخيرة للرئيس بشار الاسد الى ابو ظبي وذلك في توقيت ناكف فيه رغبة السعودية بابقاء عضوية سورية معلقة في الجامعة العربية وذلك مع حلول انعقاد القمة العربية في الرياض .
اما اهل الحكم في بغداد ،فليس لديهم القدرة على معرفة اوزانهم ، وبالتالي ومن الطبيعي ليسوا قادرين على معرفة اوزان المتصارعين من قوى اقليمية ومعرفة حجم المتغيرات في المنطقة ،فكان منطقيا ان تخطف بكين منهم فرصة تحقيق الاتفاق السعودي الايراني  لانه ليس لهم الوزن الكافي لتامين جزءا من ضمانات الاتفاق .
والحال كذلك مع دمشق ، إذ فضلت بغداد ان تكون حامل رسائل اميركية وسعودية الى القيادة السورية ، غير مكترثة الى اليوم الذي لم تعد هناك رسائل يوصلها ساعي البريد ولن يجد احدا يفتح له ابوابه وذلك بعد ان يصبح بمقدور كلا العاشقين ان يلتقيان جهارا نهارا .